غدا ينتهي الحول الأول من العهدة الثالثة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عهدة فاز بها بوتفليقة وسط جدل كبير خاضه رجال السياسية والإعلام بعد قرار التعديل الجزئي للدستور الذي مس المادة التي كانت تحدد الفترة الرئاسية بعهدتين غير قابلتين للتجديد. لقد تغير الدستور، وبقي بوتفليقة رئيسا لعهدة ثالثة، وقد ابتلع منها الدهر 365 يوما، تعتبر أكثر سنوات حكم بوتفليقة صعوبة بفعل التحديات والتطلعات. إن المعارضين لتعديل الدستور، كانوا في الأصل معارضين لعهدة رئاسية ثالثة، مهما كانت التبريرات وعلى رأسها ضمان "التداول الديمقراطي " على السلطة، وكان المبرر الأساسي للمؤيدين لعهدة ثالثة ضمان مواصلة تطبيق برنامج الرئيس بوتفليقة. وهذه الجدلية بالذات تجعل العهدة الثالثة للرئيس أصعب العهد وأخطرها، ذلك أن بوتفليقة حقق نتائج إيجابية جدا خلال العهدتين السابقتين، وهي نتائج ملموسة لا يمكن نكرانها أو تجاهلها، وهو ما يجعله بحاجة إلى نتائج ملموسة أكثر خلال العهدة الثالثة، الأمر الذي يضفي عليها نوعا من الصعوبة ويستلزم من الطاقم الحكومي بذل مجهودات إضافية. ولهذا السبب بالذات ، كان المراقبون يتوقعون تغييرا جذريا في الحكومة، ليتماشى مع التعديل الجزئي للدستور القاضي بمنح مكانة للشباب والمرأة، لكن الحاصل أن الحكومة قد حافظت على تركيبتها خلال العهدة الثالثة، وبرر بعض المحللين عدم تغيير الحكومة تغييرا جذريا إلى رغبة الرئيس في إضفاء الاستقرار على الجهاز التنفيذي، وسط جدل آخر حول مفهوم الاستقرار من الجمود. بداية العهدة الثالثة، شهدت الجزائر بعض الأحداث التي تفاعلت معها الساحة الإعلامية ، مثل احتجاجات سكان ديار الكاف في نواحي باب الواد، وديار الشمس الذي لم تستطع عنهم الشمس إلا بعد الاحتجاجات حيث تم إسكانهم مؤخرا في سكنات جديدة، وهنا أيضا أثير جدل جديد : هل يجب أن يتظاهر الناس من أجل تحقيق مطالبهم ؟ وفي السياق نفسه شهد عمال المنطقة الصناعية بالرويبة عدة احتجاجات قادها عمال السيارات الصناعية، ما ولّد مخاوف كبيرة من تكرار سيناريو " أكتوبر 1988 " باعتبار أن إضراب عمال الروبية عام 88 أشعل شرارة انتفاضة أكتوبر. كذلك شهد قطاع الصحة إضرابا مفتوحا، تعطلت بسببه الخدمات الطبية للمواطنين، ولم يستقر الوضع نسبيا حتى أصدرت العدالة حكما بعدم شرعية الإضراب. وشهد قطاع التربية بعض التوتر والإضراب القابل للتجديد احتجاجا على الوضعية المهنية والاجتماعية المزرية لعمال القطاع ، وقامت العدالة بإنهاء الإضراب بالحكم بعدم شرعيته. وبالموازاة مع توتر الجبهة الإجتماعية، اهتزت بعض القطاعات على وقع ما يسمى إعلاميا ب " فضائح الرشوة " ، التي مست عدة قطاعات أهمها قطاع الطاقة والمناجم عبر شركة سوناتراك وقطاع الأشغال العمومية بسبب الطريق السيّار شرق غرب، فضلا عن كشف الصحافة عن نهب للمال العام تعرضت له قطاعات أخرى. وفي ظل هذه التوترات الإجتماعية ارتفعت أصوات إعلامية عديدة متسائلة : أين الرئيس ولماذا لم يتدخل وغيرها من التساؤلات ؟ وهو ما كان مدعاة لحملة من الإشاعات استهدفت الرئيس ومحيطه العائلي ولم تهدأ حتى شاهده الناس جميعا يستقبل اللاعب الفرنسي الشهير ذي الأصول الجزائرية زين الدين زيدان. وهكذا يمكن القول أنه من هذا الجانب تعد السنة الأولى من العهدة الثالثة مثيرة فعلا، لكن هل كشف الفضائح والرشاوى ونهب المال العام يحسب للرئيس أم يحسب عليه ؟ كثير من المحللين يضعون ذلك في حسنات الرئيس الذي أمر بالتحقيق في فضائح الرشوة والفساد، وقد ذكرت الصحافة أن عشرات الملفات من هذا النوع قد وضعت على طاولة بوتفليقة. وهكذا عادت التسريبات الإعلامية عن تعديل حكومي مرتقب خلال الأسابيع المقبلة بهدف ضخ دم جديد في شرايين الهيئة التنفيذية. ومع ذلك لابد من الإشارة إلى أن العام الأول من العهدة الثالثة حمل بعض بوادر نجاح سياسة بوتفليقة في بعض القطاعات ، رغم أننا في الجزائر نميل نحو كشف السلبيات فقط، فالقطاع الفلاحي مثلا الذي استفاد عام 2009 من مسح للديون، كلل عام 2010 بتصدير القمح لأول مرة بعد 40 سنة، وحسب تصريحات الأمين العام للفلاحين السيد عليوي فإن هناك تباشير خير هذه السنة أيضا، ويشهد قطاع البقول والخضروات نهضة حقيقية وكذلك إنتاج الحليب، وغيره وهو ما يمكن اعتباره مؤشرا عن بداية تحقيق الأمن الغذائي. أما الساحة السياسية فقد حافظت بدورها على استقرارها ولم تشهد السنة الأولى من العهدة الثالثة أي تغيير، رغم كثرة المطالب بفتح الباب أمام العمل السياسي واعتماد أحزاب جديدة، وما يزال التحالف الرئاسي هو العنوان البارز في الخريطة الحزبية الجزائرية، رغم ظهور بعض بوادر النزعة الحزبية الضيقة بين مكوناته، خاصة بعدما تحالف الأرندي مع حزب العمال من أجل تعزيز مكانته في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، وهو ما أثار ردود فعل سلبية من قبل شركائه في التحالف خاصة الأفلان . وخلال العام الأول للعهدة الثالثة، تدهورت العلاقات بين الجزائر ومصر بسبب كرة القدم، وقد شنت الفضائيات المصرية " حربا قذرة " ضد الجزائر ورموزها وتاريخها، وهو ما جعل الوزير المنتدب للإتصال السيد عز الدين ميهوبي يعلن عن إنشاء قنوات رياضية قبل انطلاق كأس العالم بجنوب إفريقيا شهر جوان، وقبل 60 يوما من انطلاقها، لم تظهر بوادر إنشاء هذه القنوات، وبذلك يبقى القطاع السمعي البصري في الجزائر لا يستجيب لرغبات وأذواق المواطنين الجزائريين، لا على الصعيد الرياضي ولا السياسي ولا الثقافي ولا حتى على صعيد التسلية والترفيه. وخلال العام الأول من العهدة الثالثة حققت الدبلوماسية الجزائرية انتصارات أكثر بروزا، أهمها تمكن الجزائر من انتزاع قرار من مجلس الأمن الدولي " يجرّم دفع الفدية " للجماعات الإرهابية، وكان هذا شهر ديسمبر 2009 ، وتلا ذلك تراجع الولاياتالمتحدةالأمريكية عن قائمة 14 دولة التي يخضع مواطنوها لتفتيش دقيق وصارم وعن طريق أجهزة السكانير في المواني والمطارات الأمريكية، وكان ذلك شهر أفريل الجاري، بفضل حملة دبلوماسية قامت بها الجزائر. عام من العهدة الثالثة قد انقضى، ومايزال 80 بالمئة من عمرها، وحياة الدول والأمم تحديات وتطلعات ، والشعوب دائما تطالب بالمزيد ، حتى لو كان المزيد بحاجة إلى معجزات.