استمعت هيئة محكمة الجنايات بمجلس قضاء البليدة في اليوم السابع والعشرين من محاكمة بنك الخليفة، إلى الرجل حامل أسرار البنك طيلة 12 سنة، المصفي منصف بادتسي، الذي كان في الموعد كعادته، ليدلي بشهادته كطرف مدني يجمع كل الأطراف المدنية ويمثل كل ضحايا بنك الخليفة. هذه العلبة السوداء التي جمعت بين رجل القانون، المحاسبة والحكمة في شخصية مميزة وفريدة من نوعها، كله ثقة بالنفس، يبدو جليا أن يملك نظرة شاملة وعميقة للوقائع التي ألمت بقضية الحال وباسم الضمير والواجب الوطني، كان يتكلم، ولم يكن أحدا ليجرأ داخل الجلسة ويقاطع كلامه، بما فيهم عبد المومن خليفة المتهم الرئيسي في هذه القضية، كان كلامه يرن على أذان الحضور الذين كانوا ينصتون لتفاصيل قضية بنك الخليفة التي اصطلح على تسميتها بفضيحة القرن، بالنسبة للمصفي، فإن هذه القضية هي أكبر من كل هذا، لأنها تعكس ضعف وهشاشة دولة ونظام بأكمله على جميع المستويات ومن المفروض أن تكون بمثابة عبرة ودرس لرسم الاستراتجيات المستقبلية في الجزائر. استهل منصف بادتسي مصفي بنك الخليفة كلامه أمام هيئة محكمة الجنايات باسترجاع شريط الذكريات، حيث قال في حديثه عن تلك الفترة، إن أجد صعوبة في تذكر كل ما حدث، لكن في اليوم الذي تم فيه الاتصال بي، كنت في مهمة بشركة سوناطراك بولاية سكيكدة، أنا محافظ حسابات في مؤسسات عمومية، وقد طلبوا مني الدخول لأمر مستعجل إلى العاصمة وفي نفس اليوم لبوا مني قبول تلك المهمة، حينها سألت، إن كان بإمكاني الرفض، فقيل لي، من أجل مصلحة الجميع يجب أن تقبل وهكذا وجدت نفسي في قلب هذه المهمة، تم تنصيبي يوم 29 ماي 2003 وانتقلت إلى فيلا بحيدرة، أين التقيت بجلاب محمد المتصرف الإداري في اليوم الموالي ومنحنى ملفا كاملا عن بنك الخليفة وتمت بذلك عملية تسليم المهام، الملف كان مهنيا ويتضمن كل التفاصيل التي سهلت علي عملية التصفية، أعترف أنني لم أفكر في عواقب أو تأثيرات هذه المهمة، لأنهم عندما كلموني قالوا لي انه من غير المستحسن أن ترفض، لأنها كانت حالة مستعجلة ولمصلحة الجميع، فرأيت نفسي أني أقوم بواجب.
جلاب قام بعمل مهني وأفادني بمعلومات مهمة سمحت لي بتعميق الأبحاث واستطرد المصفي مؤكدا بأنه بدأ بالعمل على الملف دون استباق الأحداث، ولكن المشاعر التي كانت تنتابه حينها، هي شعور بوجود كارثة بكل عناصرها وأشكالها، كنت أشعر وكأنني في حرب، أمام كل مظاهر الدمار التي كانت ترتسم أمامي، وكان علي أن أشرع في إحصاء كل الموارد التي كانت موجودة لتقليص حجم الخسائر، وكان لا بد من التعرف على الأصول واسترجاع الموارد الموجودة أصلا، المهمة كانت صعبة وقد استغرقت 12 سنة وهي لا تزال متواصلة لقرابة ثلاث سنوات أخرى بالنسبة لبنك الخليفة، أما شركة الخليفة للطيران فربما سننتهي منها هذه السنة، وهذا بعد أن أقفلنا كل باقي الفروع التابعة لبنك الخليفة والتي تمت تصفيتها. ومن ثم أكد بادتسي، أنه لو كان على الجزائر أن تخرج بدرس مما حدث في بنك الخليفة، هو أن ما عاشه البنك وما عرفه من تجاوزات يعكس حالة الضعف والهشاشة التي تعاني منها الدولة والمؤسسات والتي يجب العمل على تداركها في المستقبل. تعرضت للرشق بالحجارة من طرف الضحايا ومهمتي لم تكن سهلة القاضي يسأل المصفي، كيف تعامل مع تقارير المتصرف الإداري، ليؤكد بادتسي أن مهمة جلاب كانت محدودة في الزمن، حيث أنها لم تتجاوز شهرين ونصف، لكنه قام بشرح الوضعية وترك معلومات مهمة ولكن بعد ذلك قمت بتعميق الأبحاث، وفي اعتقادي، فإن كل ما قيل أو وصف في هذه الجلسة حول قضية بنك الخليفة هو بعيد كل البعد عن الواقع الذي عشناه طيلة 12 سنة، وقد قمنا بعمل مهم في هذه الفترة ارتكز على الجرد مهما كان الثمن ولهذا قمنا بجرد الأملاك وكل ما وجدناه بالمجمع وقد خصصت وقت كبير لجمع المعلومات، خاصة وأن المحيط لم يكن ملائما حينها بالنظر إلى الأشخاص المتضررين الذين كانوا ينتظرون التعويض، كان من الصعب مقابلة أصحاب الشكاوي، كنت محاطا بأربعين شريا وكانوا يرموننا بالحجارة. وقد تحدث بادتسي عن طوبوغرافيا الخليفة، في فترة كان فيها البنك يملك حوالي 70 وكالة بمقرات أغلبها مستأجرة، عمال لم يحصلوا على أجورهم الشهرية، الجميع ينتظر قرار لتسوية ما حدث وغيرها من المظاهر التي كانت ترسم ملامح تلك المرحلة. بنك الخليفة تعرض لعملية نهب للأموال تسببت في إلحاق أضرار كبيرة به بادتسي أشار إلى وجود عمليات نهب كبيرة للأموال كانت تتم ببنك الخليفة، تلك المرحلة تسببت في أذية البنك كثيرا والحمد لله -يقول المصفي- أن المتصرف الإداري جاء لوقف ذلك النزيف، وبعد عمليات الجرد التي قمنا بها، بدأت باستعادة الأرشيف الخاص بالبنك الذي كان عشوائيا ولم يكن منتظما، حيث قمنا بتسويته وقمنا بترتيب الملفات بطريقة منهجية وتصنيف الملفات السرية، لنجد اليوم مليون و200 ألف ملف، متابع ومنظم وكذا مشفر، هذا ما سمح لنا بتحصيل الأموال، كما لم ينكر المصفي مساعدة الجميع له، وقال غنه لم يستقدم غلا جزء قليل من الموظفين خارج المجمع واستعان في أغلب الأحيان بالموارد البشرية التي كان يزخر بها البنك وهذا ما مكنه من استرجاع المحاسبة واليوم نجد أرشيف محمي ومرقم بحوالي 33 مليون كتابة، وهذا بالرغم من أنه ورث محاسبة سقيمة بحسابات لا يمكنها التعبير عن النشاط المحاسبي. ويرى المصفي، أن الحسابات المعلقة تساهم في تلويث الحسابات وتحول دون القيام بعمليات حسابية سليمة، حيث وجد عديد العمليات التي كانت قيد الانتظار والمشكوك فيها، وفي هذا السياق كشف أن ميزانية سنة 2000 أحصت 127 مليار دينار جزائري، نجد منها 97 مليار دج عبارة عن حسابات عالقة وهذا رقم ضخم للغاية، وعليه كان لا بد من مراقبة كل ذلك وتنظيف كل الحسابات، كما صوف بادتسي الكتابات التي كانت ما بين الوكالات بالحسابات الفولكلورية والتي بلغت 97 مليار دج، ومن هنا تولدت لديه قناعة بأن المحاسبة لم تكن فعالة ببنك الخليفة، وتسأل الرجل، كيف يمكن أن نتخيل محاسبة معبرة، عندما يكون لديك محاسبة المراسلين »محاسبة مقابلة«. وعليه يجب أن نكون واعين حسب ما صرح به المصفي، بأننا كنا أمام عمليات خارج المحاسبة فإذا لم تكن حساباتك مدمجة في المخطط المحاسبي لا يمكن الحصول على رؤية واضحة للمحاسبة المقابلة. ومن هذا المنطلق، بقينا مدة 12 سنة ونحن نعدل في الأخطاء المحاسبية وهو الأمر الذي وصفه بادتسي بالدراما الوطنية عندما قال إنه شهد عمليات نهب وسرقة.وأضاف بادتسي أن الإشعارات الإحدى عشر التي اكتشفت في الخزينة الرئيسية بالشراقة، لم تكن إلا عينة، وقال إنه لو لم يرفض توجان مولود مدير المحاسبة في تلك الفترة أن يقوم بتسويتها لكانت قد اختفت، وتبقى بذلك حالة من بين حالات كثيرة لم نكتشفها إلى حد الساعة، ديون بنك الخليفة بلغت 104 مليار دينار جزائري وعملية التعويض لا تزال جارية لينتقل المصفي إلى الحديث عن ديون بنك الخليفة والتي بلغت في سنة 2014، 104 مليار دينار جزائري، وقال إن كل ما جمعته هو 10 مليار دج وحددت نسبة تعويض للضحايا مقدرة ب 10 بالمائة، مع العلم أن بنك الخليفة لم يعرف أي ازدهار ولم تكن لديه أي موارد لمواجهة الأزمات، وقد تم تسجيل 11700 تصريح، أقصينا منهم 2700 تصريح غير مؤسس، موضحا أن ما حدث في بنك الخليفة هو ناجم عن مصاريف خرجت وأموال ضاعت وقروض منحت دون أي سند قانوني، هبات تنم عن طيبة كبيرة لأصحاب هذا البنك وغيرها من الممارسات. واستنادا لما كشف عنه المصفي، فقد بلغت قيمة الإيداعات بأجل 60 مليار دينار، موزعة بين مودعين عموميين ومودعين خواص، منها 58 مليار للمؤسسات العمومية و1.8 مليار دينار للخواص، فيما بلغت إيداعات الحسابات الجارية 25 مليار دينار، أما ديون البنوك فبلغت 6.9 مليار دينار، أما سندات الخزينة فبلغت 6.2 مليار دينار، وبلغت ديون التجارة الخارجية 3.7 مليار دينار، وحسابات دفاتر التوفير 2.5 مليار دينار، وصكوك الصناديق 2.4 مليار دينار، أما الحسابات بالعملة الصعبة فبلغت 1.9 مليار دينار، والحسابات بالصك 926 مليون دينار، وبلغت قيمة الديون الإجمالية 119 مليار دينار، تم منح مبلغ 4.9 مليار دينار كتعويضات لتبقى قيمة الديون التي لم تدفع بشكل عام 114 مليار دينار وفي السياق بلغت قيمة التعويضات الإجمالية بالنسبة ل 178 مؤسسة عمومية 71 مليون دينار، وبلغت قيمة الديون بشكل عام 126.1 مليار دينار، منها 119.3 تجاوزت قيمة الإيداع 60 مليون، حيث تم تعويض 2.8 مليار دينار، و6.8 مليار دينار لم يتجاوزوا العتبة تم تعويضهم بقيمة 4.4 مليار دينار، وبلغت قيمة الديون التي ثبت أن أصحابها محتالون 2.1 مليار دينار. تحويل 689 مليون دولار إلى الخارج ومحطات تحلية مياه البحر عينة فق وفي رده على سؤال حول محطات تحلية البحر التي استغلت في رأيه بهدف تحويل العملة الصعبة إلى الخارج، قال إنها تدخل في إطار حسابات تم العثور عليها ولم تفسر إلى حد الآن حول تحويل العملة الصعبة، حيث تم تحويل 689 مليون دولار إلى الخارج، عمليات مشبوهة وغير مطابقة للمعايير. وفي هذا السياق، قال المصفي، إن الشركة السعودية التي تعاملت مع عبد المومن لم تحصل على المال وحولت الأموال إلى جهة أخرى، كما انه لم يكن بالإمكان استقبال المحاطات الثلاثة بالميناء البترولي بالجزائر، كما عثرنا على نسخ لفواتير غير مستعملة كانت تستغل للتزوير وتشبه تلك الفواتير التي كانت تحمل في الأصل مبالغ مالية ضخمة بقيمة المحطات وبالتالي اضطررت لتوقيف العقد معها دون أن أكمل لهم باقي المبلغ، وبهدف لقائهم في تلك الفترة لم يرضوا منحي تأشيرة لأنني مسلم والفترة كانت مصادفة لموسم الحج فأرسلت محامي معي غير مسلم منحوه التأشيرة لعقد اجتماع فسخ العقد. وعن نشاط وكالات بنك الخليفة، قال بادتسي، لا يجب الخلط، لأنه لم يتم استغلال كل الوكالات وإنما البعض منها، مثل وكالة الحراش، وهران، سيدي بلعباس، المذابح، الشراقة، القليعة ، كما أن هناك شخصيات تورطت في تلك العمليات المشبوهة، حيث نجد مبالغ تخرج من حسابات خاصة وتذهب إلى حسابات جماعية وهذا دليل على وجود نوايا سيئة، وما فعلته هو أنني كنت كلما اكتشف عملية مشكوك فيها أقوم بإخطار وكيل الجمهورية. مسؤولون كبار حصلوا على قروض من بنك الخليفة وبالنسبة لبادتسي، هناك أشخاص متورطين في هذه القضية تم اكتشافهم خلال عملية التصفية التي لا تزال متواصلة، وفي كل نمرة يتم إخطار القضاء، وفي هذه النقطة وجه أحد الأساتذة سؤالا لمصفي بنك الخليفة، بقوله، مسؤولون كبار في الدولة من بينهم وزراء حصلوا على قروض، هل الواقعة صحيحة ?يرفض القاضي السؤال بدعوى أنه لم يرد أي ذكر للوزراء في قرار الإحالة وأنه عليه المحافظة على كرامة الأشخاص-، كما أكد المصفي من جهته أن وقف على حالة دمار لهذا المجمع وهي التصريحات التي ما فتئت تورط عبد المومن خليفة الذي وعده خلال اللقاء الذي جمعه به بلندن أن يسلمه مبلغ 45 مليون أورو لتعويض الضحايا،. المصفي وفي رده على أسئلة المحامين، قال إنه باع الطائرات والمطبعة وكذلك العقارات وكل ما توفر لديه وبأغلى الأثمان بهدف جمع أكبر قدر ممكن من المال لتعويض الضحايا، وأكد أن رأسمال بنك الخليفة المقدر ب 500 مليون دج تم تحريره وأنه استعمله في عملية التعويض، وفيما يتعلق بالمحافظين اللذين كانا ببنك الخليفة، أكد انه كان عليهما تبليغ العدالة عن أي خروقات، مشيرا إلى أن التصفية في نهاية المطاف كانت حتمية لوقف مسار النهب وتحويل الأموال إلى الخارج. ويشار إلى أن مجريات القضية تتواصل اليوم بالشروع في الاستماع إلى مرافعات الأطراف المدنية.