ونحن ندخل عالم الشّعوذة، صفعتنا حقائق مذهلة، لا يعرفها إلا من ولج هذا العالم، طقوس عجيبة وشياطين محضرة وخلطات سحريّة غاية في الغرابة، تنمّ عن عقليات جاهلة تعيش بيننا وتؤمن أيّما إيمان بمفعول السّحر ومدى قدرته على تغيير القضاء والقدر، نعم صدّق أو لا تصدّق، هم زبائن من نوع خاص، وراء كلّ واحد منهم قصّة غريبة، نساء وحتى رجال حرّكتهم نوايا مبيّتة وأخرى انتقامية من هذا الشخص أو ذاك، وسحرة يدّعون معرفتهم بأمور الدنيا والغيبيات، وإمكانية الإضرار بالغير أو تغيير المكتوب، بينما همّهم الأوّل والأخير جني أموال، بالاستثمار في مآسي ضعاف النّفوس بتعاويذ سحرية يدفعن مقابلها مبالغ باهظة، بداخل أوكار تملأها الأكاذيب والمعاصي بعيدا عن أيّة مراقبة لهؤلاء الناجين من قبضة القانون، وهم يلتهمون أموال النّاس بالباطل وسط صمت رهيب مطبّق من القمّة ومن القاعدة..وجه خفيّ للمجتمع يستدعي وقفة من علمائه ومفكريه ومصلحيه ومثقفيه.. بل الجميع مدعوون لقراءة هذا الملف والبحث عن حل لهذا العالم المخيف. أكّدوا تفشّي الظاهرة في بعض الإدارات واستنجاد شخصيات بهم مختصّون يطالبون بمحاسبة زبائن المشعوذين مثلهم مثل المشعوذين طالبت المحامية فاطمة الزّهراء بن براهم بمعاقبة زبائن المشعوذين مثلهم مثل المشعوذين، لكون الجريمة مشتركة بينهما، فيما أرجع السوسيولوجي يوسف حنطابلي أسباب اللّجوء إلى السّحرة إلى الجهل المتفشي وسط تركيبة إجتماعية وثقافية مرتبطة بهذه الأساليب تبيح التوسّل بالمشعوذين لقضاء حوائج معيّنة، فعل حرّمه الإمام جلّول قسّول واعتبره من أكبر الكبائر. دعت المحامية فاطمة الزّهراء بن براهم إلى محاسبة زبائن المشعوذين مثلهم مثل هؤلاء لكون المسؤولية مشتركة فيما بينهم، قائلة في حديثها ل»صوت الأحرار«:»أنا مع معاقبة المشعوذين وزبائنهم معا«، مع مراعاة أنواعهم حيث يوجد حسبها الشوّافات، القزّانات، الكهّانات، السحّارات والمشعوذات، يتمّ معاقبتهم حسب طرقهم في التّعامل مع الزّبائن، حيث يكتفي البعض منهم بقراءة الطّالع فقط باستخدام الكارطة أو ما يعرف بعلم النّجوم، وهؤلاء يحوزون على سجلّ تجاري ويدفعون الضّرائب، شأنهم شأن المعالجين بالأعشاب أو الطبّ البديل و»القطيع«. أمّا السّحرة ممّن يتلاعبون بعقول الزّبائن فتصبح إرادتهم ملكا لهم، ويشكّلون خطرا على صحّتهم، فيحاسبون حسب المحامية وفق نصوص المادّة 260 من قانون العقوبات التي تنصّ على معاقبة من يتسبّب في تسمّم شخص بالاعتداء على حياته بتأثير مواد يمكن أن تؤدّي إلى الوفاة آجلا أو عاجلا، على غرار استخدام البول وبعض الخلطات السّامة. في ذات السّياق أكّد جلّول قسّول، إمام مسجد القدس ورئيس مكتب النّشاط المسجدي بوزارة الشؤون الدينية، أنّ زبائن المشعوذين هم ضعاف نفوس وإيمان، يبحثون عن حلول لمشاكلهم عند هؤلاء رغم أنّ الإسلام أرشد الإنسان إلى طرق الشّفاء، وذهب إلى تحريم اللّجوء إلى الشّعوذة لأنّها تغيّب العقل، وهو ما أسماه »وضع العقل تحت طائلة الطّلاسم وأقوال غير مفهومة وأعمال شركيّة باستخدام أشياء قذرة على غرار عظام الموتى، البيض الفاسد، الحيوانات السّامّة، الطيور الجارحة وغيرها من المواد القاتلة معنويا وصحيّا، والمؤثّرات الضارة على المجتمع«. الإمام كشف أنّ مقامات الصّالحين والمقابر لم تخلوا من هذه الأفعال الشّركية، مؤكّدا أنّ طرق أبواب المشعوذين وتصديقهم شرك بالله تعالى، مشيرا إلى أنّه لا تقبل صلاة من فعل ذلك أربعين يوما، المشعوذين يتخبّطون في الجهل وغارقون في الأميّة والفقر والمرض، يأكلون أموال النّاس بالباطل، مضيفا أنّ »حكم السّاحر القتل، لأنّه يقتل فكر وعقول النّاس بغير حق« وهو جريمة من الكبائر حمكها كقاتل النّفس. وفي تحليله للظاهرة، أكّد يوسف حنطابلي أستاذ علم الاجتماع أنّ ما أسماه »التوسّل بالمشعوذين« ينمّ عن مستوى الجهل الذي تغلغل وسط ثقافات وتركيبة اجتماعيّة مرتبطة بهذه الأساليب والتوسّلات بالمشعوذين، ومنها ما هو متوارث أضحى في بعض المناطق سلوكا عاديا رغم حملات التّوعية بأنّها شرك بالله تعالى. في ذات الإطار ربط السوسيولوجي حنطابلي اللّجوء إلى المشعوذين بالمستوى المادّي لدى زبائنهم المنتمون إلى تركيبة اجتماعية تؤمن بقدرتهم على تحسين أوضاعهم، حلّ مشاكلهم وحتّى ترقيتهم إلى مناصب عليا، »هؤلاء ليسوا محصّنين دينيا ويعتقدون أنّ المشعوذين يمنحونهم إجابات، تفسيرات وتنبّؤات عن مسارهم الحياتي«،. وفيما كشفت بن براهم تسجيل حالات سحر بقاعات المحاكم واستنجاد شخصيات بالمشعوذين لقضاء حوائجهم، أكّد السوسيولوجي حنطابلي ذلك مشيرا إلى تفشّي الظّاهرة في بعض الإدارات، حيث يلجأ بعض العمّال إلى أعمال السّحر لبلوغ مراتب معيّنة، لتصبح بذلك »الشّافات هي حلّ لغز بعض العلاقات الاجتماعية التي لم يستطع الإنسان النّاجح بلوغها«.