تقول الأخبار الواردة من »أم الدنيا« أن الأمين العام لجامعة الدول العربية يسعى لعقد قمة عربية إفريقية، خلال شهر أكتوبر أو نوفمبر القادمين، تخصص لإيجاد حل لمسألة استغلال مياه النيل. وكانت خمس دول إفريقية وقعت اتفاقا، الأسبوع الماضي، تلغي بموجبه العمل باتفاقية 1929 التي تمنح مصر حق الانتفاع بنسبة تصل إلى 80 بالمائة من مياه النيل وكذلك الحق في الاعتراض على أي مشروع قد تقيمه الدول الإفريقية على مجرى النيل والذي من شأنه أن يعطل سريان النهر الممتد من بحيرة فيكتوريا إلى البحر المتوسط. الاتفاق الإفريقي، جاء بعد عشر سنوات من المفاوضات مع الجانب المصري قصد إعادة النظر في اتفاقية 1929، غير أن مصر رفضت دوما الاستجابة لمطالب الدول لإفريقية وذهبت إلى حد تهديدها بالتصريح بأن المساس بما يسمى »الحقوق التاريخية المكتسبة لمصر في مياه النيل« هو مساس بالأمن القومي المصري. عندما تعتبر دولة ما أن تصرفا معينا يدخل في إطار تهديد أمنها القومي فمعنى ذلك أن هذه الدولة هي مستعدة لكل الخيارات، بما في ذلك إمكانية اللجوء إلى الحرب كوسيلة لدرء الخطر، وهو ما سبق أن أشارت إليه العديد من المصادر الإعلامية في مصر، التي كشفت عن وجود وحدات عسكرية مصرية على مستوى عال من التدريب جاهزة للتدخل في أية لحظة ضد أي بلد إفريقي يعرض حصة مصر من مياه النيل للخطر. الدول الإفريقية المدركة لقدرة مصر على ضربها، إن هي تصرفت بشكل فردي، عمدت إلى إبرام اتفاقية مشتركة مما يجعل مصر تعجز عن التعرض لها مجتمعة وبالتالي تعجز عن ضمان ما تعتبره من حقوقها التاريخية الضامنة لأمنها القومي. معطيات وأدلة كثيرة تؤكد بأن تل أبيب هي من تقف وراء مسعى الدول الإفريقية لإعادة تقسيم مياه النيل وذلك بهدف تجفيف ريق مصر وتعريض أمنها القومي للخطر بجعلها تتخبط في أزمة ماء لا حل لها. مصر، المتأكدة من دور إسرائيل في العملية، عوض أن تضغط على إسرائيل، كمعاملة بالمثل، من خلال تدعيم المقاومة في فلسطين وفتح الحدود مع غزة، فأنها تواصل ممارسة سياسة النعامة وتبذل كل ما في وسعها من أجل ضمان أمن هذا الكيان العنصري. لتدارك الوضع نشطت الدبلوماسية المصرية، خلال الأيام الأخيرة، على أكثر من صعيد للضغط على الدول الإفريقية وجعلها تتراجع عن قرار إعادة تقسيم مياه النيل، غير أن هذه الأخيرة تبدو متمسكة بحقها في ممارسة سيادتها الكاملة على أرضها وعلى مصادر المياه التي تنطلق منها، وهو ما جعل الأمين العام لجامعة الدول العربية يتحرك في اتجاه عقد قمة عربية إفريقية تخصص للنظر في المسألة. الموقف المصري وكذلك موقف جامعة الدول العربية من قضية مياه النيل يثيران العديد من التساؤلات التي نتعرض لها بالتسلسل: الموقف المصري أولا، حيث يلاحظ المتتبع لهذه القضية، كيف أنها تعالج في مصر، على المستويين الرسمي والإعلامي، بكثير من الهدوء والنضج. لا شتائم ولا تهديد في حق الأفارقة ولا لوم وجه لإسرائيل التي تلعب في قضية حساسة جدا بالنسبة لمصير مصر. مع أن الأمر يتعلق فعلا بالأمن القومي المصري ومع ذلك فلا أحد تجرأ وقال كلاما غير معقول في حق الدول الموقعة على الاتفاقية، ولم يصدر أي تصريح من »المواطن« علاء ولا من أخيه الوارث المحتمل لمصر. هذا الموقف، هو مناقض تماما لموقف النظام المصري و»إعلامييه« من الجزائر على إثر انهزام الفريق المصري أمام الفريق الوطني الجزائري في مجرد مقابلة في كرة القدم. ما الذي وقع؟ هل نضجت مصر سياسيا وإعلاميا؟ هل استفادت من الأزمة التي اختلقتها مع الجزائر والتي جعلتها تخسر كثيرا وعلى كل المستويات؟ أم أنها »تتدلل« فقط على العرب وأن ما تخشاه في قضية مياه النيل ليس خوفها أو حتى احترامها للأفارقة بل هو عدم رغبتها في كشف المستور، والمستور هنا هو الدور الإسرائيلي في العملية، فإسرائيل هي من تهدد الأمن القومي المصري فعلا وليس الجزائر من خلال مقابلة لكرة القدم أو الأفارقة من خلال المطالبة بإعادة تقسيم مياه النيل. التعرض للدور الإسرائيلي في العملية يؤدي مباشرة إلى إثارة أزمة بين مصر وإسرائيل وهو ما يتجنبه النظام المصري حتى لا تكتشف الكثير من أسرار العلاقات التي تربط عائلة آل مبارك مع رموز الإدارة الإسرائيلية، إضافة إلى أن توتر العلاقات المصرية مع إسرائيل ستكون له آثار سلبية على مشروع التوريث. هذا عن الموقف المصري، أما عن موقف جامعة الدول العربية، فما يلاحظ هنا هو أنها بادرت بهمة ونشاط كبيرين، على غير عادتها، للبحث عن حل لمشكلة متعلقة بأمن دولة عربية واحدة هي مصر. خلال العقود الثلاثة الماضية، تعرضت دول ومناطق عربية لأحداث عصفت بأمنها القومي وأدت في بعض الحالات إلى احتلال )العراق والصومال( أو تفتيت )ما يتعرض له السودان( أو الاعتداء )لبنان: 2006( على دول عربية، كما يتعرض سكان غزةالفلسطينيون العرب للعطش والجوع والمرض والقتل .. دون أن تتحرك جامعة الدول العربية للبحث أو المساهمة في إيجاد مخرج لهذه الأزمات العربية رغم أن الأمين العام للجامعة العربية يؤمن بأن »كل مشكلة لها حل والمهم هو أسلوب الحل أو الإخراج، والعناصر المختلفة لكل مشكلة«، كما قال يوم أول أمس للصحافة، عقب لقاء الرئيس المصري حسني مبارك الذي يكون كلفه بالسعي لعقد القمة العربية الإفريقية. أفكار كثيرة تطرح هذه الأيام لإيجاد مخرج لأزمة المياه التي تهدد الأمن القومي المصري، ومعظم هذه الأفكار تتمحور حول مسألة تمويل الدول العربية لمشاريع اقتصادية في الدول الإفريقية المعنية بمسار نهر النيل لحملها على التراجع عن موقفها المطالب بإعادة تقسيم مياه النهر. هذا الطرح يعني بكل بساطة قيام العرب بدفع أموال للأفارقة كي تنعم مصر بالأمن المائي. الفكرة جميلة، عندما تطرح في إطار التضامن العربي مع بلد عربي يعاني من ضائقة لا بد أن تتضافر جهود كل الأشقاء لمساعدته على الخروج من الأزمة؛ غير أن الوضع يختلف بالنسبة لمصر، في الظروف الحالية بالذات، حيث لم يرحم النظام المصري أطفال غزة العرب ولم يسمح حتى بمرور مساعدات إنسانية )حليب ودواء( موجهة إليهم. نفس النظام، أقام حاجزا فولاذيا حتى لا تمر المواد الغذائية إلى أهلنا العرب في غزة، كما شتم كل الشعب العربي في الجزائر واعتبر شهداءه مجرد لقطاء... هل بعد كل هذا، يبقى هناك أي مجال للحديث عن تضامن عربي مع مصر؟ التضامن العربي كان زمان؛ أيام كانت مصر في قلب الأمة العربية، يومها، كان كل »الغلابة« من أبناء العالم العربي يخرجون في مظاهرات للضغط على حكوماتهم كي ترسل المساعدات العسكرية والمالية إلى مصر. في ذلك الوقت، كانت العبارة التي يرددها أبناء الأمة العربية هي: لا عرب بدون مصر، ولا مصر بدون العرب. هكذا كانت علاقة أبناء الأمة العربية بأرض الكنانة، أما اليوم فالوضع تغير كثيرا، وفي غفلة من النظام المصري، الذي اعتقد بأن علاقاته الحميمية بكل من إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية كافية لأن تحميه وتجعل منه القائد والمعبر عن إرادة الأمة العربية.