تطرق موسى تواتي، رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية في حديث ل »صوت الأحرار« إلى عديد الملفات المرتبطة بالحراك الذي تعرفه الحياة السياسية، انطلاقا من المشاورات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة حول تعديل الدستور ثم مبادرة تنسيقية الانتقال الديمقراطي والحريات، إلى مشروع الإجماع الوطني الذي بادر به حزب جبهة القوى الاشتراكية وغيرها من القضايا الوطنية، كما تحدث تواتي عن الشأن الداخلي لحزبه قائلا »إن الأفانا سيعود قريبا إلى الساحة السياسية بعد انعقاد الدورة المقبلة للمجلس الوطني المقررة نهاية الشهر الجاري«. *بداية، السيد تواتي، يعرف حزب الجبهة الوطنية الجزائرية غيابا كليا عن الساحة السياسية في الوقت الذي تحركت فيه عديد الأحزاب وتم اقتراح مبادرات وطنية لإنعاش الحياة السياسية، ما تفسيركم لذلك؟ الأفانا حزب معارض، سعى إلى وجود حراك وطني وإعادة الكلمة إلى الشعب، هذا هو تصوره منذ النشأة ونحن كنا دائما من معارضي أولئك الذين يسعون إلى تغييب إرادة الشعب ودفعنا الكثير بسبب هذه المواقف، ونحن من الداعين إلى ضرورة العودة إلى حب الوطن وحق الأجيال القادمة في هذه الأرض، وهذا لا يتأتى إلا إذا ضبطنا أمورنا وحققنا المساواة بين أبناء الوطن الواحد، من خلال تحقيق العدالة وإرساء دولة القانون، وهو الأمر الذي لم يفهمه لحد الساعة شركاؤنا في الحياة السياسية. قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية، قمنا بدعوة عديد الشركاء السياسيين من أجل مبادرة وطنية تسمح للمواطنين بممارسة حقهم الدستوري المتمثل في الانتخابات، بعيدا عن التزوير وتسلط الإدارة وطالبنا بتفعيل انتخابات بيوميترية للحد من التزوير، لكن شركاءنا انسحبوا بحكم التفاوض عن المصلحة الشخصية. وهنا أكرر دفعنا ثمن مواقفنا والنتيجة كانت أن هناك إطارات من الحزب كانوا يسعون إلى إقحامنا نحو منطق الكوطة، لكننا رفضنا وهذا ما دفعنا بعد الانتخابات على التراجع من أجل إعادة هيكلة الحزب وترتيب البيت الداخلي. وقد أثيرت بلبلة حول طلب القيادة الحزبية تمويل الحملة الانتخابية في التشريعيات وتهجم علينا الجميع، عندما طلبنا من المترشحين بأن يمولوا الحملة، مع أن الأمر عادي ولا يتعارض مع القانون الأساسي أو النظام الداخلي للحزب، ناهيك عن أن العملية تمت بطريقة علنية ولم نخفها على أحد، ولم يكن لدينا أي إحراج في ذلك. *إلى أين وصلتم في عملية ترتيب البيت الداخلي لحزبكم؟ بعد انعقاد المؤتمر العادي في 2012، أدخلنا تعديلات في القانون الأساسي والنظام الهيكلي، والآن وصلنا إلى نهاية عملية الهيكلة التي شرعنا فيها، العملية تمت بحوالي 70 بالمائة ونحن مقبلون على الدورة الرابعة للمجلس الوطني لتقييم نشاط الحزب والظهور من جديد، حيث ستعقد الدورة يومي 26 و27 فيفري الجاري. *هناك من يتهمكم باحتكار الحزب، ما تعليقكم؟ في اعتقادي، الحزب فكرة وتواتي فكرة وليس مجرد شخص، وعليه نود معرفة هل هؤلاء الأشخاص يعارضون الفكرة أم الشخص، إنهم دخلاء على الحزب وينتقدونني، لأنني لم أسمح لهم بتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب الأفانا، من يريد فتح نقاش سياسي وفكري مرحبا به، أما غير ذلك فلا. *ما رأيكم في المشاورات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية حول تعديل الدستور؟ ما يعاب على النظام هو غياب دولة القانون، في رأيي القانون لا يصاغ بمجموعة فوقية، علينا العودة إلى بيان أول نوفمبر ومن ثم الذهاب نحو الشعب لتحديد مفهوم الدولة، ليس هناك وصي على الجزائر، بالفعل تلقينا دعوة من طرفرئاسة الجمهورية للمشاركة في المشاورات وقلنا أنه لا يمكن أن نتبع قوانين فرنسا الاستعمارية وأننا لا نقبل صياغة دستور يملى على الجزائر من الخارج، المشكل هو في موقف الشعب، الذي يجب استشارته حول طبيعة نظام الحكم، هل يكون رئاسيا، شبه رئاسي أم برلمانيا، هل يكون تمرير التعديل الدستوري عن طريق الاستفتاء، وبعد ذلك يتم فتح النقاش حول مضمون الدستور وهذا حتى تكون السلطة للشعب وليس لأفراد وحتى لا نجد أنفسنا أمام سيناريو تعديل الدستور في كل مرة. *تتحدثون عن التغيير السلمي والهادئ، هل من توضيح أكثر؟ لا يمكن السعي نحو خلق الفوضى ولا يمكن هدم ما تم بناؤه والعواقب قد تكون وخيمة في حال وقوع مثل هذه الأمور، حيث ستتعرض الوحدة الوطنية في خطر، من جهتنا كحزب سياسي نرى ضرورة أن نفرض على السلطة التنازل والاستماع للشعب، أما المجلس التأسيسي فنحن لسنا معه ولسنا ضده، علينا الذهاب نحو كلمة أخرى هي أكثر دقة، يجب الضغط على النظام القائم للتنازل على السلطة الأحادية وتجسيد سلطة الشعب. *كيف ستكون عودة الأفانا للساحة السياسية؟ كما سبق وأن قلت إن عملية تجديد الهياكل تشرف على نهايتها، أما في الشق السياسي، فعلينا أن نجعل من الأفانا حزبا يسعى دائما من أجل إعادة بناء الدولة الجزائرية كدولة قانون، لأن القانون هو من يؤهل المواطن ليكون محترما وبالتالي نكون أمام دولة تسير بالإرادة الشعبية، سنعمل على عقد دورة المجلس الوطني ومن ثم ننطلق في عقد التجمعات الشعبية ومختلف اللقاءات الوطنية والجهوية عبر كامل التراب الوطني. ما موقفكم مما يسمى بتنسيقية الانتقال الديمقراطي، وهل تلقيتم دعوة من هذا التكتل المعارض؟ قبل ظهور هذا التكتل، كنا قد بادرنا بمجموعة من المقترحات وعرضناها على عدد من الأحزاب والشخصيات لترقية الممارسة الديمقراطية بالبلاد، غير أننا لم نجد أي تجاوب أو صدى من طرفها، بل رأينا أن الكثير منها انصهر في غايات حزبية وطموحات شخصية ضيقة. ونحن كحزب سياسي لا نرى أي اختلاف بين المنضوين تحت هذا التكتل السياسي والنظام القائم، لأن التنسيقية تسعى إلى غايات سياسية خاصة، سيما وأن الكثير من الشخصيات السياسية المنضوية تحتها كانت بالأمس القريب في السلطة وهي اليوم تتخندق في صف المعارضة، فأي منطق سياسي هذا؟ ولماذا لم يغيروا حينما كانوا في السلطة؟، والسؤال المطروح هل نتوقع الأفضل من هذه المعارضة؟ الأكيد أنها ستكون أسوا من غيرها. ومن وجهة نظري أن»المعارض الحقيقي هو الشعب الصامت«، وأدعوه من خلال هذا المنبر إلى التفاعل مع الحياة السياسية من أجل التغيير السلمي والهادئ. هل ستجلسون مع قيادة الأفافاس على طاولة الحوار، في إطار ما يسميه بمبادرة الإجماع الوطني؟ عندما تلقينا دعوة من حزب جبهة القوى الاشتراكية للقائهم، طرحنا عليهم السؤال التالي ما مضمون هذه المبادرة، فأجابوا بأنها ورقة بيضاء، حينها استنتجت أنهم يفتقدون إلى برنامج وتصور واضح للمبادرة التي أطلقوها، وهو الأمر الذي أدى ب »الأفانا« إلى رفض اللقاء معهم. إذن تتوقعون فشل هذه المبادرة؟ أرى أن مبادرة الأفافاس قد أخذت حيزا إعلاميا أكثر منه سياسي، فهل نتصور أن هذا الحزب الذي قبل بمقاعد في التشريعيات،- رغم أنه أكد أنها ليست من حقه- أن يقود مبادرة للإجماع الوطني؟، ومن هذا المنطلق فإن مبادرة جبهة القوى الاشتراكية فاشلة، لأنه ليس لها »التزام المعارضة« الذي كان ممثلا في شخص الزعيم آيت أحمد. كيف يرى تواتي الأحزاب الإسلامية في الخريطة السياسية بالجزائر؟ من وجهة نظري أن هذه الأحزاب تحاول الزج بالدين في مسائل حزبية وسياسية، وهذا أمر غير مقبول، لأن الدين أكبر وأعمق وأصدق من السياسة التي تحتمل كل ما هو ممكن، وعليه فإنه لا يمكن ممارسة السياسة باسم الدين، لأن الدين لا يمكن أن يكون أداة لممارسة الحكم، وهو الخطأ الذي وقعت فيه الأحزاب الإسلامية، مما أدى إلى فشلها وغياب تأثيرها في الحياة السياسية بالبلاد، وحتى في أوساط المجتمع الجزائري، لأن الجزائريين متشبثون بدينهم منذ دخول الإسلام هذه الأرض الطاهرة. ماذا عن تراجع أسعار النفط؟ لا يمكن أن نبني اقتصادا وطنيا قويا على أساس ريع البترول. وهنا أريد أن أشير إلى قضايا الفساد المعلنة منها والمستترة، والتي تستدعي محاربتها لحماية الاقتصاد الوطني. ما موقف الأفانا من قضية الغاز الصخري؟ حزب الجبهة الوطنية الجزائرية كان أول من دافع عن عدم استغلال الغاز الصخري، وبالمناسبة فإن هي القضية تعود إلى سنوات الثمانينات، ولم تكن وليدة اليوم، ومن هنا أدعو السلطة إلى البحث عن بدائل أفضل، لأن الصحراء الجزائرية تزخر بثروة مائية جوفية هامة وهو ما يجب أن نستثمر فيه ونستغله من أجل تطوير الزراعة التي تعد ثروة لا تزول، وما أريد قوله »هو أن الجزائر ليست حقل تجارب«. *ما تعليقكم على الرسومات التي نشرتها »شارلي إيبدو« وعن ردود فعل العالم الإسلامي. بالنسبة لي أرفض شعار »أنا محمد« لأنه قد يصل بصاحبه إلى الكفر، لأن محمدا رسول ونحن لسنا برسل، في اعتقادي كان من الأولى أن نقول»أنا مع محمد، أو أساند محمدا«. وبالرغم من أن الجميع يعلم بأن ما قامت به تلك الجريدة الفرنسية هو من وحي بني صهيون لضرب المسلمين واستفزازهم، إلا أن الرد الحقيقي على مثل هذه الممارسات يكون بتقوية الدولة وبناء اقتصاد قوي، يسمح لنا بالاعتماد على أنفسنا للرد على هؤلاء المتطاولين على نبينا الكريم وديننا الحنيف، وهنا أتساءل لماذا لا نعتمد أساليب فعالة ومجدية، مثل المقاطعة الاقتصادية لفرنسا.