لم تعد ظاهرة الشعوذة حكرا على الشيوخ المسنين الذين توارثوها أبا عن جد، بل تحولت إلى تكوين مهني لفئة الشباب البطال قصد إدماجهم في مهنة ليست كباقي المهن لأنها - ببساطة - محرمة شرعا إقبال متزايد للشباب للإحتيال على جيوب الضحايا في حديث مع أهل ”الحرفة” بعدة قرى ومداشر ولاية سطيف، اكتشفنا ما لم يكن في الحسبان، إذ يلجأ هؤلاء المشعوذون إلى التحايل على القانون باسم الكاتب العمومي، حسبما قرأناه في اللافتة الخارجية للمحل، وفي الداخل يمارس هؤلاء طقوسهم الخاصة للإستيلاء على دريهمات النساء على وجه الخصوص، لاسيما نساء الريف اللواتي يكتنزن الأموال لوقت الحاجة. ويسعى المشعوذ دائما إلى استمالة الأغنياء وأصحاب المشاريع وتهديدهم بالمصائب وصب الغضب عليهم في حال عدم منحه ”الإتاوات” لقاء الإستفادة من عفو المشعوذ ومنحه الحظ في العمل وكسب الصفقات الكبرى.. وهو يلجأ إلى هذه الخطة للتحايل على القانون بطريقة ماكرة، حيث لا يمنع هذا الأخير من ممارسة نشاط الكاتب العمومي. عجائب مثيرة تحدث خلال فترات التكوين يروي لنا أحد المشعوذين عجائب غريبة تحدث معهم في فترات التكوين في مراكز متخصصة تعمل خارج القانون بقرى ولاية بجاية، فهناك يتلقون التكوين والتعويذات الخاصة بالاستمالة، حيث يؤكد أنهم يطمسون كتاب القرآن في المراحيض، ويقرؤون تعويذات لا يفهمون حتى مضمونها، ويشاهدون داخل غرف مظلمة ممتلئة بالدخان أشياء تتحرك وأصوات مختلفة تشكل ضوضاء كبيرة، تسبب الإغماء في غالب الأحيان للمتربصين.. منهم من ينساق وراء ترهات ”شيوخ” هذه المراكز، ومنهم من يمضي في مهنته وفق ما تمليه عليه أفكاره الشيطانية فيما بعد، لدرجة أن بعض المشعوذين ممن ألقت مصالح الأمن عليهم القبض، أكدوا أنهم يمارسون طقوسا هم يجهلون محتواها وهدفها، والأكثر من ذلك يستعملون مواد وعقاقير تضرّ بصحة الزبون وتسبب لهم أمراضا قد تنتهي بهلاك الشخص. المهم هو كسب المال لا غير يقول مشعوذ آخر أن هدفهم الأول هو كسب المال، لأن هذه الحرفة - حسبه - هي تجارة للإستحواذ على جيوب ضحايا الشعوذة. هذا المشعوذ ينشط على خط بجاية - سطيف، يتنقل بين بلدية وأخرى، ويستغل وسائل النقل لتمرير رسائله المشفرة إلى زبائنه الذين يستدرجهم إلى مناطق مختلفة حسب درجة غنى الزبون، لاسيما شواطئ بجاية في فصل الصيف. وعلى مشارف الغابات يمارس المشعوذون طقوس رهيبة تنتهي غالبا بفقدان الفتيات لعذريتهن بسبب تعويذة الزواج، وآخرون يستغلون بركة ”يما ڤوراية” ببجاية كما يقولون، لتمريرها إلى الراغبات في الزواج.. فيما يكسب المشعوذ نحو 3 آلاف دج من تجارته الكلامية هذه، وقد تتعدى ال 50 مليون سنتيم يوميا في حال نجاحه في إبرام صفقات كبرى وقدرته على استمالة أصحاب ”الشكارة”.. لكن الخطر الكبير يأتي من الذين ستخدمون لافتات كاتب عمومي في واجهة المحلات بضواحي المدن والقرى، وهم ينشطون في الشعوذة وكتابة ”الحروز” بداخلها، وذلك ما يتنافى مع الشرع الإسلامي وقوانين الدولة. فإلى متى هذا التسيب..؟! عبد النور جحنين تدعي حل المشاكل ومعرفة ما تخبئه الأيام مشعوذات تتخذن مهنة العرافة للنصب على الزبائن الجهل والأمية قد يقودان المرء إلى ارتكاب المعاصي انطلاقا من السذاجة وضعف الإيمان، وذلك بممارسة السحر ظنا منه أنه يستطيع أن يحقق المعجزات.. حيث تنقاد بعض السيدات، والمثقفات منهن، وراء المشعوذات في الوقت الذي يجب أن يكون لديهن دور في توعية المجتمع والتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي تفتك بالروح والمال والجسد، والتي نهى ديننا الحنيف عنها كونها من الشرك بالله. انتقلت ”الفجر” إلى إحدى الأحياء الشعبية بولاية تيبازة قصد البحث عن المشعوذات ومعرفة طرق ممارستهن للسحر. انتحلنا صفة زبائن عاديين وقصدنا إحدى الساحرات هناك، دخلنا فوجدنا مجموعة نساء من مختلف الأعمار.. وكل واحدة منهن لديها مشكلة تسعى إلى حلها. اقتربنا من بعض الفتيات وسألناهن عن سبب مجيئهن إلى هذا المكان، فكانت أغلب الإجابات مشكل الزواج، حيث قالت حنان، وهي فتاة تبلغ من العمر 30 سنة، إنها في كل مرة تخطب فيها تفشل العلاقة لسبب تجهله. من جهتها، قالت سيدة أخرى إن زوجها يضربها بقسوة، كما أنه يخدعها مع نساء أخريات.. فقصدت هذه المشعوذة لوضع ”حجاب” لزوجها حتى يتوقف عن النظر إلى أي امرأة أخرى. والأمر الذي أثار استغرابنا أن معظم السيدات اللواتي وجدناهن مثقفات ولديهن مستوى علمي ومن المفروض أن يكنّ قدوة ويحاربن مثل هذه الأمور. تحدثنا مع منال، أستاذة رياضيات في إحدى الثانويات، والتي بدورها أخبرتنا بأنها عانس إذ لم يقصدها أي شاب لخطبتها. وهناك قصص وحكايات عديدة تروي معاناة بعض الفتيات من السحر الممارس عليهن من طرف جيران وأقارب جراء الكراهية والحسد، الأمر الذي أدى بهن اللجوء ل”الشوافات” بدل الرقية الدينية. والأمر هنا لا يقتصر فقط على السيدات، بل حتى الرجال والشباب يقصدون المشعوذات.. حيث التقينا بشاب يزعم أن امرأة مطلقة ولديها أربعة أطفال، سحرته، وهو يحاول التخلص منها لكن بدون جدوى. وبعد ساعات من الإنتظار، سألتني المشعوذة عن مشكلتي فقلت إنني أعاني من سوء الحظ.. فكل أمر أقدم على إنجازه أفشل منذ الوهلة الأولى، فردت المشعوذة قائلة: ”أمرك سهل فعندك رباط عن الزواج يجب أن تتخلصي منه”، ووصفت لي قائمة من العقاقير من فلفل أسود وحناء وماء الزهر وعقار ”الهبالة”، وأضافت قائلة ”إن العملية تدوم أربعين يوما، أما السعر فقد يصل إلى مليوني سنتيم”. انتقلنا بعدها إلى مجموعة محلات بيع العقاقير، وسألنا أصحابها عن توفر بعض العقاقير التي وصفتها المشعوذة في عملية السحر، فأجاب صاحب المحل بأنها متوفرة وبأثمان معقولة في متناول الجميع، حيث يقوم بإحضارها من المناطق الصحراوية وغرب البلاد. وعن إقبال المشعوذات عليه قال إنه من السهل التعرف عليهن نتيجة أنواع العقاقير المستعملة في عملية السحر. وعن شرعية بيع هذه العقاقير، قال صاحب المحل إنه تاجر ويقوم بعمله فقط دون أن يتحكم في الناس، كما أن العقاقير تستخدم لأغراض أخرى كالحار والحناء وغيرها من العقاقير. إيمان خباد الإمام عبد الكريم ليشاني ل ”الفجر” ظاهرة السحر أخذت أبعادا خطيرة في المجتمع الجزائري من جهته، قال عبد الكريم ليشاني، إمام وأستاذ معتمد ورئيس مكتب الثقافة والإعلام بمديرية الشؤون الدينية والأوقاف بولاية الجزائر، ”من يعتقد أن السحر ينفع فهو شرك بالله، أما من يؤمن به ويفعله يعتبر إثما أكبر ممن يعتقد به فقط، حيث يعتبر السحر من الكبائر، استنادا إلى حديث الرسول: ( ص) ”من أتى سحارا أو كاهنا فقد أشرك بالله”، والآية 102 من سورة البقرة: ”يعلّمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر”. وأضاف ذات المتحدث: ” لا يوجد حكم من الأحكام الصريحة يتضمن عقوبة الساحر، فالعقوبة ليست صريحة وإنما ضمنية، وهي الشرك بالله.. وللأسف في وقت العولمة أصبحت الظاهرة تمس طبقة حتى المثقفين في الوقت الذي يجب أن يكون الوازع الديني لديهم قائما على الوعي والإصلاح، بالإضافة إلى رجال الساسة بدليل أن في الدول الأوروبية يذهب البعض عند الكاهن لطلب الحظ والنجاح في حملات الإنتخابات”. وفي نفس السياق، قال عبد الكريم ليشاني:”إن ظاهرة السحر أخذت أبعادا خطيرة في المجتمع الجزائري، وتجب محاربتها بزيادة مستويات الوعي والتربية في عقول الناشئة، والإبتعاد عن رفقاء السوء، والتحصين بالقرآن والصلاة، وبمجالسة الصالحين والعلماء. المحامي عمار خبابة يكشف: ”عقوبة مهنة العرافة تختلف حسب الضرر” في هذا الشأن، سألنا المحامي عمار خبابة عن عقوبة ممارسة العرافة، فأجاب قائلا: ”إن مهنة الشعوذة والتنبؤ بالغيب، وكل أنواع الشرك بالله، يحاسب عليها القانون استنادا إلى المادة 456 من قانون العقوبات، والتي تنص على ”كل من اتخذ مهنة العرافة أو التنبؤ بالغيب أو تفسير الأحلام يعاقب بغرامة وبالحبس”، وأضاف ذات المتحدث أنها تعتبر مخالفة، لا هي جنحة ولا جناية. تختلف العقوبة وقيمة الغرامة حسب نوع الضرر.. فإذا كان السحر لم يحدث أي خطورة فقيمة الغرامة تقدر ب1000 الى 5000 دينار جزائري والحبس لمدة خمسة أيام، كما تصادر الملابس والأجهزة التي أعدت لممارسة عمل السحر. أما إذا أحدث العراف ضررا للغير فيعاقب بنفس عقوبة الضرر التي أحدثها، حيث تختلف أنواع الفعل من جرح وضرب وتسمم يؤدي إلى القتل، بالإضافة إلى عقوبة النصب والإحتيال التي تتراوح عقوبتها من ثلاث إلى خمس سنوات حبسا.