أحدث ملف أموال الخدمات الاجتماعية تعارضا جذريا كبيرا بين ما تراه بشأنه، النقابات الوطنية المستقلة في قطاع الوظيف العمومي، من جهة، والاتحادية الوطنية لعمال التربية، ومن ورائها الاتحاد العام للعمال الجزائريين، من جهة ثانية، وهو التعارض الذي تحول إلى هجوم مجاني من بعض نقابيي الاتحادية في حق وزير التربية الوطنية، وتحميله المسؤولية، لأنه سعى بكل وضوح وشفافية إلى تصحيح ما كان خاطئا، واجتهد بإخلاص في طرح الحل المناسب لهذا الأمر، ووضع حد لكل الاتهامات والتجاذبات الحاصلة بخصوص أموال هذه الخدمات الاجتماعية، المودعة منذ سنوات لدى نقابة واحدة، دون غيرها من النقابات الأخرى، وهي نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين منذ سنوات والنقاش دائر داخل الأوساط التربوية والنقابية ، ويتفاقم بأشكال متنامية، حول أموال الخدمات الاجتماعية، التي هي حتى اليوم بيد الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وهو الذي يتولى تسييرها، دون أن تشاركه في ذلك بقية النقابات الوطنية الأخرى، وهي كلها نقابات مستقلة إلى حد ما عن الهيمنة، والاستغلالات السلطوية، وأولى النقابات المستقلة التي تبنّت بقوة هذا الموضوع كمطلب أساسي، وضمنته أرضية مطالبها نقابة الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، وصاحبتها في ذلك نقابات أخرى، مثل نقابة المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، والنقابة الوطنية المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، هذه النقابات الثلاث على وجه الخصوص عارضت أن تُسيّر أموال الخدمات الاجتماعية، التي هي أصلا تُقتطع من الكتلة النقدية الخاصة بعمال التربية الوطنية، من قبل نقابة وطنية واحدة، والتي هي نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، التي يرأسها عبد المجيد سيدي السعيد منذ عدة سنوات، وطالبت بقوة بإعادة النظر في القرار الوزاري، الذي تسير بموجبه هذه الأموال، وحملت المسؤولية في ذلك إلى وزير التربية الوطنية. ونتيجة ما حدث للخمسين مليار سنتيم، التي« أطاح» بها سيدي السعيد، أمين عام الاتحاد العام للعمال الجزائريين، في مستنقع الخليفة، ومجمل الضغوط النقابية والعمالية الكبيرة التي هي ضغوط قانونية مشروعة، فإن وزير التربية الوطنية قد استجاب فعلا إلى أهمية مراجعة هذا الأمر، وفق القوانين التي تسير عليها التعددية النقابية، وكان له ذلك بالفعل، حين توصل إلى قناعته النهائية ، التي أوجبت عليه مؤخرا تشكيل لجنة وطنية بالاشتراك مع النقابات التمثيلية في القطاع، خاصة بموضوع الخدمات الاجتماعية، وقد عقدت لأجل ذلك عدة جلسات جادة ومسؤولة، تم فيها التأكيد على المطالبة بإلغاء القرار الوزاري رقم 94/ 158، الذي يسير أموال الخدمات الاجتماعية، والرجوع للعمل بالمرسوم الرئاسي رقم 82/303 ، الصادر سنة 1982، المتعلق هو الآخر بتسيير أموال الخدمات الاجتماعية، وتعويضه بقرار جديد، يتم بموجبه استحداث هيئة اجتماعية، مستقلة، منبثقة عن ممثلي العمال المنتخبين، وفي نفس الوقت تم التأكيد على ضرورة إبعاد تسيير هذه الأموال عن الهيمنة النقابية، وحصر دور النقابات في الرقابة، وليس في التسيير، وفي هذا عبر الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين الذي هو أول المدافعين عن إبعاد الهيمنة الحالية، أنه يرفض تسييرها من منطلق مبدئي، كما يرفض إسناد تسييرها لأية منظمة نقابية، ويصر على ضرورة استقلاليتها. وهذا تقريبا ما تم الاجماع عنه ضمن إطار اللجنة، حيث جاء في المحضر، الذي وقعه وزير التربية الوطنية أبوبكر بن بوزيد شخصيا مع الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين: أنه يتعين في هذا الصدد تنصيب لجنة مشتركة بين وزارة التربية ونقابة الاتحاد لدراسة الملف، وفي هذا الصدد يلغي القرار الوزاري رقم 94/158، المؤرخ في 22 أوت 1994، المتضمن كيفيات تسيير الخدمات الاجتماعية في القطاع، ويعوض بقرار آخر، يصدر عن اللجنة المنشأة لهذا الغرض، يتماشى ويتجاوب مع واقع التعددية النقابية، وينتظر أن يثبت هذا الأمر قريبا عن طريق اللجنة الحكومية، صاحبة الاختصاص، التي أحيل إليها هذا الملف. ويبدو أن هذا السياق الذي سارت وتسير فيه أمور أموال الخدمات الاجتماعية، لم يعجب الاتحادية الوطنية لعمال التربية، وهو الذي دفع بأحد مسؤوليها إلى التهجم على وزير التربية، وانتقاده بغير وجه حق، في قرار السعي نحو تنحية تسيير هذه الأموال من الأحادية النقابية، ووضعها في إطار جماعي، قانوني، شفاف، ترضى به كل النقابات التمثيلية، دون تفضيل واحدة على أخرى، وهو الذي جعل الاتحادية، ومن ورائها الاتحاد العام للعمال الجزائريين يفكر في دفع هذه الأخيرة إلى التهديد بالقيام بإضراب بداية الشهر المقبل، وهذه المرة طبعا ضد الوزير بن بوزيد شخصيا، لأنه متجه نحو تحقيق العدل والانصاف بين كل النقابات التمثيلية الجزائرية، دون محاباة واحدة على أخرى، وفق ما تنص عليه قوانين الجمهورية.