عاد الجدل بقوة إلى الساحة السياسية خلال الأسبوع المنصرم بخصوص تأجيل التعديل الدستوري إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وبدت المعارضة وللأول مرة مقتنعة بأنها تجهد نفسها في الحديث عن العهدة الرابعة، تتمسك بما تسميه مؤشرات على أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لن يترشح لعهدة جديدة وأن صناع القرار ربما وصولوا إلى توافق على شخصية سياسية يمكن أن ترشح باسم الإجماع لخلافة بوتفليقة، في وقت يدعوا فيه الأفلان الرئيس إلى الترشح والتعجيل بتعديل الدستور. حشد حزب جبهة التحرير الوطني إطاراته ومناضليه في تجمع احتضنه مركب 05 جويلية بالعاصمة خصص للرئاسيات المقبلة بالدرجة الأولى من خلال دعوة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الإعلان ترشحه لعهدة رئاسية رابعة والتعجيل بتعديل الدستور، ويتزامن تحرك الحزب العتيد مع عودة الجدل وبشكل غير مسبوق حول التعديل الدستوري والحديث عن رضوخ السلطة للمعارضة وتأجيل الحسم في هذا الموضوع لما بعد الرئاسيات المقبلة، فضلا عن ترويج مصادر مختلفة لمعلومات تقول بأن الرئيس بوتفليقة يكون قد قرر عدم الترشح، وأن صناع القرار داخل الحكم قد اتفقوا على بديل له لقيادة البلاد خلال السنوات الخمسة المقبلة. فبعد التصريحات التي أطلقها رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي وزعم من خلالها بان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يكون قد حسم في مستقبله السياسي وقرر عدم الترشح لعهدة رئاسية رابعة، جاء الدور على عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، الذي أوضح أن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن أجنحة النظام الحاكم توافقت على مرشح بديل لخلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات القادمة بسبب وضعه الصحي، وهذا من دون أن يوضح طبيعة تلك المعطيات التي استند إليها، مضيفا أن مشروع الولاية الرابعة لبوتفليقة يبدو أنه لن يتحقق وقد لعب الوضع الصحي للرئيس عاملا مهما في التراجع عنه. وتأتي هذه التصريحات في ظل محاولات لأحزاب المعارضة من أجل التكتل لتقديم مرشح واحد في الرئاسيات المقبلة يمكن أن ينافس من تسميه بمرشح السلطة المحتمل، ويبدو أن بعض الشخصيات السياسية التي أعلنت لحد الآن ترشحها والتي يقارب عدد ال 15 شخصية، تحاول أن تفوز باختيار المعارضة مع أن الكثير من الأحزاب التي تتحرك في اتجاه منع العهدة الرابعة تسعى في نفس الوقت إلى كسب ود صناع القرار وتعرض خدمة على السلطة علها تفوز بمقعد أمامي إلى جانب التيارات التي تنجح في »صناعة الرئيس المقبل للجزائر«، أو هكذا تعتقد هذه الأحزاب والتيارات السياسية التي غرقت منذ مدة في مسألتين أساسيتين، الاستثمار في حالات الغضب الاجتماعي ومنع الرئيس بوتفليقة من الترشح لعهدة رئاسية رابعة. وبطبيعة الحال شكل موضوع تعديل الدستور أحد اكبر القضايا التي ركزت المعارضة عليها نضالها منذ فترة، ولما تتحدث هذه المعارضة عن انتصار حققته ضد السلطة فيما يتعلق بهذا الموضوع، خصوصا بعدما بدا لها بأن تعديل الدستور سوف يتأجل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، مما يعني في تقديرها على الأقل بأن بوتفليقة لن يجد أي صيغة تمكنه من أن يواصل في الحكم، وأن خيار نائب الرئيس على الطريقة الأمريكية لن يكتب له النجاح، ومن ثمة سيضطر الرئيس إلى رمي المنشفة وعدم الترشح، ما دام الاعتقاد السائد لدى معارضيه هو أن وضعه الصحي لن يمكنه من تنشيط الحملة الانتخابية والقيام بكل ما يفرض عليه الدستور للترشح لعهدة رئاسية جديدة. لكن ومهما قيل عن مسألة ترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة من عدمه، يبدو أن المعارضة في الجزائر أو أغلبها قد فقد حتى الحس السياسي الذي يفترض أنه أساس وجود الأحزاب في الساحة بالسياسية، فتركيز النقاش على العهدة الرابعة وعلى تأجيل الدستور يعكس ضحالة المستوى السياسي لأغلب التشكيلات السياسية المعارضة التي عجزت لحد الآن عن تنشيط الساحة كما يجب، وتتحمل هذه المعارضة جزء كبير من المسؤولية على تدني العمل السياسي وحتى على ممارسات السلطة التي نجحت على ما يبدو في تحويل اغلب التشكيلات السياسية إلى آلات خاوية لعزف مقاطع مرحلية ينفر منها أغلب الجزائريين. ولأول مرة ربما يقف الجزائريون في حالة ذهول أمام جدل حول انتخابات ابتدع »كهنة« الإعلام والسياسية في رسم مختلف السيناريوهات المحتملة بشأنها، لدرجة أن المواطن البسيط لم يعد يقبل الدخول في المهاترات التي تطرح للنقاش، ويفضل انتظار ما ستسفر عنه الأمور لينتخب أو ليقاطع ويعود إلى يومياته بعيدا عن هرج ومرج السياسية. يوميات جل الجزائريين لا تبدو على أحسن حال خصوصا في الفترة الأخيرة، فالانجازات التي يزورها الوزير الأول عبد الملك سلال من خلال رحلته المتواصلة إلى الولايات، والأموال التي يجندها لاستكمال المشاريع وبعث مشاريع جديدة في مختلف القطاعات، يقابلها ارتفاع متواصل لمختلف المواد لاستهلاكية الأساسية، إلى درجة أن الكثير من الناس لم يعد يفهم هل الحكومة تريد فعلا السلم الاجتماعي الذي تدفع الملايير لشرائه، أم تدفع في اتجاه التعفن، فارتفاع الأسعار أدى إلى فوضى عارمة عمت مختلف الولايات في جانفي ,2011 واحتمال تكرار نفس السيناريو وربما بشكل اعنف قائمة، خصوصا وأن العديد من القطاعات بدأت تتحرك، فأعوان الحرس البلدي عادوا إلى سياسة التصعيد للي ذراع الحكومة، وقطاع التربية عاد إلى الغليان رغم وعود الحكومة، علما أن كل هذا يحصل في وقت تتأهب فيه الجزائر لخوض غمار انتخابات رئاسية حاسمة ومصيرية، تحوم حولها رهانات داخلية وخارجية، وتراقبها أعين من كل جهة، بما في ذلك الجهات التي لا تزال تراهن على الزج بالجزائر في سيناريو ما يسمى بالربيع العربي لاستكمال حلقة التعفين والتقسيم التي يجري تنفيذه في العالم العربي. ولو قرأت السلطة جيدا أحداث غرداية، خاصة وأن الهدوء عاد إلى المنطقة بعد عمل مضني رسمي وغير رسمي شاركت فيه أطراف عديدة من بينها جمعية العلماء المسلمين، لتوصلت حتما إلى استنتاج عدة دروس قد تمكنها في المستقبل من تجنيب المنطقة وربما مناطق أخرى فتنة من هذا النوع، فما حصل في غرداية أرعب لأول مرة السلطة وتركها تحس بان التعفن يمكن أن يخرج عن السيطرة وقد يمتد إلى جهات أخرى، فغرداية غير معزولة عن باقي جهات الوطن، وأحداث الجنوب لا تزال ماثلة للعيان وقد تشتعل المنطقة في أي لحظة في وقت أضحت فيه الجزائر واقعة تحت مجهر قوى كبرى لها حساباتها ولها سناريوهاتها الخاصة المرتبطة بمصالحها في العالم، فالقول بأن الجزائر عاشت ثورتها الديمقراطية منذ عقود، والقول بأن الجزائر رقم فاعل في المنطقة خصوصا في مجال مكافحة الإرهاب، لا يعني إعفاءها من أجندة الفتنة العربية التي تتجاوز في أبعادها عقول حكام العرب وحتى نخبهم الذين يعقدون بأن أمريكا أو فرنسا أو بريطانيا تحولوا بسرعة إلى حماة للحرية وللديمقراطية. هناك أكثر من وسيلة وأداة يمكن أن تستعمل لتنفيذ أجندة الدول الغربية في المنقطة، ولما تعلن فرنسا أنها قد شرعت في التحقيق حول عملية احتجاز الرهائن في المجمع الغازي تيقنتورين بإن أميناس والذي كان منذ عام من الآن أي في جانفي المنصرم، فهذا يعني بان باريس تسعى إلى استعمال الاعتداء كورقة أخرى لممارسة الضغط على الجزائر، والسؤال المطروح هنا هو لما تتفنن فرنسا في اصطياد العمليات الأمنية التي تقوم بها مصالح الأمن الجزائرية للضغط على الجزائر، رغم أن ما تبذله الجزائر من جهد في مجال مكافحة الإرهاب يفيد أيضا فرنسا التي تستهدفها التنظيمات »الجهادية« رعاياها وتستهدف مصالحها حتى في عقر دارها، ناهيك عن مصالحها في شمال افريقيا والساحل الصحراوي ومناطق أخرى من العالم.