خلف التعديل الو زاري قراءات متباينة بين أحزاب الموالاة والمعارضة، وتعددت محاولات تفسير الأسباب التي دفعت بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى إزاحة عدد من الوزراء من الجهاز التنفيذي، هل المسألة مرتبطة بالرغبة في تحقيق الأهداف المسطرة، أم هناك عوامل أخرى لها علاقة بالزوابع السياسية والإعلامية التي أثيرت حول عدد من الوزراء؟ فاجأ توقيت الإعلان عن التعديل الحكومي جل المراقبين، فقرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة القاضي بإدخال تغيرات هامة على الطاقم الحكومي الذي يقوده عبد الملك سلال، تزامن مع جدل متواصل حول التعديل الدستوري المرتقب، واستمرار محاكمة المتهمين في قضايا الفساد الكبرى، على رأسها قضية الخليفة بنك، الأمر الذي دفع بالكثير من تشكيلات المعارضة إلى التشكيك في نوايا التغيير الحكومي وربطه بحسابات غير معلنة للسلطة، أو إعطائه تفسيرات لها علاقة بالانتقادات التي وجهت إلى بعض الوزراء الذين غادروا طاقم سلال. التعديل الحكومي مس ثلث الطاقم الوزاري، فشمل عدة وزارات، منها الداخلية والطاقة والمالية والثقافة وأبرز هذه التعديلات تعيين م نور الدين بدوي على رأس وزارة الداخلية خلفا للطيب بلعيز، الذي يعد من بين المقربين من الرئيس بوتفليقة، ويبدو أن مغادرة بلعيز للحكومة له علاقة بالوضع الصحي للرجل، فيما تولى صالح خبري وزارة الطاقة خلفا ليوسف يوسفي أما أبرز الوافدين إلى الحكومة فهم رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، عز الدين ميهوبي، الذي تولى وزارة الثقافة، خلفا للوزيرة نادية لعبيدي، وتولى رئيس كتلة حزب جبهة التحرير الوطني في المجلس الشعبي الوطني، الطاهر خاوة، وزارة العلاقات مع البرلمان وعين رئيس جامعة الجزائر، الطاهر حجار، وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي، مكان محمد مباركي، الذي تولى وزارة التعليم المهني.أما وزير النقل، عمار غول، فقد انتقل إلى وزارة تهيئة الإقليم والصناعات التقليدية والسياحة، وخلفه في وزارة النقل، بوجمعة طلعي. وإذا كانت مغادرة بلعيز لحكومة سلال يرجح أن تكون لها خلفيات شخصية بحتة كما ذكرنا، فإن مغادرة باقي الوزراء يرتبط بالمشاكل التي أحاطت بكل واحد من هؤلاء، وكتبت صحيفة »لوموند« الفرنسية، إن 5 وزراء من بينهم الطاقة، الداخلية والمالية دفعوا ثمن ما عاشته الجزائر في الفترة الأخيرة، مشيرة إلى أن الذي يثير الاستغراب أكثر هو إقالة وزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي، الذي تم تعويضه بصالح خبري، الرئيس المدير العام للمعهد الجزائري للبترول، والذي عمل أيضا بشركة سوناطراك، ورجحت الصحيفة أن تكون أزمة الغاز الصخري هي التي نسفت بيوسف يوسفي، في حين ربطت بعض القراءات التغيير الذي حصل على مستوى وزيرة الثقافة بالهجمات التي تعرضت لها الوزيرة نادية لعبيدي بعد اتهامها من قبل الأمينة العامة لحزب العمال والنائب بالمجلس الشعبي الوطني لويزة حنون بالضلوع في قضايا الفساد، خاصة فيما يتعلق بالمشاريع التي برمجت ضمن تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية. على المستوى الرسمي يسود الاعتقاد بأن هدف التعديل الوزاري إنما هو تدعيم الطابع التكنوقراطي للحكومة التي يقودها عبد الملك سلال وهو رجل تكنوقراطي أيضا، فالمشاريع التنموية الطموحة، والجدل السياسي السائد في الجزائر منذ فترة، يضاف إليه انهيار أسعار النفط وما يتطلبه ذلك من إعادة النظر في سياسة الإنفاق العمومي والتوجه أكثر نحو سياسة شد الحزام، كل ذلك يفسر إلى حد بعيد التعديل الوزاري الذي أعلنه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تعديل كان مرتقبا، لكن ليس في هذا الظرف بالذات الذي يتسم بجدل محموم حول مسائل هامة، على رأسها التعديل الدستوري الذي يطرح بإلحاح في وقت يعتقد فيه الكثير من المراقبين بأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد يضطر إلى تأجيل طرح الدستور الجديد لاعتبارات موضوعية، فالقيام بتعديل عميق وجوهري للدستور يتطلب عرض النص الجديد على الاستفتاء الشعبي، وهذا عمل مهم لكنه غير مضمون ومكلف في ظل ظروف غير مواتية لإجراء استفتاء شعبي، وأما الاكتفاء بتعديلات شكلية ومن ثمة الاكتفاء بعرض النص المعدل على البرلمان بغرفتيه، فإنه لن يلبي طلب التغيير ولن يقنع المعارضة التي تناضل من اجل انتقال سياسي حقيقي، ثم إن القيام بتعديل لا يمس جوهر النص الحالي يعد تراجعا من قبل السلطة عن وعود التغيير التي وعد بها للرئيس عبد العزيز بوتفليقة وشرع في تنفيذها على المستويين السياسي والدستوري. ففيما رأت أحزاب الموالاة أن التغيير يندرج ضمن نطاق التداول على المسؤولية وتدعيم الطاقم الحكومي بهدف تنفيذ السياسات والبرامج وتحقيق ما تم تسطيره سواء في الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي أو باقي الجوانب الأخرى كالأمنية، فإن للمعارضة رأي آخر، فتصريحات العديد من قيادات أحزاب المعارضة، خصوصا تلك التي تنشط ضمن تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي تشكك في أهداف التعديل الوزاري فتعتبر بأنه لا حدث أو مجرد محاولة من السلطة للالتفاف حول التعديل الدستوري وربح المزيد من الوقت ومواجهة مطالب التغيير والانتقال الديمقراطي التي تصر عليها أحزاب المعارضة. طبيعي جدا أن تواجه المعارضة التعديل الحكومي بسيل من الانتقادات، وتستغل الفرصة لترفع من مستوى انتقاداتها للسلطة، فالتعديل الحكومي الذي قد تضطر إليه السلطة لمعالجة أي خلل على مستوى الطاقم الحكومي هو في النهاية قرار سياسي له تجليات سياسية قد ترى فيها المعارضة استهداف لها وإضعاف لشوكتها، والسؤال المطروح هو حول قدرة الحكومة على انجاز أهدافها، وهل باستطاعتها مواجهة الأهم سواء تعلق الأمر بالجانب الاقتصادي في ظل انهيار أسعار النفط وتراجع مداخيل الدولة من العملية الصعبة، أو تعلق بالوضع الاجتماعي، فالجبهة الاجتماعية توجد منذ فترة على صفيح ساخن وكل المؤشرات تؤكد بأن المستقبل قد يحمل الكثير من الهزات على المستوى الاجتماعي التي يجب على حكومة سلال الاستعداد لها لحماية الاستقرار المحقق في وقت لا تزال فيه الجزائر محاطة بخطوط من اللهب. لقد توج اللقاء التقييمي للجنة الوزارية للتعاون الاقتصادي بين الجزائر و فرنسا على هامش زيارة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس للجزائر، بالتوقيع على أربع اتفاقات شراكة في مجالات الصناعة والتكوين التي تعد ثمرة العلاقات المميزة بين البلدين و نتيجة المبادرة التي اتخذها رئيسي البلدين بوتفليقة وهولاند الذين اختارا قبل ثلاث سنوات شراكة مميزة بين البلدين، وبالتزامن مع ذلك ارتفع مستوى الجدل حول قضايا الفساد، خاصة بعد الشروع في محاكمة المتهمين في قضية خليفة بنك وعلى رأسها عبد المؤمن خليفة، الفتى الذهبي كما كان يسمى، فالبعض رأى في عرض أهم قضايا الفساد على العدالة محاولة لتمييعها، وهو ما رد عليه وزير العدل الطيب لوح بالقول بأن بقاء بعض المتهمين نحو خمس سنوات في انتظار المحاكة هو غير منطقي، منتقدا اللجوء بشكل مفرط إلى الحبس الاحتياطي داعيا إلى تفعيل أكثر لقرينة البراءة. من جانب آخر فإن الجزائر التي بدأت تحقق الكثير من الانجازات على الصعيد الدبلوماسي خصوصا مع تونس وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في ليبيا لتجنيب هذا البلد خطر التدخل الخارجي سواء كان تحت قبعة »الناتو« أو قبعة أعراب الخليج، تمكنت بفضل حنكة دبلوماسييها من إقناع أهم فصائل الأزاواد من التوقيع على اتفاق السلام الذي تحفظت عليه في الفاتح من مارس الفارط بالعاصمة أين تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى من قبل عدد من الحركات المتمردة في شمال مالي، وتوج ذلك بالتوقيع على اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر الجمعة بباماكو بحضور رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح ممثلا رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى جانب رؤساء دول أفارقة وشخصيات دولية. وفيما يرتقب أن تساهم اتفاق السلام الذي حققته الوساطة برئاسة الجزائر في استعادة مالي لأمنه واستقراره وتقليص خارطة تواجد الجماعات المتطرفة، أعلنت جماعة «المرابطون» الإرهابية الناشطة في شمال مالي بزعامة، مختار بلمختار، مبايعتها لزعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي الذي وصفته ب«خليفة المسلمين»، وذلك بعد انشقاق بلمختار عن ما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وقال عدنان أبو الوليد الصحراوي المسؤول في جماعة «المرابطون» الإرهابية «مبايعة» الجماعة لتنظيم داعش، وفق ما ورد في تسجيل صوتي بثته مواقع مسلحين، فيما خرج بلمختار عن صمته ليعلن رفضه لهذه البيعة ويجدد تمسكه ببيعة زعيم »القاعدة« أيمن الظواهري، وتعتبر بيعة تنظيم البغدادي صحة التحاليل التي تحذر من المحاولات الرامية لجر المنطقة برمتها إلى فتنة جديدة تحت مسمى »داعش«.