عادت السينما الجزائرية إلى الواجهة بفضل فيلم آخر عن حرب التحرير. وكأن مجد السينما الجزائرية ماضيا وحاضرا بات مرتبطا بالتاريخ المعذب والعلاقات الخطرة مع عدو الأمس وخصم اليوم. "خارجون عن القانون" انتزع التقدير العربي ليس في مهرجان دمشق السينمائي حين حصد الجائزة الذهبية وجائزة أحسن فيلم عربي ولكن باعتراف أغلب النقاد في الصحافة العربية المهاجرة منها والمحلية التي حيت الفيلم و اعتبرته فيلما "مدهشا" كما قال الناقد صبري حافظ في جريدة أخبار الأدب. والإشادة كانت إلى جانب موضوعة الفيلم التي تستعيد عبر مأساة ثلاثة إخوة تاريخ الجزائر في مراحل مفصلية وتقرأ التاريخ دون أن تغفل الحاضر عبر إسقاطات فنية لا يقو عليها إلا مخرجا عبقريا في مكانة رشيد بوشارب، وكذلك التقنية العالية والحرفية السينمائية التي طالما ميزت بعض الإنتاج الجزائري الذي يضاهي في حرفيته السينما العالمية، والذي كسر تقاليد السينما العربية التي تفتقر في العادة إلى ثقافة الصورة ولغة السينما فتستعيض عنها بالحوار المنطوق، أي بالجانب الأدبي والمسرحي الذي لا يمت بصلة إلى السينما صناعة ولغة.ثم أن رشيد بوشارب أكد مرة أخرى تمكنه من حرفته عبر تعدد التقنيات المستعملة في الفيلم، وحافظ على فنية الفن وشجاعته كمثقف لا يخضع للضغوط، حيث قدم قراءته أو روايته للتاريخ ولم يفكر في الرقيب الذي ظهر فجأة في فرنسا غير متسامحة بل وعنصرية لا تكتفي برفض الاعتراف بجرائمها الكولونيالية فحسب ولكن تحاول حجب القراءات التي تشير إلى هذا الميراث الشنيع وتعريه، وتدفع في النهاية بفنان يحمل جنسيتها، في صورة ومكانة رشيد بوشارب، إلى الهجرة إلى أمريكا بحثا عن جرعة حرية.والمفارقة التي يجب الوقوف عنده أيضا أن "العودة العربية" للسينما الجزائرية جاءت على يد مخرج مهاجر في وقت بات يلعب فيه "أطفال المهجر" دورا بارزا في الحياة الوطنية، سواء في الثقافة أو الرياضة، والأمر لا يتعلق بالمهاجرين الجدد ولكن بالجيل الثالث للهجرة الذي عاد إلى هويته بعد أن اصطدم بموجة العنصرية الجديدة في القارة العجوز التي أيقظت شياطينها القديمة.هذا الوضع مكن الجزائر من حفر مكان لها في الساحة الموسيقية العالمية، حيث نجحت أصوات جزائرية في الانطلاق من قلب أوروبا إلى العالم، والأمر لا يتوقف عند خالد و مامي ورشيد طه ولكن أيضا مع سعاد ماسي بهجة رحال وأمال بنت وأمازيغ كاتب وغيرهم.. وفي الأدب أيضا أستطاع جزائريون الوصول إلى العالمية عبر "الهجرة" ولا ننسى أن كرة القدم الجزائرية تدين بفضل عودتها إلى محفل الأمم إلى أقدام مهاجرة. و هكذا استطاعت "الدياسبورا" الجزائرية أن ترسم بصمتها في الحياة الوطنية بل وتقدم إسهاما رمزيا مكن من زعزعة فرنسا التي تتقاسم مع الجزائر جنسية أبناءها، كما هو الشأن في حالة رشيد بوشارب.و الملفت أن رشيد بوشارب رسخ قدمه في السينما العالمية عبر قضايا كبيرة كما في "ليتل سينيغال" حيث يبحث دليل المتاحف العجوز الأسود عن جذوره، أو لندن دريفر أو في فيلم الأهالي الذي هز فرنسا بل وغير تشريعاتها. ومرورا بخارجين على القانون وقريبا سيحفر في ميراث العنصرية الأمريكية هو الذي قرر أن يعيش على الضفة الغربية للأطلسي.ورشيد بوشارب ليس وحده في هذا المجال حيث نجح مواطنه مرزاق علواش في نقل الذات الجزائرية والكيان الجزائري إلى الشاشة الفضية عبر أفلام مثيرة بداية من "عمر قاتلتو" وانتهاء بطاطا بختة وبينهما حب في باريس وشوشو وسلاما ابن العم و حراقة وباب الواب وهي ملاحم جزائرية تروي الوطن كما تروي مآسي الهجرة في قالب كوميدي وببلاغة سينمائية قل نظيرها في الضفة الجنوبية للمتوسط. وطبعا هناك أسماء جزائرية كثيرة تبحث عن نفسها في أوروبا حيث تواجه صعوبة في الإنتاج ولا تملك من سلاح سوى كفاءتها مثل هو حال المخرج كريم طرايدية الذي يبرز في هولندا ويحلم بإنتاج فيلم عن طفولته في الجزائر. لكن المثير للاهتمام أن بعض "شيوخ" السينما الجزائرية أثبتوا محدوديتهم ولازالوا يستحلبون الدولة لإنتاج "أفلام" تولد ميتة حتى وغن كانت تعزف على وتر التاريخ الموضوع الأثير لدى الجزائريين.