على أبواب الإنتخابات العامّة المقرّرة ليوم 6 ماي المقبل، خاض زعماء الأحزاب الثلاثة الكبرى مناظرة تلفزيونيّة، الأولى من نوعها في تاريخ المملكة المتّحدة. وفي انتظار ما ستسفر عنه المناظرتان المتبقيّتان ليلة يومي الخميس المقبلين على التوالي، فإنّ حزب الليبرالي الديمقراطي، الثالث في الأهميّة من حيث عدد الأصوات في البرلمان المنحلّ، قد انبلجت أمامه آمال فسيحة وأصبح خطرا يهدّد بالعصف بقاعدة هيمنة الثنائيّة الحزبيّة، بين حزبي المحافظين والعمّال، والتي طبعت النظام السياسي البريطانيّ لقرون. المناظرة التلفزيونيّة أصبحت لدى معظم الديمقراطيات التقليديّة عادة قديمة. فقد بدأتها الولايات المتّحدة سنة 1960 بتلك المجابهة التاريخيّة بين جون كيندي وريتشارد نيكسون. ومنذ السبعينات عرفت كل من فرنسا وألمانيا نفس الظاهرة. وأثناء تلك الفترة بدأ النقاش في الساحة السياسيّة البريطانيّة لخوض نفس التجربة. وفي سنة 1964 بادر هارولد ويلسن الزعيم العمّالي بتحدّي السير أليك دوغلاس هوم داعيا إيّاه للمناظرة. ولأنّ الزعيم القويّ يعتبر أنّ المناظرة هي فرصة ستفيد خصمه، فإنّه عادة ما يمتنع عن الإستجابة لدعوة غريمه الضعيف. وهذا ما حدث أيضا في العشريّة التالية عندما رفضت مارغريت تاتشر منازلة زعيم العمّال جيمس كالاغان. ومنذئذ أصبحت الدعوة ورفضها ظاهرة تصاحب كل الحملات الإنتخابيّة. وفي خضمّ السنة الماضية دعا دافيد كامرون زعيم المعارضة المحافظ الوزيرَ الأوّلَ غوردن براون لمناظرة متلفزة. وواصلت جملة من محطّات التلفزة الضغط لتحقيق تلك الغاية إلى أن قبلها هذا الأخير. ثمّ تمّ ضمّ زعيم الحزب اللّيبراليّ الدّيمقراطيّ نيك كلاغ لها. وهكذا تمّ التفاوض، طوال أسابيع عديدة بين ممثّلي الأحزاب والمؤسّسات التلفزيونيّة المختارة لبث المناظرات الثلاثة، حول أبسط التفاصيل المتعلّقة بقواعد وظروف جريان تلك المناظرات، ومحتوى الأسئلة، ودور الصحفي المشرف على إدارة المناظرة، وتموْضُع المتنافسين والجمهور. ومع اختيار ثلاث قنوات تلفزيونيّة بُرمجت المناظرة لتجري في ثلاثة مدن. وتمّ الإتّفاق على أن تتناول كلّ مناظرة مجالا محدّدا، فكان من نصيب الجولة الأولي يوم الخميس الماضي التطرّق للسياسة الداخليّة. وستكون المناظرة الثانية، بعد غد الخميس، مخصّصة للقضايا الدوليّة. أمّا الجولة الثالثة والأخيرة المبرمجة ليوم الخميس 29 أفريل فستكون منصبّة على القضايا الإقتصاديّة. ويتولّى المدعوون المشكّلين من عيّنة ممثّلة للتركيبة الديمغرافيّة لسكان المحيط الجغرافي حيث تجري المناظرة، على أن تكون نسبة 80 في المئة منهم من بين من عبّروا عن رغبتهم في الذهاب لصندوق الإقتراع أمّا البقيّة فتكون من بين المتردّدين والمؤّيدين للأحزاب الأخري. كما يحظر المناظرة أيضا أولئك الذين كان لهم حظّ اختيار أسئلتهم من طرف لجنة تتألّف خصيصا لانتقاء الأسئلة من بين ما يطرحه الجمهور الواسع بقدر امتثالها للإنشغالات الرّاهنة للرّأي العام البريطانيّ. أمّا المتناظرون فتُتاح لكلّ منهم دقيقة لتقديم وجهة نظره في بداية المناظرة قبل أن يتلقّوا جميعا نفس السؤال ليجيب عليه كلّ منهم في دقيقة. تلي ذلك دقيقة أخرى تُمنح لكلّ منهم للتّعقيب على ردود منافسيْه. وتضاف لها أربع دقائق مخصّصة للحوار الحرّ بين المتنافسين تحت إدارة الصحفي. وتنتهي المناظرة بدقيقة ونصف للتعليق العام قبل تصافح الزعماء. ولكنّ الإتّفاق على تفاصيل إجراء المناظرة قد حيّد أيّة إمكانيّة للمجادلة الثنائيّة بين المتنافسين بما في ذلك منع كلّ منهم من مقاطعة الآخر. كما أن الصحفي المكلّف بإدارة المناظرة ليس مسموحا له بمشاكسة السياسيين. أمّا الجمهور الحاظر فليس له الحقّ في التصفيق أو مقاطعة المتدخّلين، بالإضافة إلى منع المحطة المستفيدة من بث البرنامج من التعليق على المناظرة في نشراتها الإخباريّة. كما تمّ إعداد عدّة سبل متنوّعة لقياس وتقيم ردود فعل وتفاعل الجمهور مع كلّ من المتنافسين، وتحديد الفائز برضا الناخبين، ورصْد لحظات تفضيل أحدهم على الآخر وكذا مَواطن توافق المتفرّجين مع كلّ من المتنافسين. وعلى إثر كل مناظرة يلتقي ممثلو الأحزاب الثلاثة مع الصحافيين الذين بلغ عدد الأجانب منهم الذين طلبوا الحظور إلى 400 مئة صحفيّ لتولّي التعقيب على أداء المتنافسين وتأطير اتجاهات التحاليل. وهكذا لم يترك أيّ من الأحزاب المتنافسة أيّ شاردة أو واردة إلا وأعدّ لها ما تستحقّ من عدّة واستعداد. فقد مارس كلّ من الزعماء الثلاثة حصص تدريبات متواصلة يقوم فيها اثنان من مقرّبيه بتقمّص دور أحد الزعيمين الآخرين ويُمطره بالأسئلة المتوقّعة من منافسه وذلك للتدرّب على الأجوبة المتوقّعة والتحكّم في تقنيات المحاورة التي تقتضيها المناسبة، والتي تمّ استخلاصها من مشاهدات المنازلات الإنتخابيّة، خاصّة بين الزعماء الأمريكان. كما استفاد كلّ من الزعماء الثلاثة باستشارة خبراء ممّن شاركوا في حملة باراك أوباما. وهكذا تابع تلك المناظرة الأولى حولي ربع المنتخِبين، أيّ ما يقارب عشرة ملايين مشاهد، وهو من الأرقام النّادرة التّحقيق. وفي نهايتها، خرج نيك كلاغ زعيم الحزب الليبراليّ الدّيمقراطي منتصرا، حسب استطلاع للمشاهدين بالهاتف منحه الأفضليّة، بنسبة 51 في المئة مقابل 20 في المئة لدافيد كامرون زعيم حزب المحافظين و 19 في المئة لغولدن بروان زعيم حزب العمّال. أمّا الذين قرّروا الذهاب للتّصويت وشاهدوا المناظرة فقد فضّلوا زعيم الليبراليين الديمقراطيين بنسبة 35 في المئة مقابل 36 في المئة للمحافظين و24 في المئة لصالح العمّال. وهكذا، بمجرّد أن انتهت المناضرة، طغى تألّق زعيم الحزب الليبرالي الدّيمقراطيّ على كل التعليقات والتحليلات. غير أنّ نيك كلاغ، أو أيّ من أعضاء قيادة حزبه، لم يذهب بعيدا في الإفتخار بذلك الإنتصار. وقد اكتفى زعيم الحزب بالإشارة لكون أنّ اتجاهات الرأي العام مازالت تتميّز بسرعة تقلبّها، ولكنّه صرّح أنّ: "الإنتخابات تبقى فرصة ثمينة لتحقيق التغيير" ذلك: "أنّ الأمل بدأ يعود لدى عدد واسع من المواطنين بسبب انفراج الباب قليلا بشكل يتيح إمكانيّة العمل وفق أسس جديدة". ومما حقّقة كلاغ في هذه المناظرة أيضا هو تمكّنه من أن يبتعد عن غيمتي الظلال اللتين مازالتا تحومان حوله. الأولى تتبعه منذ أن فاز على الزعيم السابق المسنّ ذو الخبرة الطويلة مانزيس كامبل، والثانية بسبب بزوغ نجم فينز كابل المكلّف بالخزانة في حزبه، والخبير في الشؤون الإقتصاديّة، الذي تنبّا مبكّرا بمقدم وتبعات الأزمة المالية التي فاجأت العالم ولمع في مواجهة الأحزاب الأخرى. أمّا قيادات الحملة الإنتخابيّة لحزب العمّال فقد سعت لتقديم حصيلة المناظرة لصالح زعيم حزبهم الذي، كما يقولون، انتصر على مستوى "الجوهر". بما يعني أنّ غوردن براون قد ظهر كما كان متوقّعا منه، أيّ رجل الأرقام والتفاصيل طبقا لخصائص شخصيّتة التي يفضّله فيها أبناء الأمّة. في حين ذهب وزير عمّالي إلى التّخفيف من حدّة الهزيمة بالقول بأنّ: "عدم بروز الوزير الأوّل ليس مهمّا، لأن المناظرة ليس المقصود منها قياس الشعبيّة." أمّا قيادات المحافظين فقالوا أنّ الكثير من المصوّتين لم يتابعوا المناظرة، على الرّغم من أن قرابة عشرة ملايين مواطن واصلوا متابعتها. وذكروا أنّ الفائز في المناظرات الرئاسيّة في الولايات المتّحدة لم يكن دوما هو الفائز في الإنتخابات. وهي مبرّرات ضعيفة تنطوي على إقرار ضمنيّ بالإخفاق. أمّا الملاحظون السياسيون، ووسائل الإعلام، فقد أشادوا بنيك كلاغ الذي استفاد من الفرصة المتاحة له باستغلالها بكفاءة وحصوله على الإعتراف بأنّه الندّ لزعيمي الحزبين الذين دأبا لعهود طويلة على تصدّر السّاحة السياسيّة بمفرديهما. وتزاحمت نشرات استطلاع الرأي العام منذئذ تجسّد تقدّم الحزب الليبراليّ الدّيمقراطيّ. وقد نشرت أول أمس الصانداي ميرور وصحيفة الأنديباندانت الأسبوعيّة إحصائيات تقول بأنّه عقب المناظرة حصل حزب المحافظين على 31 في المئة من الأصوات مقابل 29 في المئة لليبراليين الديمقراطيين و27 في المئة للعمّال. وقبله كشف استطلاع آخر لصحيفة الصان الصادرة يوم السبت عن أنّ حزب العمّال احتل المرتبة الأخيرة بنسبة 28 في المئة، في حين حقّق الحزب الليبراليّ الدّيمراطيّ 31 في المئة بعد المحافظين الذين حازوا على 33 في المئة. وكان من أبرز النتائج و أكثرها دلالة ذلك الذي منح حزب الليبرليين الديمقراطيين تفوّقا ب 14 علامة من طرف مشاهدي البرنامج التلفزيونيّ. وهو أوّل استطلاع في تاريخ بريطانيا يُعطي مكان الصدارة لصالح الحزب الليبراليّ الديمقراطيّ. وتلك كانت أقلّ نتائج يحقّقها المحافظون منذ سبتمبر 2007، كما أنّها تضع الأحزاب الرئيسيّة الثلاثة في أقرب الخانات فيما بينها منذ سبتمبر 2003. غير أنّ تقارب نسبة توزيع الأصوات، لكون أن هامش الخطإ يقدّر في عمليات السبر بثلاث نقاط، لا يسمح بالفصل في من سيحضى بحيازة أكبر عدد من النوّاب المنتخبين يوم السّابع من ماي القادم. وحسب المختصّين فإنّه من المحتمل أن تكون ريادة الحزب الليبراليّ الديمقراطيّ ليست سوى نشازا سيتأكّد أنّه استثاء عابر. وهو الرأي الذي عبّر عنه الأستاذ بول وايتلي المختص في عمليّات السبر، واصفا تلك النتائج ب: "عامل المفاجأة لنيك كلاغ". وفي نفس الإتّجاه ترى قيادة أركان حزب المحافظين أنّ الوضع سيكون أكثر وضوحا بعد الجولة الثانية من المناظرة. ومن بينهم من لام زعيم حزبهم لكونه صاحب المبادرة بخوض هذه المناظرة المتلفزة، طلبها في وقت كان فيه في عزّ تفّوقه في استطلاعات الرأي العام وتحت نشوة التفرّد بالمقدّمة بفارق أكثر من عشر نقاط عن ملاحقه الأوّل. وحسب تحليل رئيس تحرير الميل أون لين، فإنّه رغم ذلك المستقبل الحالك، يبقى أمل المحافظين في أن يُعيد التاريخ نفسه قائما، كما حدث في تجارب التحالف الأربعة السابقة والتي لم تدم أكثر من سنة لتتمّ الدعوة لانتخابات جديدة. كما يبقى أمل دافيد كامرون في زعامة حزبه قائما مادام ليس هناك من يرغب في منافسته من بين أعضاء حزبه، في الوقت الذي يرى في صعود كلاغ تهديدا لزعامة غوردن بروان الذي لم تنقطع التحدّيات لزعامته من طرف بقايا أنصار الوزير الأوّل العمّالي السابق توني بلير ضمن المقرّبين في حاشيتة. وهذا ما سيُسعد بعض النوّاب العمّاليين أيضا الذين يرون في براون كّل نقطة ضعف تعيق تقدّم حزبهم. ومن بين الآثار الأخرى لنتائج المناظرة، أنّ الأمل لدى حزب العمّال في التنافس على مقدّمة الترتيب قد تعزّز بشكل كبير. فقد صرّح غوردن براون أمس الأوّل بأنّ النقاط التي أحرز عليها نيك كلاغ: "قد فتحت الباب واسعا لكلّ الإحتمالات". وهو بذلك يستبشر بتمخّض نتائج الإنتخابات عن تشكيلة برلمانيّة لن يكون لحزب ما الأغلبيّة فيها. وهي وضعيّة مرشّحة لتمنح حزب العمّال وغوردن بروان حظوظا أكبرللبقاء في السلطة. ومع ذلك فقد امتنع زعيم حزب العمّال عن أن يستبعد احتمال عقد تحالف مع الحزب الليبراليّ الدّيمقراطيّ، رغم شدّة إلحاح الصّحافيين في السؤال. أمّا حزب المحافظين فقد اعتبر أنّ تمخّض الإنتخابات عن نتائج لا يتمّ الحسم فيها بالإغلبيّة لصالح حزب معيّن سيكون كارثة على الحياة السياسيّة البريطانيّة لأنّ تلك الوضعيّة، كما قال كامرون: "ستؤدّي لوجود شُلّة من السّاسة يتبادلون المساومات بدلا من اتخاذ القرارات، ويتصارعون لتحقيق أغراضهم الخاصّة على حساب الصالح العام. كما لن يتّخذوا القرارات البعيدة المدى لصالح مستقبل البلاد ويفضّلون بدلها القرارات القصيرة الأجل لضمان مستقبلهم. وعليه، فإنّ الحلّ الصحيح هو اختيار أغلبيّة من حزب المحافظين." الحقيقة هي أن انتصار المحافظين، الذي كان حلما يدغدغهم حتى أسابيع قليلة مضت، لن يتمّ سوى بانتزاع دزينة من المقاعد التي كانت بحوزة الحزب الليبرالي الدّيمقراطيّ، الأمر الذي أصبح الآن في عداد الإحتمال البعيد بعد ما حقّقه هذا الأخير من دفعة قويّة بفضل المناظرة. ورغم أنّ تلك التوقّعات تمنح تفوّقا في نسبة التصويت لصالح كلٍّ من حزبيْ المحافظين والليراليين الديمقراطيين إلا أنّها لم تَحُل دون أن تكون حصّة حزب العمّال المتوقّعة من المقاعد في البرلمان المقبل أعلى من الإثنين كلّ على حدة. وحسب تلك الإحصائيات سيحصد العمّال 267 مقعدا مقابل 230 للمحافظين و121 لليبراليين الديمقراطيين. وتعود هذه الظاهرة إلى طبيعة نظام الإنتخابات في بريطانيا التي تمنح الفوز لمن يتقدّم القائمة حتى ولو بصوت واحد. وفي حالة التحالف بين العمّال والليبرليين الديمقراطيين فستكون لديهم أغلبيّة ب 388 مقعد في البرلمان. غير أنّ حزبا المحافظين والعمّال توحّدا في موقف واحد يتمثّل في تصميمهما على توجيه سلاح نقدهما ضدّ الليبراليين الديمقراطيين. وسيكون ذلك امتحانا حقيقيأ لصلابة عود نيك كلاغ وفرصة تاريخيّة له لبلوغ هدف حزبه في التنافس مع الكبيرين على موقع الرّيادة، إن صمد. ولا يستبعد الملاحظون أن يقع الزعيم الليبراليّ الدّيمقراطي تحت ضربات الحزبين بسبب سياسات حزبه، خاصّة، فيما يتعلّق، أولا، بالهجرة التي سيكون للمحافظين فيها قوّة استمالة العامّة، وثانيا، دعوته لاستغناء بلاده عن برنامج التسليح النوويّ الذي يتّفق حوله الحزبان الآخران. كما أن المحافظين سيشحذون أسلحة ترسانتهم الإعلاميّة والدعائيّة الضخمة لتوجيه ضرباتهم القويّة لسياسات الحزب الليبراليّ الدّيمقراطي. وأكثر التقييمات حدّة جاءت في كتابات الكاتب مايك ماركيز، الذي يرى أنّ المناظرة كانت تجسيدا لمدى هيمنة "الديمقراطيّة المدجّنة" التي غابت فيها الفروق الإيديولوجيّة بين الأحزاب وتراجعت فيها مقارعة الحجّة بالحجّة حول الإختيارات المجتمعيّة الحاسمة والعاجلة، وأصبح فيها الحديث دائرا حول العمليّة الإنتخابيّة ذاتها وليس حول أهدافها. وفي نفس هذا السياق، لاحظ الكاتب أنّ الصحافة قد تعاملت مع المناظرة كمجرّد فرجة: "جزء منها كمُنازلة بين متصارعين وجزء منها كرقصة باليه." وهكذا، كما يقول، كان تحليل المناظرة مركّزا أصلا حول الأداء وليس حول البرامج والسياسات أو غيابها. ومهما يكن من أمر، حسب ألستر كوك الصحفي المخضرم الذي حظر مناظرة كيندي – نيكسون، فإنّ أثر المحاورة التلفزيونيّة ليس له من دور سوى تعزيز القناعة المسبقة لدى كلّ فريق من فرق المتنافسين. وهي القاعدة التي يتّفق عليها علماء الإجتماع الإعلامي، والتي ستبقي أمام المحكّ حتّى نهاية الجولة الثالثة من المواجهة في الحلبة البريطانيّة. وفعلا، كان من المتوقّع أيضا أن تؤدّي هذه المناظرات للتحكّم في مسار الحملة الإنتخابيّة نفسها، بما فرضته على رجال السياسة وعلى وسائل الإعلام من مسار لترتيب برامجهم وفق مواعيد تلك المناظرات سواء بالتحظير لها أو متابعتها أو تتبّع آثارها ومعالجة تبعاتها. وهكذا أصبحت المناظرة تبتلع ثلاثة أيام من كلّ أسبوع في عمل كلّ من الزعماء الثلاثة، ممّا فرض عليهم تقليص وقتهم المخصّص للإتّصال الميدانيّ بالجماهيرأو التحاور مع الصّحافة، كما جرت العادة. كما انكبّت وسائل الإعلام على تخصيص كلّ طواقمها لمتابعة المناظرة مثلها مثل أركان الأحزاب سواء كانت مشاركة في المناظرة أولا. ويتساءل المحلّل السياسي باتريك وينتور عمّا إذا أتاحت المناظرة استخلاص العبر لتطوير التجربة سواء أثناء اللقائين المتبقيين أو لفائدة الحملات الإنتخايّة في المستقبل. المؤكّد لديه أنّ المناظرة قد تزيح شيئا من عزوف الناخبين عن صناديق الإقتراع وتفتح لديهم شهيّة الذهاب لصندوق الإقتراع يوم السادس من ماي القادم يدفعها لذلك تقارب نسبة توزيع التأييد بين الإحزاب الثلاثة المتنافسة والإعتقاد بوجود ملامح تمايز بين برامج الأحزاب الثلاثة بعد استكمال المناظرتين الباقيتين. في ظل انعكاف جمهور الناخبين المتزائد عن صناديق الإنتخاب واتساع عدم رضاهم عن أداء النخب السياسيّة والأحزاب جاءت انتخابات 2010 بهذه الصّرعة الجديدة التي استبشر بها الجميع لكون أنّ المناظرات قد تسمح بنقل المواجهة بين المتنافسين إلى بيوت الناخبين بشكل لم يحدث له مثيل من قبل. علينا أن ننتظر أسبوعين لنعرف الجواب الشافي.