ما يزال مشروع تعديل الدستور يطرح نفسه بقوة بالنظر إلى التزامات رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي جعل منه رهانا أساسيا في رئاسيات ,2014 بهدف التأسيس لجمهورية ثانية، قوامها دستور واضح المعالم وذلك من خلال تعديل عميق يحدد الصلاحيات بين السلطات الثلاث. بوتفليقة أراده كذلك دستورا توافقيا ولم يقص أحدا في إطار المشاورات الخاصة بهذا الملف، حيث راسل كل الفاعلين السياسيين في شهر ماي الماضي للانخراط في هذا المسعى، وبالرغم من تفاعل بعض الأطراف المحسوبة على المعارضة مع المشروع، إلا أن أقطابا أخرى عارضت الفكرة ورفضت الحوار مع السلطة ودعت إلى ما تسميه ''مرحلة انتقالية''. عرفت الساحة السياسية نوعا من الركود خلال الفترة الصيفية التي عادة ما ترتبط بالعطل، لكن ومع اقتراب الدخول الاجتماعي وفي المقدمة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان بغرفتيه بداية شهر سبتمبر المقبل، تحركت بعض الأحزاب السياسية وعادت مسألة تعديل الدستور إلى الواجهة، رغم أن عملية تعديل الوثيقة الدستورية قد وصلت إلى مراحلها الأخيرة، بعد المشاورات التي أجراها رئيس الديوان لدى رئاسة الجمهورية أحمد أويحيى في انتظار أن يعطي الرئيس موافقته على المسودة التي ستحال رسميا على مجلس الوزراء ومن ثم إلى البرلمان للمصادقة ، مع احتمال الذهاب نحو استفتاء شعبي في حال ما إذا مس التعديل جوهر الدستور.إن المسار الذي سيسلكه هذا المشروع لم يعد مطروحا كإشكال، بقدر ما يجري الحديث عن الجانب التوافقي حول الوثيقة ذاتها، مما يضع السلطة في مواجهة مع المعارضة التي ترفض فكرة التعديل الدستوري من الأصل، فما بالك الحديث عن مصادقة البرلمان أو الاستفتاء الشعبي، ولعل ما يزيد الأمر صعوبة هو غياب واجهة موحدة لهذه المعارضة التي بقيت تتأرجح بين مواقف رافضة جملة وتفصيلا لما يأتي من السلطة. قطب التغيير ممثلا في المرشح السابق للرئاسيات علي بن فليس، تنسيقية الانتقال الديمقراطي الذي ضم بدوره بعض الأحزاب السياسية المتنافسة فيما بينها على زعامة هذه التنسيقية، إضافة إلى حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي يقف برجل هنا وأخرى هناك، حاملا شعار »لا مشاركة ولا مقاطعة«، ليعلن عن مبادرة جديدة ستسمح حسبه بإرساء نظام ديمقراطي بالجزائر، كلها عناوين لمعارضة مشتتة، ضاعت في رحلة البحث عن من يمثلها وفي طروحات غامضة كالدعوة إلى مرحلة انتقالية، لم تفصح عن آلياتها والطريقة التي يفترض أن تسير بها. رهانات كثيرة تنتظر السلطة على مستوى الجبهة الداخلية، خاصة مع دخول اجتماعي يوصف عادة بالساخن، بما فيها مبدأ التوافق الذي أراده الرئيس بوتفليقة ليعطي مصداقية أكثر للتعديل الدستوري المقبل، مع العلم أن رئيس الديوان أحمد أويحيى يفترض أن يقدم رسميا خلال الأيام القليلة القادمة ملخص عن المشاورات التي خاضها مع أكثر من 150 فاعل سياسي، فيما تبقى دعوات أخرى بضرورة الذهاب نحو ندوة وطنية لعرض هذه المشاورات وإثرائها قبل إعداد النسخة النهائية للدستور لعرضها على البرلمان. ووسط هذا المد والجزر، فإن السلطة القائمة والتي فتحت أبواب المشاركة إلى كل الفاعلين دون استثناء، مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن تحافظ على الأمن والاستقرار وتواجه رهانات إقليمية وجهوية لا تسمح بهامش الخطأ، وربما هذه هي الرسالة التي يجب على المعارضة أن تفهمها، وهذا لتحقيق التوافق السياسي والاجتماعي من أجل بناء دولة جزائرية عصرية ويؤسس لمرحلة جديدة، ربما هي جمهورية ثانية أو نظام سياسي جديد، المهم أن تكون جمهورية عادلة، دولة حق وقانون، تقوم على أسس ديمقراطية يتوافق عليها كل أبناء الجزائر.