نجحت الدبلوماسية الجزائرية في فرض منطق السلام بين الفرقاء الماليين، وتكللت الوساطة التي خاضتها على مدار الأشهر الثمانية الماضية وخمس جولات ماراطونية من المفاوضات، بالنجاح لتسوية الأزمة التي شهدتها منطقة شمال مالي وتحقيق المصالحة بين الماليين، حيث تم، أمس، بالجزائر التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق السلام بين جميع الأطراف المتنازعة. يعد التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق السلام و المصالحة في مالي مرحلة هامة في الحوار المالي الذي بوشر منذ شهر جويلية 2014 بالجزائر العاصمة من أجل تسوية الأزمة التي تشهدها منطقة شمال البلاد حسبما جاء في وثيقة تتضمن الإعلان الرسمي للوساطة في مسار الجزائر. وفي ذات السياق أكدت الوساطة الدولية التي تقودها الجزائر أن »التوقيع بالأحرف الأولى، أمس، يعد مرحلة هامة كونه يمثل استكمالا لمسار التفاوض. فبعد التوقيع المقبل على اتفاق مالي ستفتتح مرحلة أخرى حاسمة أكثر. وسيتعلق الأمر بمرحلة تطبيق مختلف الورشات المتفق عليها و التي سيستدعي انجازها الالتزام الصادق والمستمر للأطراف و كذا تجندهم الدائم. كما يعد هذا الاتفاق ثمرة مفاوضات طويلة ومكثفة أجريت في إطار مسار الجزائر بين الأطراف المالية للتوصل إلى حل شامل ونهائي للنزاع في منطقة شمال مالي من أجل تسوية الأزمة المالية. ويؤكد إعلان الوساطة الدولية بقيادة الجزائر الذي قرئ قبل التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق السلام والمصالحة من قبل أطراف الحوار المالي الشامل أن الحوار الذي أجري خلال خمس جولات من التفاوض كان نزيها ومتفتحا و شاملا، مضيفا أن المفاوضات تمت بصرامة و وضوح و صبر وتفان واستعداد تام من قبل فريق يمثل بشكل واسع المجتمع الدولي. وجاء في البيان »كما يأمله الماليون أنفسهم والهيئات الدولية والإقليمية كان الحوار المالي نزيها و متفتحا و شاملا و شهد مشاركة المجتمع الدولي. وطوال المسار فسحت الوساطة المجال للأطراف للتعبير عن مواقفها«. ويجسد اتفاق السلام الذي تم استكماله والتوقيع عليه بالأحرف الأولى الالتزام الثابت بوضع حد للأزمة في مالي من خلال الحوار وتكريس المصالحة الوطنية في ظل الاحترام التام للسلامة الترابية و الوحدة الوطنية والطابع العلماني والجمهوري لدولة مالي. وأوضح ذات المصدر أن التكفل الفعلي والملائم بالمطالب المشروعة لسكان الشمال هو محل انشغال كبير، مشيرا إلى أن المسائل المؤسساتية التي استحوذت على المحادثات التي جمعت الأطراف خلال المفاوضات. وفي هذا الصدد سعت الوساطة إلى تقريب مفهومين متباينين تماما بشأن تسمية الأزواد التي تعتبر من جهة كرمز لمنطقة من مناطق الشمال العديدة وكتطلع لبناء سياسي يشمل كل مناطق شمال مالي من جهة أخرى. وفي ذات السياق يوصي الاتفاق بأهمية تطرق الماليين إلى هذه الإشكالية في إطار أوسع لندوة للإجماع الوطني التي من شأنها أن تفضي إلى كل العوامل الضرورية للتوصل إلى حل يسمح لمالي بتجاوز محنته العصيبة و تثمين مساهمة مختلف مكونات هوية هذا البلد و ترقية مصالحة وطنية حقيقية. كما جاء في الإعلان أن الاتفاق يكرس حكامة سياسية جديدة تقوم على الإدارة الحرة التي تسمح للسكان بمشاركة أمثل في تسيير أعمالهم على الصعيد المحلي مع الاستفادة من تمثيل أفضل على الصعيد الوطني. وأكدت الوساطة الدولية أنه علاوة على تحقيق الاستقرار في مالي فان هذا الاتفاق سيساهم دون شك في تعزيز الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي للقضاء على ظاهرة الإرهاب وفروعه في منطقة الساحل. وركزت الوثيقة أيضا على مكانة المرافقة الدولية التي تمثل مكسبا وشرطا أساسيين لنجاح تطبيق الاتفاق مع الاضافة أنه لا يمكن الادعاء بأنه من شأن الاتفاق أن يسوي كل المشاكل المترتبة عن أزمة دورية عميقة و متعددة الأشكال في نفس الوقت وبشكل فوري. ويضيف البيان ذاته »لكنه يمثل خطوة حاسمة نحو السلام و المصالحة الوطنية و يمنح للماليين إطارا شاملا وفعالا للرد على التحديات العديدة السياسية والمؤسساتية والاقتصادية والأمنية التي يواجهها بلدهم اليوم«. للإشارة يضم فريق الوساطة الذي تشرف عليه الجزائر كل من المجموعة الإقتصادية لبلدان غرب إفريقيا و الإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي بالإضافة إلى بوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر والتشاد.