عاد ملف المصالحة بشكل لافت ليثير موجة من النقاش والجدل حول النتائج التي حققها وضرورة تفعيله لمواكبة محاولات التصعيد الإرهابي الأخيرة، وإفساح المجال أمام من تبقى من المغرر بهم ليلتحقوا بقوافل التائبين الذي اقلعوا عن الإرهاب وعادوا منذ سنة 2000 إلى أحضان المجتمع، وتزامن هذا النقاش مع تسليم إرهابيين لأنفسهم للاستفادة من تدابير نصوص ميثاق السلم والمصلحة الوطنية . ويبدو أن التصريحات التي أدلت بها رئيسة حزب العمال، لويزة حنون، التي دعت إلى تحديث ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لم تعجب الكثير من ممتهني المعارضة، فقد قالت حنون، خلال اجتماع لحزبها »إن الملفات لم يتم غلقها نهائيا« مؤكدة ضرورة »معالجة أسباب الأزمة لطي صفحتها«، مؤكدة على ضرورة فتح نقاش بين الجزائريين »دون تدخل أجنبي لمعرفة أسباب الأزمة والمسؤول عنها«، ليس من باب الدفاع على زعيمة حزب العمال التي أثبتت على مر السنوات الماضية أنها قادرة على الدفاع عن نفسها وحزبها، لكن نقول فقط ما الذي قالته لويزة حنون ولم يعجب بعض أطراف سياسية، خصوصا بعض قيادات المعارضة، وهل في هذه الدعوة ما يسيء إلى العمل السياسي في البلاد أو ما يؤشر لوقوف حنون في صف طرفا في السلطة على حساب الطرف الأخر، إذا ما صدقنا التحاليل والروايات التي تتحدث عن حرب »داحس والغبراء« في أعلى هرم السلطة أو ما سمي بأنصار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومعارضيه، فهذا محمد حديبي نائب رئيس حركة النهضة يعتبر أن كلام حنون وكلام أمين عام الأفلان عمار سعداني حول الدولة المدنية الذي حول في بعض القراءات إلى شكل من أشكال الصراع مع المسؤول الأول على مديرية الاستعلامات والأمن »المخابرات«، الجنرال محمد مدين المعروف باسم »الجنرال توفيق«، قد »خرج من مشكاة واحدة« مضيفا أن حنون »تسيء للعمل السياسي المعارض، حيث إنها تدعي المعارضة، لكنها تتخندق مع مجموعة في السلطة ضد مجموعة محددة«.وتساءل حديبي في السياق ذاته: » ما الغرض من إخراج ملف المصالحة الذي كنا انتقدناه لمساواته بين الضحية والجلاد، غير أجندة سياسية لطرف في السلطة ضد طرف آخر؟«، لكن ما الذي يضر إذا ما تم فتح نقاش صريح حول المأساة الوطنية لتحديد المسؤوليات بدقة؟ يبدو أن بعض قوى المعارضة تخاف من إعادة تحريك ملف المصالحة لأنها تعتقد أن هذا الملف يبرز أحد أهم معالم النجاح الذي تحقق خلال فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، قوى ترى أن انتخابات رئاسية مسبقة هي الحل الوحيد لإعادة تشكيل الخارطة السياسية في البلاد وفق مصالحها وحساباتها الخاصة، فما تحقق من امن وسلم ومصالحة كان بفضل العمل الميداني لقوات الجيش ومختلف أسلاك الأمن والمواطنين، وكان أيضا بفضل مسار سياسي سلمي جريء مكن الجزائر من أن تخرج من عنق الزجاجة وتستعيد أمنها وعافيتها بعد سنوات من الدم والدموع وآلاف الضحايا وملايير من الخسائر، فلولا المسار السلمي الذي بدا بقانون الوئام المدني ثم نصوص ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لما أمكن اليوم الحديث عن جزائر واحدة موحدة، تصنع السلم في كامل المنطقة. كان يفترض بالمعارضة أن تتخندق في صف أي دعوة يكون الغرض منها بعث دم جديد في عروق المصالحة، فالمسار السلمي بحاجة دائمة إلى جرعات جديدة تسمح له بان يضمن الديمومة ويبقي الأبواب مشرعة في وجه المغرر بهم للعودة إلى أحضان المجتمع، فقيم السلم لا يمكن أن تنتهي في الزمان، وكل تعطيل للمسار السلمي لن يكون إلا في صالح قوى التطرف ومن يقف وراءها لجذب المزيد من الشباب المتحمس والمغرر به إلى صفوفها، خاصة وان الجزائر تعيش هذه الأيام تحديا أمنيا خطيرا يتمثل أساسا في محاولات التصعيد الإرهابي التي ترافق مساعي جهنمية هدفها نقل سيناريو »داعش« من ليبيا إلى الجزائر وكامل المنطقة.