عرض أول أمس بقاعة » محمد زينات » برياض الفتح تحفة المخرج الفلندي آكي كوريسماكي »لوهافرLe Havre« في إطار أيام الفيلم الأوربي بالجزائر يمثل صرخة المخرج الإنسانية قدمها بنظرة تفاؤلية ، وهو إنتاجاً مشتركاً بين فنلنداوفرنسا وألمانيا؛ ناطق بالفرنسية ،فاز بجائزة »الاتحاد الدولي لنقاد الأفلام» في مهرجان كان السينمائي الدولي وجائزة »آري زيس» في مهرجان ميونيخ السينمائي. يروي الفيلم قصة ماسح أحذية يحاول إنقاذ طفل مهاجر في ميناء إحدى المدن الفرنسية الصغيرة التي تحمل اسم الفيلم؛ وهو ينطوي على العديد من المضامين العالمية الغنية التي تتناول مسائل التمييز العنصري والهجرة غير الشرعية. يعتبر فيلم كوريسماكي من أجمل وأقرب الأفلام إلى قلوب المشاهدين اينما عرضه هذا المخرج الذي يواصل تقديم الأفلام المثيرة للإعجاب، كونه يجمع بين طابع سينما المؤلف، أي السينمائي الذي يملك رؤية خاصة للعالم وهي سينما »نخبوية» عادة، وبين طابع الفيلم الشعبي، الذي يتميز ببساطته، بوضوح رؤيته، بحميميته، وبموضوعه الإنساني القريب من القلوب. في هذا الفيلم ، يخرج كوريسماكي عن حدود هلسنكي عالمه الأثير، ليقدم عملا من الإنتاج المشترك مع فرنسا، يصوره في الميناء الفرنسي الشهير الذي يحمل الفيلم اسمه، ولكن دون أن يتنازل، عن تقديم رؤيته الخاصة، مجسدا من خلالها عالمه الخاص الأثير إلى نفسه، عالم الشخصيات الهامشية الوحيدة التي تشعر بغربتها في العالم، وحاجتها إلى التعاضد الإنساني، قدرتها رغم ذلك على السخرية، وعلى التحلي بروح متفائلة. فيلم كوريسماكي يعتمد كعادته، على سيناريو متقن، يجسد أزمة الفرد في المجتمع، ولكن عندما يكتشف أن تحققه يمكن أن يأتي من خلال توحده مع الآخرين، وعلى أداء تمثيلي محكوم، وعلى أسلوب إخراج، صحيح أنه يعكس طريقة صاحبه في التعبير. بطل الفيلم ماكس رجل في خريف العمر، مهاجر فنلندي متجنس بالجنسية الفرنسية يعيش مع زوجته المعتلة صحيا أرليتي فهي مصابة بمرض خطير، لكنها تخفي الأمر على زوجها وتتشبث بمعجزة الشفاء التي قد تأتي في نهاية الأمر. وماكس فنان كان ذات يوم في الماضي، مرموقا ثم تدهور به الحال واضطر إلى العمل كماسح للأحذية على أرصفة ميناء الهافر وأمام مقاهيه. يسوق القدر إليه ذات يوم طفلا إفريقيًّا من المهاجرين غير الشرعيين الذين تقبض عليهم السلطات وتضعهم في معسكر كبير للمهاجرين تمهيدا لترحيلهم. هذا المعسكر المعروف الذي ذاع صيته عبر نشرات الأخبار خلال الفترة الأخيرة، ويعرف بإسم الغابةوتمت تصفيته بقسوة وفظاظة من قبل السلطات الفرنسية. الطفل إدريسا يتمكن من الهرب من الشرطة، ويلجأ الى منزل ماكس الذي يأويه ويمده بالرعاية ويخفيه عن عيون الشرطة، في غياب زوجته المريضة في المستشفى، وبمعاونة كلبته الأليفة الذكية لايكا، وهي في الحقيقة الكلبة التي يصفها بعض النقاد بالكلبة الأكثر شهرة في السينما الأوروبية، فهي تظهر في معظم أفلام »كوريسماكي» وترتبط به. لكن ضابط الشرطة المخضرم المفتش »مونيه» يشك في وجود الصبيّ في منزل ماكس، ويحاول استدراجه للاعتراف. ولكن هذا الضابط القاسي الملامح، الجامد من الخارج سنكتشف قرب النهاية أنه يخفي قلبا شديد الطيبة لا يقل في طيبته عن جيران ماكس جميعا وأصدقائه الذين يساعدونه بتوفير احتياجاته من المواد الغذائية بمن فيهم البقال الجزائري الأصل المتزوج من فرنسية، وعامل القمامة الصيني الأصل، وجارته الفرنسية الطيبة صاحبة المخبز التي تزوده يوميا بالخبز. يبدأ الجميع في جمع التبرعات من أجل دفع تكاليف تهريب الصبيّ إدريسا على متن سفينة تعبر إلى الساحل البريطاني لكي يلتحق الصبي بأمه التي سبقته في التسلل إلى بلاد الانجليز وتقيم في لندن. وينهي وريسماكي الفيلم بخروج زوجة ماكس من المستشفى بعد مثولها للشفاء من مرضها العضال.