تواصلت أمس أشغال الجلسات الجهوية السبع الخاصة بإصلاح قطاع الصحة في ظل حضور واسع، ومشاركة قوية لإطارات ومُسيري المؤسسات الاستشفائية وهياكل القطاع بوجه عام، وقد أسهموا جميعهم وبتشجيع كبير من الوزير عبد المالك بوضياف في تشخيص الواقع الحالي للقطاع، بالتركيز على الجوانب الهشة فيه، وعلى الأوضاع غير المرضية التي يعرفها العام والخاص، ومُقرر أن تنتهي هذه الأشغال نهار اليوم إلى المصادقة على حوصلات وتوصيات محددة لملامح قانون الصحة وأرضية الخارطة الصحية الجديدين، اللذين سيُحالان على الجلسات الوطنية المنتظر عقدها نهاية الشهر الجاري. تنتهي اليوم أشغال الجلسات الجهوية الخاصة بإصلاح قطاع الصحة، وكانت انطلقت يوم السبت الماضي تحت إشراف الوزير عبد المالك بوضياف، وينتظر أن تتوج هذه الأشغال بحوصلات وتوصيات، تعهد المسؤول الأول عن القطاع مُسبّقا من أن هذه التوصيات التي ستُحالُ على أشغال الجلسات الوطنية أواخر ألشهر الجاري ستؤخذ بعين الاعتبار، وستكون هي الأساس في الأرضية النظرية النهائية التي سيتقرر تطبيقها وتجسيدها على أرض الواقع، وهو الأمر الذي فتح الشهية أمام جميع الشركاء والمعنيين للتقدم بالمقترحات، وإبداء الآراء والحلول المناسبة للأوضاع الهشة المتعلقة بالتسيير الإداري، وتسيير المصالح الصحية والاستشفائية، وبكل ما له علاقة بالموارد البشرية والخدمات المقدمة. وقبل أن نطلع على التوصيات النهائية لمجمل هذه الجلسات، أو هذه الورشات، التي انصبّت أشغالها على التسيير، والتكوين، والموارد البشرية، وتنمية البحث العلمي، والنظم الإعلامية للقطاع، وسائر الأوضاع الأخرى، نُسجل أن جميع المشاركين كانوا متجاوبين مع إرادة المراجعة والتغيير والتحوير التي جاء بها الوزير عبد المالك بوضياف، بناء على ما أوصى به رئيس الجمهورية نفسه، وقد أسهموا بالنقاش والمداخلات الحُرة والاقتراحات، بل وقاموا وربما لأول مرة بتشريح الوضع الذي هو كارثي في جوانب عديدة، ووضع أغلبهم أصابعهم على الجرح وفق ما يُقال، منهم من انتقد التسيير الإداري، وتسيير المصالح الصحية والاستشفائية، وعدم فاعليتها، ومجمل القيود والضغوطات المفروضة على مواردها البشرية، وبما فيها حالات الحصار التي تعاني منها فئة الأساتذة المساعدين والدوسانت، وأخصائيي الصحة العمومية، والأطباء العامين، الممارسة عليهم من قبل رؤساء المصالح، الذين في أغلبيتهم القصوى لا يريدون التغيير والتحسين، بل ويرفضونه ويحاربون كل من يطالبهم به، ويضعون العقبات تلوى العقبات أمامهُ، وكم من أخصائي شاب من الفئات المذكورة تمّ تجميده ومحاربته ومنعه من بلوغ مرتبة أستاذ في العلوم الطبية، بل واضطُهد من أن يفكر في أن يصل يوما ما إلى منصب رئيس مصلحة استشفائية، وهذا هو حال حالات عديدة، والصورة الأبرز والأوضح في جوانب عديدة عن هذا الوضع غير السويّ المفروض من قبل من أسماهم كثيرون من الإطارات الطبية الشابة ب »ديناصورات الصحة العمومية« النظرة الدونية الاحتقارية التي ينظر بها أغلبية أساتذة العلوم الطبية الذين هم رؤساء المصالح الاستشفائية بأكبر المستشفيات الجامعية إلى أخصائيي الصحة العمومية والأطباء العامين بالمصالح الطبية المختلفة ، وبما فيها المصالح الاستعجالية، التي يعود لهم الفضل الأكبر في الجهد الصحي والاستشفائي المبذول، ويحضرني في هذا المقام ما كان صرّح به الدكتور محمد يوسفي الأخصائي في الأمراض المتنقلة ورئيس النقابة الوطنية لأخصائيي الصحة العمومية، حين حمّل هذه الفئة من رؤساء المصالح الاستشفائية مسؤولية الأوضاع الكارثية التي يعيشها القطاع، والتي هي في تدهور وتضعضع متواصل، وقاسمها المسؤولية مع من وصفهم وأسماهم ب »لوبي الوصاية«، الذين يبدو أن أسماءهم ارتبطت بوزراء سابقين للقطاع، وهو ما يعطي الانطباع أن الوزير الحالي قد تفطّن إلى هذا الوضع المسكوت عنه، وعزم على استئصاله من جذوره، وقد قطع شوطا معتبرا في هذا الاتجاه حين أنهى مهام عدد كبير من مديري الصحة للولايات، وقام بتطهير أزيد من 70 مصلحة استشفائية من هذا » الرهط « من رؤساء المصالح. وما يعطي الانطباع بجدية الوزير الحالي عبد المالك بوضياف أنه قطع شوطا واسعا في هذا الاتجاه حتى الآن، قبل أن يُعيد بناء القطاع على أرضية قانونية وتشريعية جديدة، بدء بقانون الصحة الجديد المنتظر إصداره في الجلسات الوطنية المرتقبة، وإحالته على الحكومة للمصادقة عليه وعلى الخارطة الصحية الجديدة، وهذان الأمران هما أساس ما يعتزم الوزير بوضياف إنجازه وتجسيده على أرض الواقع، لاستعادة »أنسنة« القطاع، وتحسين الخدمات، ووضع حد لحالة الفوضى، وسوء التسيير، واللامبالاة ، وروح التسلط والاحتقار السائدة.