يتناول الكتاب القيّم لكاتب الدولة لدى الوزير الأول بشير مصيطفى المعنون ب » صناعة الغد ، مقالات في الاستشراف« العديد من المواضيع الهامة المتعلقة بالاقتصاد، والصادر مؤخرا عن منشورات »جسور'' . يحتوي الكتاب في طبعته الأنيقة موضوع الاستشراف الذي يعد مفهوما غامضا في واقعنا العربي بسبب إهماله عند رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية من جهة وبسبب ضعف المحتوى التعليمي المبني على التخطيط الاستراتيجي . هناك في العالم مدرستان للاستشراف ، الأولى هي المدرسة الانجلوسكسونية التي استثمرت في الذكاء الاقتصادي لأغراض أمنية أولا قبل أن يتطور الموضوع إلى مستوى نظرية القرارات الرشيدة . والمدرسة الثانية هي الفرنكفونية التي طورت مفهوم اليقظة الإستراتيجية لأغراض تطوير الصناعة والسياسات العمومية . وكلا المدرستان تمكنتا من قطف ثمار التفكير عن بعد ولو أن توقعات مستقبل النظام الرأسمالي انتهت بالفشل- بدليل تكرار وضعيات الأزمة في أسواق المال والنقد- ليس لعجز أدوات الاستشراف ، ولكن بسبب خضوع مراكز القرار في تلك الدولة لتفضيل المؤسسة الربحية أكثر من خضوعها لحكمة الحكم العادل. وفي مقدمة الكتاب التي حملت عنوان» من هنا نواصل «، يقول بشير مصيطفى ، أنه قبل أكثر من 1445 سنة خلت بالتقويم الهجري نزل كتاب الله تعالى القرآن الكريم حافلا بآيات صناعة الآخرة ، والآخرة أبلغ تعبير عن الغد لأنها تعني كل المجتمع الإنساني منذ خلق البشر. مستدلا بالآية الكريمة » وابتغ فيما أتاك الله الدّار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا « القصص .88 سيجد القارئ في الكتاب بعض معاني الاستشراف التي تساعدنا في عملية صناعة الغد يقول كاتب الدولة لدى الوزير الأول ، على أسس صحيحة بحيث تسمح لبلداننا - التي مازالت تبحث في نجاعة السياسات الحكومية ? من تصميم البرامج المنسجمة مع احتياجات السكان الآنية والمستقبلية . ولن يجد القارئ بين أوراق الكتاب بيانات أو إحصائيات رقمية أو أشكال توضيحية لسببين اثنين: الأول أن ذلك كله متوافر في مصادره ويمكن الرجوع إليه بسهولة ، والسبب الآخر أنني لا ارغب في التشويش على ذهن القارئ بالمحتوى الرقمي حتى يتسنى له التأمل في الفكرة ذاتها . أصعب الأمور استقبال الفكرة مثلما يريد مصممها وأسهل شيء قراءة الرقم بل أحيانا يتيح لنا تكويننا قراءة الرقم بطريقة أفضل مما يفعل واضعه. قسم الكاتب مؤلفه الذي جاء في 70 صفحة إلى فصول هامة ، يتناول الفصل الأول »هل الاستشراف اختيار« ، وجاءت مواضيعه كالتالي : حاجاتنا إلى نظام استشرافي ، لقد كنت في غفلة من هذا . نحو نظام وطني لليقظة الاقتصادية . أمّا الفصل الثاني تناول التفكير الذكي ، متطرقا بذلك إلى إشكالية الرقم في الجزائر ، اليقظة الإستراتيجية في خدمة التنمية ، القانون والجريمة والدرس الصيني ، فيما احتوى الفصل الثالث »قضايا استشرافية« ، ومعايير التفوق العلمي ، التعليم في المستقبل ..ونحن من أين نبدأ؟. وعنوان آخر ذلك الاقتصاد الأخضر ، ونحن والجيل الخامس من تكنولوجيا الاتصال ، حديث المناخ : عالم واحد وأصوات متعددة ، أسواق النفط وأسعاره إلى أين وأخيرا خاتمة الكتاب والتي قال من خلالها الكاتب أننا »في مجال الاستشراف معنيون بعلم قائم بذاته هو علم المستقبل فيوترلوجي والذي يفترض أن نشرع في تعليم الناشئة مبادئه ، ونحن معنيون بنظم ثلاثة تخص المعلومة الإحصائية : نظام إحصائيات السكان ، نظام إحصائيات الأعمال ونظام إحصائيات الإقليم والعقار والملكية ، إضافة إلى نظم أخرى لها أهمية كبيرة تخص التخطيط الاستراتيجي منها نظام اليقظة ، نظام التخطيط المحلي، نظام المعروفات المشتركة وغيرها .فيما لم يهمل كذلك أننا» معنيون بضبط أهداف التنمية المستديمة على آفاق لا تقل عن نصف قرن من الزمن تخص النمو المبني على توازن الأسواق وأداء المؤسسات وإنتاج الثروة ، تنويع الاقتصاد، الإنصاف ومحاربة الفقر والتماسك الاجتماعي« وغيرها . وختم مقدمته بقوله ويبقى علينا تصميم الرؤية المواتية للانتقال من وضعية السكون الاقتصادي والاجتماعي إلى وضعية النمو المتسارع عن طريق تصميم التوليفة الأكثر نجاعة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية للمدى البعيد أي في إطار صناعة الغد «.