أكد الخبير الإقتصادي المختص في الدراسات الاستشرافية بشير مصيطفى، في حوار ل » صوت الأحرار «، أن تكون الجزائر في أزمة اقتصادية خطيرة، وبالتالي فان مسألة الإستدانة غير مطروحة حاليا، نافيا أن يكون الوضع الإقتصادي في الجزائر شبيها بالأزمة اليونانية، وأوضح أن هذه التوقعات تعتبر كلاما غير مدروس وسيناريو متشائم، لكنه حذر من جهة أخرى احتمال تحول الوضع إلى متأزم إذا استمر الحال كما هو عليه الآن بشرط أن تتحرك الحكومة نحو انتهاج سياسة الضبط الإقتصادي، قائلا إن كل المشاهد محتملة لاسيما مع خفض قيمة الدينار وارتفاع نسبة التضخم مما ستسمح الفرصة لانفجار اجتماعي شبه بسيناريو أحداث أزمة الزيت والسكر في 2011. هل يمكن القول إن الجزائر في منأى عن أزمة اقتصادية خطيرة جراء تراجع أسعار النفط، لاسيما بعد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا ؟ الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الأزمة الإقتصادية تدخل في إطار تصحيح الميزانية على المدى القصير، وهذا خطأ كبير لجأت إليه السلطات باعتبارها إجراءات سريعة تمثلت في سحب السيولة من السوق الموازية وخفض قيمة الدينار والواردات بالإضافة إلى توقيف بعض المشاريع التي تدخل في إطار خفض النفقات والبحث عن موارد جديدة. إذن أنتم تتوقعون نتائج سلبية تضر بالاقتصاد الوطني لاسيما مع تراجع قيمة الدينار؟ ننتظر تقرير بنك الجزائر لأن هذه الإجراءات لها علاقة بالبنوك، لكن هذا لا يعني أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ليست ايجابية فهي لا تحمل ضررا وهي مجرد إعادة إدارة السيولة المالية لأنها موجودة في السوق ولكن ما ينقصها هو إدارتها، وفيما يتعلق بخفض الدينار سيكون له سلبيات على السوق مباشرة لاسيما فيما يخص بارتفاع معدل التضخم نهاية السنة الجارية وبالتالي ارتفاع أسعار وما نلمسه اليوم هو حقيقة ما يقال، فالحكومة أرادت أن تستعمل أدوات وإجراءات لم تكن مدروسة بحيث أن خفض قيمة الدينار لا يتماشى مع آليات سحب السيولة بحيث وقع في تناقض يشمل حلين مختلفين، كما أأكد أن ضعف الدينار سيتواصل وسننتظر أكثر. لماذا تراجع الدينار الجزائري وما آثاره على الإقتصاد الوطني؟ في الحالة الأولى فان سعر صرف الدينار الجزائري لا يعبر عن قيمته الحقيقية ليس من اليوم ( 2013 – 2015 ) بل منذ فترة ولكن تدخل بنك الجزائري في ادارة سوق الصرف بعيدا عن أساسيات السوق النقدية جعل من سعر صرف الدينار سعرا إداريا وليس معوما وسعرا فوق قيمته الحقيقية، وذلك بدعم من السياسة المالية »الجباية النفطية « واحتياطي الذهب والنقد الأجنبي، والآن السوق النقدية بدأت تكشف عن حقيقتها بعد تراجع السياسة المالية وتراجع احتياطي النقد الأجنبي وبدأ الدينار يكشف عن حقيقته لأنه أصبح يعبر عن الوضعية الحقيقية للسوق النقدية وهي وضعية »العرض المعمم «، ومعنى ذلك أن عرض الدينار أعلى بكثير من الطلب عليه، لدينا حالة عرض غير محدود بسبب ضخامة السيولة في السوق الموازية خارج البنوك ( حوالي 4500 مليار دينار ) في مقابل طلب محدود بسبب ضعف استثمار القطاع الخاص وضعف ادخار العائلات وانعدام سوق الطلب على التمويل الخاص بالمؤسسات الصغرى »البورصة « ثم لجوء المتعاملين أي » المستوردين « الصغار لطرح الدينار في سوق الصرف الموازية لصالح الأورو مما ضاعف من الطلب على النقد الأجنبي وبالتالي زاد من قيمته مقابل الدينار . وتعود انعكاسات الدينار الضعيف على ارتفاع الأسعار غير المدعمة كالسيارات، قطع الغيار، الدواء، العلاج بالخارج، الملابس وغيره، بالإضافة إلى ارتفاع فاتورة الدعم الحكومي لمشتقات النفط والحبوب، الزيوت، السكر، الحليب، ما يضيف عبئا جديدا على ميزانية الدولة، وأتوقع نقاطا مهمة في التضخم بدءا من الثلاثي الأول 2016 وقد نقترب من تضخم برقمين اثنين » أثبر من 10 بالمائة « كما ذكرت أعلاه، وفي جانب السياسة النقدية خفض الدينار يؤدي في مرحلة لاحقة إلى رفع سعر الفائدة لدى البنك المركزي لضبط كلفة الاقراض ما يؤدي آليا إلى ارتفاع كلفة رأس المال ومن ثمة كلفة الاستثمار. وقد لجأ بنك الجزائر إلى الخفض الإداري للدينار في تناغم مع حقيقة السوق النقدية جاء ليعوض خسارة الميزانية من الجباية النفطية » تراجع ب 50 بالمائة في عام واحد «، وثانيا للحد من الواردات » 57 مليار دولار في 2014 « على أساس أن الاستيراد بالدينار الضعيف يقلل من تنافسية المنتوج الأجنبي في السوق الوطنية لأنه يصبح سعره أعلى . في رأيكم هل هذا صحيح ؟ لا هذا غير صحيح لأسباب عدة كعدم مرونة الإنتاج الوطني من حيث الكم أو الجودة وتضاعف الطلب الداخلي تحت ضغط زيادة الانفاق الحكومي بالإضافة إلى ارتفاع الأجور وتضخم السيولة في السوق الموازية ما يعني محدودية أثر الدينار الضعيف على الميزان التجاري وتحمل المستهلك أثر زيادة الأسعار غير المسقفة وليس المستورد، وباختصار الهدف من الدينار الضعيف هو ضبط ميزانية الدولة وضبط الميزان التجاري في جانب الواردات وليس رفع التصدير كما هو في الحالة الصينية » البنك المركزي الصيني خفض اليوان ثلاث مرات في أسبوع واحد ولكن بهدف حفز التصدير وليس خفض الاستيراد كما هو الحال في الحالة الجزائرية « . هناك من توقع تكرر نفس المشهد خلال العام المقبل ما رأيكم وماذا تقترحون كحلول ناجعة للوضع الاقتصادي الحالي؟ نعم لا أستبعد تكرر نفس المشهد، بحيث سيتواصل انخفاض الدينار الجزائري إلى النقطة التي يتم فيها توازن الميزانية من خلال موارد جديدة للجباية خارج النفط والمحروقات، واقتراب السيولة في السوق الموازية من الطلب عليها أي ارتفاع الطلب على الدينار وهذا لا يكون إلا بحفز الاستثمار وتشجيع ادخار العائلات وتحسين مناخ الأعمال وتحرير سوق رأس المال حيث سيتم امتصاص السيولة الزائدة والتقرب من السوق النقدي المتوازن . وعلى الحكومة إتباع الحل الناجع للخروج من الأزمة الإقتصادية على المدى المتوسط، من خلال انتهاج سياسة ضبط الإقتصاد الذي يعطي حلولا إلى غاية سنة 2021 في جميع المجالات التي فيها تنافسية، وليس التصحيح لأن الأمر يتعلق بالاقتصاد الوطني ككل، وهي تعتبر حلول هيكلية وليست إجرائية التي تهدف إلى رفع الإرادات وخفض النفقات بحيث أن الضبط الهيكلي سيستهدف النمو على المدى البعيد ليصل إلى حدود 10 بالمائة بالإضافة إلى التنويع الإقتصادي، كما يستهدف النظام الجبائي فيما يتعلق بالضرائب والرسوم والحقوق، وبالتالي إيجاد موارد جديدة للجباية، وأقترح وزارة منتدبة للجباية وظيفتها الابتكار الجبائي وتحقيق التحصيل الأمثل للضرائب . وفي باب الواردات أقترح تطبيق الحواجز غير الجمركية على كل السلع والخدمات » نوعية المنتوج، معيارية السلامة الصحية، معيارية التغليف، معيارية عدم التأثير على البيئة، معيارية منشأ المنتوج، معيارية رشادة استهلاك الادارات الحكومية والوزارات، معيارية أولوية الاستهلاك بالنسبة للعائلة الجزائرية . أكد وزير المالية في تصريحات سابقة أن الجزائر ليست بحاجة إلى الإستدانة من الخارج لتغطية نفقاتها، في حين أبدى خبراء اقتصاديين تخوفهم من تأزم الأوضاع الإقتصادية، ما ردكم؟ ربما من المستبعد أن تكون الجزائر في أزمة اقتصادية خطيرة، وبالتالي فان مسألة الإستدانة غير مطروحة حاليا، ويعود السبب في ذلك إلى هامش مناورة الحكومة في تلبية الطلب الداخلي وفي تمويل المشاريع الكبرى للحكومة والتي بلغ حجمها 26 مليار دولار في 2015. هذا الهامش نجده في كل من صندوق ضبط الإيرادات الذي يعادل 47 مليار دولار، والاحتياطي من النقد الأجنبي الذي يصل إلى 170 مليار دولار، أي أن مجموع 217 مليار دولار تضع التوازنات الكبرى للدولة في مجال الحماية لمدة عامين ونصف العام أي حتى 2018، وبالتالي فهي لا تحتاج إلى تمويل خارجي، بشرط استعمال هذه الأموال في ضبط الإقتصاد الوطني وتجاوز الأزمة من خلال تمويل قوي ومدروس وتحقيق نمو قوي، لاسيما وأن نسبة 3.9 بالمائة من نسبة النمو تعتبر ضعيفة جدا، فالتفسير التقني واضح لعدم استدانة الجزائر من الخارج لأن لها تمويل داخلي. هذا في مجال مخزون الإيرادات، أما على صعيد تدفق إيرادات الميزانية، فإن آخر العام سيقفل على إشارات مقلقة نوعا ما وهي تراجع الصادرات من 68 مليار دولار في 2014 إلى 34 مليار دولار آخر العام 2015، استقرار الاستيراد حول السقف العالي، أي 57.3 مليار دولار، وتفاقم عجز الميزان التجاري حوالي 20 مليار دولار، وهو عجز تجاري غير مسبوق في تاريخ الوقائع الاقتصادية للجزائر، من جهة أخرى، فإن نفقات الميزانية ستقفل على 75.8 مليار دولار مقابل إيرادات للميزانية عند 49.5 مليار دولار، ما يعني عجزا للموازنة عند عتبة 28 مليار دولار . هناك من شبه الوضع الإقتصادي في الجزائر بالأزمة اليونانية، ما مدى صحة هذا الكلام؟ لقد اطلعت على هذه التصريحات الكلام غير مدروس وسيناريو متشائم لأنه غير مبني على أسس علمية، فالوضع الإقتصادي في الجزائر لا يشبه باليونان فهو بعيد جدا، لكن إذا استمر الحال كما هو عليه الآن يمكن أن يتحول إلى وضعية اليونان، ففي اعتقادي لسنا في وضع متشائم بشرط أخذ الاعتبار بالتوصيات العلمية لضبط الإقتصاد الوطني، فإذا استمرت وتيرة خفض أسعار البترول وتراجع قيمة الدينار ولن تتحرك الحكومة أمام هذا الوضع لضبط اقتصادها فان كل المشاهد محتملة لاسيما مع جمود الأجور وارتفاع نسبة التضخم وبالتالي سيسمح الفرصة لانفجار اجتماعي شبه بسيناريو أحداث أزمة الزيت والسكر في 2011، وأدعو الحكومة إلى تعديل مشروع إدماج البنك في نمو ودخوله في السوق كمستثمر وتمويل القطاع الخاص وإشراكه في المشاريع الكبرى للدولة لخلق السيولة . فالجزائر قادرة على تخطي عقدة تبعية اقتصادها لقطاع المحروقات، فلا يزال بين أيدينا هامش تحرك للّحاق بمعيار الإقلاع والنشوء بالنظر إلى القطاعات الراكدة والتي هي دون سقف النمو، مثل الصناعة الزراعية، والمنشأة الصغرى والمتوسطة، وقطاع التحويل والبتروكيمياء، والمناجم، إضافة إلى الخدمات لذا، لدينا فرصة للإقلاع في عام 2021 إذا بدأنا الآن في خطة الطريق، ولدينا فرصة للصعود، أي النشوء، في 2030 إذا استكملنا خطة الطريق، وهذه الخطة مبنية على 6 مفاتيح للنمو وهي نموذج قياسي للاستشراف 2050، وتنويع الاقتصاد بإدماج القطاعات الراكدة في النمو ومنها قطاع المصارف والمالية، وتطبيقات المعرفة في الأداء الاقتصادي، والابتكار ونُظُم المعلومات وتكنولوجيا الاتصال، بالإضافة إلى تجسيد العلاقة بين البحث العلمي والإنتاج، وأخيراً الإدارة الحديثة للمؤسسة المنتجة. سبق وأن توقعتم استمرار التراجع في أسعار النفط، كخبير اقتصادي مختص في الدراسات الاستشرافية، كيف ترون أن يكون مستقبل الجزائر الاقتصادي ؟
بفضل التماسك الاجتماعي التي حرصت الجزائر على دعمه سيكون أفضل بكثير، بإمكانها رفع النمو إلى سقف بين 7 بالمائة و10 بالمائة في آفاق 2021، أي تحقيق شروط الإقلاع الاقتصادي الممهّد للصعود آفاق العام 2030، وألح مجددا على ضرورة أن تضبط الحكومة اقتصادها على مسار التخطيط الإقليمي واستشراف المستقبل وضبط العملية الإحصائية المبنية على المدى القريب على المدى القريب بوضع قائمة رمادية للاستيراد عن طريق الحواجز غير الجمركية واستحداث وزارة منتدبة للجباية في أول تغيير حكومي قادم، بالإضافة إلى تبسيط إجراءات تأسيس الشركات المصغرة والصغرى لامتصاص السيولة وترسيم سوق الصرف الموازية بفتح محلات الصرف الخاصة ضمن القانون التجاري الجزائري، وتحرير السوق النقدية بتحرير سعر الفائدة وإطلاق منتجات بنكية مبنية على المشاركة والمضاربة، أما على المدى المتوسط فيجب تفعيل رؤية الجزائر 2030 ونموذج النمو 2019 الذي قامت بإعدادهما كتابة الدولة لدى الوزير الأول المكلفة بالاستشراف والإحصائيات في أوت 2013 واللذان استهدفا نمو مستديم بين 7 و10 بالمائة، والإقلاع الاقتصادي في 2019 والنشوء في 2030 .