صدر حديثا للباحث والخبير الاقتصادي بشير مصطفى، مؤلّف بعنوان »صناعة الغد«، يضمّ مقالات في الاستشراف، غاص من خلالها في نظرة العرب الغامضة إلى مفهوم الاستشراف، بسبب إهماله عند رسم السياسة الاقتصادية والاجتماعية، وكذا ضعف المحتوى التعليمي المبني على التّخطيط الاستراتيجي. كتاب »صنّاع الغد« وعلى أهميته، تطرّق من خلاله كاتب الدّولة الأسبق المكلّف بالإحصاء والاستشراف، إلى مفهوم الاستشراف لدى العرب، ويرى أنّ له مدرستين في العالم، المدرسة »الانجلوسكسونية« التي استثمرت في الذّكاء الاقتصادي لأغراض أمنية، ومدرسة »الفرنكفونية« التي طوّرت مفهوم اليقظة الاستراتيجية لأغراض تطوير الصّناعة والسياسة العمومية. في ذات السّياق أبرز بشير مصيطفى في كتابه »صناعة الغد« أهمية الاستشراف في رسم وتوجيه السياسات الحكومية الحالية والمستقبلية في مختلف المجالات، كما شرح المؤلّف في كتابه الذي صدر باللّغتين العربية والفرنسية مفهوم مبدأ »المستقبل يصنع الحاضر« الذي يعني، حسبه، استخدام المعطيات والتوقّعات المستقبلية، مؤكّدا أنّ السياسة الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية التي توضع اليوم لن تحقّق نجاعة إذا لم تأخذ بعين الاعتبار متغيّرات المستقبل. ويبيّن »صنّاع الغد« مدى حاجة الجزائر والدول العربية إلى نظام استشراف يكون بمثابة الموجّه للسياسات الحكومية في مجالي الاقتصاد والاجتماع لمواكبة التطورات في المستقبل، حيث يرى مصيطفى أن الاستشراف أصبح حتمية يلزم استخدام الرقم والمعلومة الاقتصادية باعتبارها منتوجا اقتصاديا واجتماعيا في التخطيط للتنمية الشاملة وتحقيق نموّ مستقرّ قائم على أساس معرفة واحتواء »الإشارات الضعيفة في المستقبل وتحويلها إلى إشارات واضحة«. كما يعرض الخبير في كتابه بالتحليل العلمي والرقمي عدّة قضايا استشرافية اعتبرها موضوعات حيّة لمنظومة التخطيط الاستراتيجي في الجزائر والعالم العربي على غرار أسواق الطاقة واتجاهات الاقتصاد العالمي في التحوّل من استغلال الطاقة الأحفورية إلى استغلال الطاقات النظيفة، ويهدف مصيطفى من خلال هذا الكتاب إلى تزويد القرّاء بمدخل مبسّط وواضح عن تقنية التفكير بالاستشراف كأداة لرسم الغد وتوجيه الأحداث الاجتماعية والاقتصادية التي تنشأ في المستقبل وكذا أسلوب التخطيط المبني على المعرفة . يذكر أنّ الخبير بشير مصيطفى يعمل أيضا على تحضير كتاب آخر سيتم إصداره خلال معرض الجزائر الدولي للكتاب المقبل تحت عنوان »الطريق إلى النشوء«، ولعل ما ميز المؤلف الأخير لكاتب الدولة الأسبق هو الطابع العملي والتطبيقي لمحتويات الكتاب والتي تتماشى مع تعريفه للهدف المتوخى من هذا العمل.