هناك محاولات للزج بالجزائر في ليبيا ومالي باعتبارها معنية بما يجري فيهما حيث أصبح الوضع هناك هاجسا مزعجا. غير أن الجزائر ظلت متمسكة بعقيدتها السياسية والعسكرية القائمة على عدم التدخل السياسي في شؤون الآخرين وعدم التعامل مع الجماعات المسلحة عندما نقرأ رسالة وزير الخارجية رمطان لعمامرة في المنتدى الإستراتيجي لشمال إفريقيا حول التهديدات العابرة للأوطان، ندرك جيدا أن الوضع في ليبيا أصبح كابوسا أمنيا حقيقيا بالنسبة للجزائر، والوضع الأمني في ليبيا لا يتغذى من انتشار الأسلحة ووجود العشرات من الجماعات المسلحة فقط، بل يتغذى كذلك من الأزمة السياسية الحادة التي تعصف بهذا البلد و كذا ، بروز اللواء خليفة حفتر كقوة عسكرية يسوق نفسه »مهدي ليبيا المنتظر« يقوم باستعمال طيران حربي للقضاء على »الإسلاميين أو الثوار أو الجماعات الإرهابية«. وبذلك فإن الأزمة اليوم في ليبيا معقدة وذات أربعة أبعاد، البعد الأول صراع بين السياسيين حول شرعية المؤتمر الوطني من عدمها والفشل في تعيين حكومة قوية، والبعد الثاني صراع بين المسلحين خاصة بين حفتر وثوار 17 فبراير، والبعد الثالث صراع بين المسلحين والسياسيين أي بين حفتر والمؤتمر الوطني والحكومة، والبعد الرابع تدخل أجنبي لتشكيل ليبيا المستقبل حسب أجندته. السياسيون فشلوا في تسيير مرحلة ما بعد سقوط القذافي، واستغل المسلحون هذا الفشل ليبرز حفتر كمهدي منتظر منقذ لليبيا مستفيدا من تجربة السيسي في مصر. وحفتر لا يستمد »قوته من فشل السياسيين في ليبيا ونجاح السيسي في مصر فقط، بل أيضا من دعم يحظى به من الدول التي صنفت جماعة الإخوان المسلمين وربما الإسلاميين ككل في خانة العدو رقم واحد الذي يجب القضاء عليه بأي ثمن وعلى رأسها عدة دول خليجية المؤيدة والراعية والمدعمة سياسيا ودبلوماسيا وماليا ا حدث في مصر. بالإضافة إلى ذلك فإن اللواء خليفة حفتر لا يستبعد أن يكون يحظى بدعم قوي من قبل عدة دول غربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويبحث حفتر مثلما فعل الثوار ضد القذافي قبله عن دعم الجزائر، فهل بجب أن تدعم الجزائر خليفة حفتر؟ من هو اللواء خليفة حفتر؟ ❍ لم يعد اللواء خلايفة حفتر مجهولا في أوساط الرأي العام الجزائري أو الإقليمي أو الدولي، فهو عسكري حارب من أجل معمر القذافي قبل أن ينقلب عليه. وفي بداية »الثورة ضد القذافي« عام 2011 حارب مع ''الثوار'' قبل أن يجعلهم عدوه الأول عام .2014 فحمل السلاح ضد ثوار 17 فبراير وهو يقصفهم اليوم بالطيران الحربي، وأعلن عدم اعترافه بالمؤتمر الوطني وعن حكومة تصريف أعمال ومرحلة انتقالية، فخلق أزمة حادة في وجه الحلول السياسية للأزمة في ليبيا. لذلك يجري اتهامه في ليبيا بأنه انقلابي على وأنه متعطش للدم والسلطة. فاللواء خليفة حفتر كان واحدا من ضباط الجيش الذين أيدوا القذافي في الاستيلاء على السلطة من الملك إدريس، ملك ليبيا حينذاك عام 1969 ليتم تنصيب القذافي زعيما لليبيا إلى غاية سقوطه عام ,2011 وكافآه القذافي بترقيته إلى قائد أركان القوات المسلحة الليبية، وقائدا للقوات الليبية في الحرب مع تشاد عام 1987 التي هزم فيه الجيش الليبي أمام جيش تشادي ضعيف وصامد، واستطاع التشاديون أسر اللواء حفتر و300 من جنوده، ما جعل القذافي يتنكر لحفتر، وهو ما دفع حفتر لتكريس جهوده للإطاحة بالقذافي. وخلال عقدين من الزمن ظل حفتر منفيا في ولاية فرجينيا الأمريكية، فنشأت بينه وبين المخابرات الأمريكية - التي دعمت محاولات اغتيال القذافي عدة مرات - علاقة وثيقة حسب العديد من وسائل الإعلام الدولية التي سلطت الضوء على حفتر في الآونة الأخيرة. وفي خضم الثورة ضد القذفي عاد حفتر إلى ليبيا ليصبح واحدا من قادة الثورة رغم الشكوك حول مشاركته باعتباره واحدا من رجالات القذافي السابقين، ما جعل نجمه يأفل، لكن فجأة ظهر في فبراير 2014 على قنوات تلفزيونية ليبية ودولية يطرح نفسه منقذا لليبيا ويدعو إلى الإطاحة بالمؤتمر الوطني العام البرلمان والجماعات الإسلامية، مستخدما طائرات حربية وقوات برية فيما أسماه »عملية كرامة ليبيا« التي يعتبرها انتفاضة ضد »الحكومة التي يسيطر عليها الإسلاميون« . الجزائر والربيع العربي في آخر تصريح له في رسالة إلى المنتدى الإستراتيجي لشمال إفريقيا المنظم تحت شعار »التهديدات العابرة للأوطان في منطقة شمال إفريقيا« بالجزائر يوم 3 جوان الجاري، قال وزير الخارجية رمطان لعمامرة أن الربيع العربي ولد الإرهاب وأصبح خطرا على العديد من الدول، ومنها الجزائر بسبب انهيار الوضع السياسي والأمني في ليبيا ومالي تحديدا. ويستشف من خلال التصريح أن الجزائر لها موقف ثابت وواضح من الربيع العربي، فهي ليست مع سياسة التغيير بالقوة بل تؤيد التغيير بالحوار السياسي بين جميع الأطراف، وهذا ما جعلها لا تتخذ موقفا مؤيدا للجماهير التي خرجت معارضة لحكوماتها في كل من مصر وليبيا وتونس وسوريا واليمن وغيرهم، وجعلها ترفض منح مقعد سوريا في الجامعة العربية للمعارضة، وهو ما جلب لها العديد من المتاعب مع بعض الدول المؤيدة ل»الحراك السياسي في المنطقة العربية« ومع الجماعات السياسية والمسلحة في دول »الربيع العربي«. ومع ذلك تبقى الجزائر تتحمل العبء السياسي والأمني لكل ما يجري في مالي وتونس وليبيا، وهي تدعو باستمرار لضرورة حل الأزمات والمشاكل عن طريق الحوار بدل العنف، وكشفت عن موقف واضح تجاه الوضع في ليبيا منذ محاولات الإطاحة بالقذافي عام 2011 حيث اتهمها الثوار بدعم القذافي لأنها لم تدعمهم ، وعندما سقط القذافي اعترفت الجزائر بالحكومات التي جاءت بعده على اعتبار أنها تتعامل مع الحكومات وليس مع الجماعات أو المعارضة. غير أن الوضع في ليبيا انهار سياسيا وأمنيا، ما جعل الحكومة الليبية تسارع إلى إيفاد كل من وزيري الصحة والنقل الليبيين نور الدين دغمان وعبد القادر العايب إلى الجزائر يوم 1 جوان الجاري ليتم استقبالهما من طرف الوزير الأول عبد المالك سلال، الذي أكد من جديد للمسؤولين الليبيين أن الجزائر تولي اهتماما كبيرا للسلم والاستقرار ووحدة ليبيا. وجاءت هذه الزيارة في وقت لم تفصح فيه الجزائر صراحة عن موقفها من خليفة حفتر، ففي الوقت الذي تحدثت فيه بعض وسائل الإعلام أن كلا من مصر والجزائر وعدد من دول الخليج مؤيدة للعمليات التي يقوم بها حفتر، إلا أن وزير الخارجية رمطان لعمامرة في رده على أسئلة الصحفيين لم ينف ولم يؤكد ما جعل الموقف الجزائري من مستجدات الوضع في ليبيا غامضا. وفي غضون ذلك صرح خليفة حفتر لصحف مصرية: »أن التعاون مع الجزائر سهل وسريع، وقد قطعنا شوطا كبيرا في الاتصال بهم«. ويفهم من هذا التصريح أن هناك اتصالات مع الحكومة الجزائرية لكن هذا لا يعني أن الجزائر فصلت في موقفها تجاه خليفة حفتر بالدعم والتأييد. ويجدر التنويه أن وسائل إعلام أجنبية قد نشرت خبرا يوم 30 ماي الماضي نقلته عن صحيفة »ذي تايمز« البريطانية مفاده أن قوات خاصة فرنسية وأميركية وجزائرية اتجهت إلى جنوب ليبيا يبدو لمهاجمة شبكات إرهابية، فيما كان اللواء خليفة حفتر يقصف الجماعات الإسلامية في المناطق الشرقية من ليييا. لكن الخبر لم يتم نفيه أو تأكيده من قبل الجزائر. الاعتراف بحفتر: تغيير للعقيدة السياسية والعسكرية يمكن القول أن هناك محاولات للزج بالجزائر في ليبيا ومالي باعتبارها معنية بما يجري فيهما حيث أصبح الوضع هناك هاجسا مزعجا. غير أن الجزائر ظلت متمسكة بعقيدتها السياسية والعسكرية القائمة على عدم التدخل السياسي في شؤون الآخرين وعدم التعامل مع الجماعات المسلحة أو المعارضة في الدول الأخرى، أما عسكريا فإن العقيدة الجزائرية تقوم على عدم إرسال أي جندي خارج التراب الجزائري، رغم العديد من الضغوطات الغربية. ومن هذا المنطلق تشكل الموقف الجزائري بخصوص دول الربيع العربي، خاصة بداية الثورة في ليبيا ، ثم الوضع في سوريا ، ومنه يمكن أن نستشف الموقف الجزائري تتمسك بالتعامل مع الحكومات، لأنه في حال ما إذا أيدت خليفة حفتر فإن ذلك سيؤدي لتغيير موقفها من عدة قضايا عربية وإقليمية أخرى تحت ضغط إقليمي أو دولي منها الوضع في سوريا. والأكثر من ذلك أنه ليس معقولا الرهان على وصول رجل إلى الحكم في بلد جار، تقول عنه التقارير الإعلامية الدولية أنه عميل للمخابرات الأمريكية، لأن أي سياسة يتخذها سيكون لها انعكاس على الجزائر مثل منح قواعد عسكرية لدول أجنبية مثل الولاياتالمتحدة أو فرنسا أو الناتو. لذلك من المتوقع أن تظل الجزائر حريصة ومتمسكة بالحوار بين كل الأطراف في ليبيا، كحل للخروج من الأزمة، وتتجه نحو دعم حكومة قوية لأن ذلك يساعد على تأمين حدودها.