يعتبر»تمبكتو» الفيلم العربي الوحيد المشارك في السباق الرسمي نحو السعفة الذهبية، للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو. ويتناول الفيلم الحرب العبثية بين إسلاميين متطرفين في مالي وسكان تمبكتو. بعد الشهرة التي لاقاها فيلم »باماكو» للموريتاني عبد الرحمن سيساكو، يمثل »تمبكتو» السينما العربية في المسابقة الرسمية للنسخة 67 من مهرجان كان. سيطر إسلاميون متطرفون من جماعة »أنصار الدين» على شمال مالي في 2012 ودمروا الكثير من الأضرحة في مدينة تمبكتو التاريخية. وإضافة إلى تحطيم مواقع في المدينة الصحراوية المدرجة ضمن منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، عمدوا إلى إحراق آلاف المخطوطات القديمة. تطرق سيساكو إلى ما دار خلال تلك الفترة دون مزايدة فجاء التأطير الزمني في مستهل الفيلم بصور لإسلاميين يطلقون النار على الأصنام. »عندما يموت البشر يدخلون التاريخ. وعندما تموت الأصنام تدخل في عالم الفن ونسمي هذا الموت النباتي ثقافة». هكذا افتتح آلان رينيه وكريس ماركير وثائقي »والأصنام تموت أيضا» الذي صدر عام 1953 بعد أن منع ثماني سنوات لتنديده بالاستعمار فالسؤال الذي أثاره الفيلم آنذاك هو »لماذا يعرض الفن الأفريقي في متحف الإنسان في حين تعرض الفنون المصرية واليونانية في متحف اللوفر؟». الدفاع عن الفن كان ولا يزال من أكبر خطوط مقاومة الظلم. فصورة الأصنام تحت رصاص المتطرفين في »تمبكتو» مدوية تضاهي بالألم الذي تثيره فينا تلك اللقطة التي تجلد فيها امرأة فتتناثر دموعها ويتعالى غناءها... حرّم الإسلاميون الموسيقى والكرة وفرضوا لبس القفاز حتى على بائعات السمك. ويسيطر »الجهاديون» على شوارع المدينة شاهرين أسلحتهم لفرض »الشريعة الإسلامية» فيخيم صمت رهيب يخترقه فزع الأهالي بين متمرد شجاع يرفض علنا قوانين الإسلاميين معرضا نفسه للعقاب وبين ساكت محبط. ومن أقوى مشاهد الفيلم مباراة كرة يلعبها الشباب... دون كرة ! وكانت كوريغرافيا اللعبة سمفونية محض تثبت أن وهم الحياة أقوى من حلم الموت الذي يحمله المتطرفون. فيتناقض في »تمبكتو» عنف المواقف من اعتقالات ورجم وجلد مع جمال الطبيعة وصمودها ولطافة الناس. وقال سيساكو في المؤتمر الصحافي اليوم إن أسباب صنع فيلم متعددة لكن منها حادثة مهمة دفعته إلى التفكير في هذا المشروع وهي اتهام رجل وامرأة بالزنا ورجمهما عام 2008 في قرية شمال مالي. وأكد المخرج أن »الدافع الأساسي لم يكن وقوع هذه الحادثة وإنما السكوت الذي أحاط بها» وأضاف »وكأننا صرنا لا نبالي بالأحداث المرعبة». وكان الفيلم في البداية مشروع وثائقي لكن تحول إلى روائي بسبب الظروف خصوصا أن »تمبكتو كانت وقت التصوير لا تزال محتلة» بحسب ما صرحت المنتجة سيلفي بيالا خلال المؤتمر الصحفي. ولم يسو سيساكو شخصياته منفصمة بين الشر والخير، ولم يتهجم على التطرف في محاكمة مضجرة بل بدقة وعمق عبر وجوه مختلفة. فنضحك من »الجهادي» الذي كان مغني راب في السابق فلا يتكلم العربية ويفشل في إتمام جملته وعلم التوحيد وراءه وكاميرا أمامه تسجل شهادته. ونتعاطف مع »جهادي» آخر يدخن سرا ويحب سرا... الكثير من المواقف المضحكة المبكية تظهر شبابا ضائعا أضناه الجوع فأحد أبرز الشخصيات كيدان مربي أغنام يقتل صياد سمك عن غير قصد بسبب بقرة تاهت عن القطيع قرب الواد ومزقت شباك الأخير. وللفيلم بعد عالمي إذ يصور شخصية غريبة وهي امرأة من هايتي تعيش وسط المدينة، ربما فيها إشارة إلى تاريخ تجارة العبيد وذاكرتهم المثقلة بالمآسي. وفي حين حيا النقاد الغربيون سحرا في اللغة المجازية، لغة الصحراء بين الشاي والغزال، وإن كانت سلاما وتكريما لأجيال بريئة تحاول الإفلات من قبضة مفترسيها، فقد سئمها العرب سجناء الرصافة والجسر. لكن أجمع الكل على الإدارة الرفيعة للصورة ويقف وراءها التونسي سفيان الفاني الذي شغل نفس المهمة في فيلم »حياة أديل» لعبد اللطيف كشيش الحائز على السعفة الذهبية في العام الماضي. وجمال الصورة هو ربما القاسم الوحيد بين »تمبكتو» و»السيد تورنر» للبريطاني مايك ليغ وهو الفيلم الثاني من المشاركين في المسابقة الذي عرض الخميس. فهل يبقى »تمبكتو» صنما إفريقيا على رفوف كان أم ينجح في منافسة الأفلام الأخرى؟... هذا ما ستقرره لجنة التحكيم في نهاية موسم صيد السعفات.