عن دار ''فسيرا'' وبدعم مادي ومعنوي من دار الثقافة لولاية أدرار، التي يرأسها الشاعر المبدع عبد الكريم ينينة، صدرت رواية « مملكة الزيوان « للروائي الواعد الدكتور/ الصديق حاج أحمد الزيواني ، وهو باحث وأكاديمي يعمل أستاذا محاضرا بجامعة أدرار؛ وتعتبر هذه الرواية باكورة الأعمال الإبداعية المنشورة للأستاذ، كما أنها أول رواية يكتبها أحد أبناء المنطقة، ويشتغل على فضائها الصحراوي. كما أدخل وحدات لغوية بدأت تفقد تداوليتها من المعجم المشكل للخطاب اليومي لهذه المنطقة، وبعث فيها الحياة من جديد، وحمى بذلك تلك الوحدات من الانقراض اللغوي، ولعلّ من أبرز تلك المفردات مفردة « الزيوان» ذاتها، التي تعني العرجون القديم بعد أن يتجرد من تمره، ويحافظ على غصنه وشماريخه اليابسة، وقد كانت بمثابة المكنسة لدى الأمهات في سوالف الأيام. الرواية زمانيا أطّرتها سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات ، وما وقع فيها من تحوّل ثقافي واجتماعي، واقتصادي، خصوصا بعد انتشار مجانية التعليم وإلزاميته، ونجاح زراعة الطماطم التي أسهمت في تحسين الوضع المعيشي لسكان الإقليم ومما زاد الحكاية إثارة وتشويقا استحضار الروائي لذاكرة الصبي المراقب لمجريات الأحداث، وتفاعلات المجتمع معها، وكشفه بسرد جغرافي تلك الموجات والطفرات المتلاحقة، التي أعقبت أيام الجوع والحرمان والبؤس بكل صوره وتدعياته. واستطاع أن يلامس بذكاء، مواطن التوتر الاجتماعي المتغذية على الأعراق ونقاء السلالة؛ ولكنه أبطل بؤر الشحن القائمة على الإقصاء ونبذ الأخر، وانتصر للتغيير الفكري والثقافي وعوامل الزمن. وكذا القرارات السياسة كالثورة الزراعية التي أحدثت زلزالا صاخبا بالقصور التواتية خلال فترة بداية السبعينيات من القرن الماضي. على مستوى الشخوص، غاص الروائي حاج أحمد في ذاكرة التواتيين، واستدعى منها أسماء صنعت أحداث الرواية وتفصيلات السرد، و أحيى بذلك من جديد أسماء أصبحت غريبة في مدونة الأسماء لدى الجزائريين، سواء أكانوا ذكورا أو إناثا، ومن هذه الأسماء « منوبة، نفوسة، أميزار، الغيواني، عيشة مباركة، النايرة، أميزار....» ليعيد جدلية التسمية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. البرنامج السردي للرواية انتظم في برنامجين سرديين، الأول يترتب على تحول اجتماعي من السيئ إلى الأحسن نتيجة الوثبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي وفرت للمجتمع آليات التطور والتحسن المعيشي، وأبطلت بؤر التوتر الاجتماعي. أما البرنامج السردي الثاني فإنه يترتب على علاقة غرامية بين شاب صحراوي وفتاة جزائرية عاشت في تونس، ومرت بكثير من الخيبات والتقاطع قبل أن تنتهي بالتواصل العاطفي ويظهر لي أن الروائي الصديق في روايته « مملكة الزيوان» يأخذ على عاتقه محاولة تقليص الجفوة والفجوة الموجودة بين المبدع والقارئ في الجزائر، إذ اشتغل على لغة سهلة ممتعة بسيطة في تراكيبها، مدغدغة في شعريتها، لكنها شائعة في أسلوبها، ومشفوعة بشيء من روح الدعابة والسرد العفوي. جدير بالذكر أن الرواية عتّب لها الروائي والناقد الكبير السعيد بوطاجين بنص مواز يؤكد على ضرورة الاهتمام بالأقلام والكتابات التي تستحضر الهوامش على حساب المراكز، وتحتفي بالعلامات الصحراوية، ولاسيما الرمل رصيف الإنسان بهذا الفضاء. ويبدو لي أن الرمل الصحراوي لم يعد مجرد زوابع وعواصف تهدد بالزحف جغرافيا، إنما أصبح حراكا ثقافيا يزحف إبداعيا ليثبت ذاته وكينونته. هنيئا لأدرار وجامعتها في أول إنجازاتها الروائية، وهنيئا للجزائر ميلاد روائي يتلمس طريقه في الإبداع السردي، ثم التهنئة الكبرى للدكتور حاج أحمد الصديق بهذا المولود الإبداعي، مع تمنياتي له بالتوفيق ومواصلة الكتابة الإبداعية وتطوير تجربته الفنية.