يعود الكاتب الجزائري محمد جعفر إلى الرواية من خلال عمله الجديد «هذيان نواقيس القيامة» الذي يمزج بين الرواية التجريبية والبوليسية في الوقت نفسه بعد تجربة شعرية كانت آخر إصداراته ويقدم العمل الصادر عن منشورات الاختلاف بالجزائر وضفاف اللبنانية, مجموعة حكايات متقاطعة عن الحب والجنس والحياة, تدور في فلك الضحية «مريم العربي» التي تمثل رابطا مشتركا بين جميع شخوص الرواية. والرواية عبارة عن نص تلقاه السارد من قبل صحفي اكتشف حقائق في جريمة مقتل «مريم» ولم يتمكن من نشرها بسبب رفض مسؤولي الجريدة التي يعمل بها فاستقال لكنه في النهاية انتهى مجنونا أو تقمص دور المجنون. ويراهن الروائي في عمله الجديد على تجريب أدوات أخرى على غرار الخبر الصحفي الذي تكرر في النص أكثر من مرة, وهو عمل يأخذ قليلا من الرواية البوليسية من خلال الحضور المضطرب للمحقق رشيد في جريمة مقتل مريم. ويضمن محمد جعفر روايته تجارب مختلفة يخبرها رشيد وينجح في رصدها, فالكمين الذي تقع فيه الشرطة بحي «قادوس المداح» كان مساحة للكاتب ليستعرض قدرته على رصد الموت. وتحضر معالم المدينة بذكر الأحياء والشوارع والجسور»جسر 17 أكتوبر...حي صالمنار...شارع المطمر...حي القادوس» ما يجعل الرواية تحتفي بالمكان وهو العنصر المغيب في الكثير من الأعمال السردية الجزائرية. ورغم توجه الكاتب نحو نص بوليسي تجريبي إلا أن ملامح الدراما موجودة في الكثير من الحالات كلحظة خيانة والد مريم لزوجته الأولى, أو معاناة المحقق رشيد لفقدان والديه. ويتحول الجنس عند الروائي في آخر أعماله إلى حالة متكررة على رأس كل فصل, فالجميع مهووس بأجساد غضة لدرجة أن بعضهم ضاجع جثة هامدة, فالمحقق مارس الجنس مع الضحية. ويصبح الأمر أكثر قذارة مع مسؤول الشرطة الذي يعرض على رشيد محو جرمه مقابل المشاركة في مخطط آخرمقترحا تغيير «تقرير الطبيب الشرعي ليقول أنها ماتت متأثرة بالسرطان». ويفشل جعفر أن يكون حياديا في «هذيان نواقيس القيامة» حيث يتحول إلى مرافع عن الروائيين وهمومهم في فصل كامل بعنوان «المشبوه» أين يناقش وضع الكاتب وأسباب الكتابة وحتى أشكال تلقيها. ويبرز التحدي الكبير في الرواية كونها تطرق فضاءات مختلفة, فهي تدورفي فلك صحفي, شرطي, محقق, قاض ومجنون بحيث تحتاج إلى تبريرات قانونية وطبية وعلمية الأمرالذي يجعلها عملا مجهدا. ويؤخذ على عمل الكاتب رغبته في قول كل شيء في مساحة ضيقة, حيث لم تتح له الرواية أن يحقق لأي من شخوصه حياة مكتملة, خاصة وأنه قسمها إلى نصوص متقاطعة تشكل فصول الرواية. وإلى جانب تعدد شخوص الرواية وتداخلها, يبدو وكأن النص ينظر إلى الواقع نظرة نفسية فأغلب الشخصيات هي في الحقيقة إما حالة عشق وتوق أو حالة نفسية تتطلب التحليل. قدم محمد جعفر المولود في السبعينيات رواية «ميدان السلاح» التي كانت أول إصداراته بالجزائر ومصر, ومجموعة قصصية بعنوان «طقوس امرأة لا تنام» وديوان شعر «العبور على متن الحلم» وله مشاركات في الحياة الأدبية, وسيقدم عمله هذا للجمهور خلال الصالون الدولي للكتاب القادم.