حذّرالمكلفون بقضايا الطفولة على مستوى مصالح الأمن أولياء التلاميذ خاصة أولئك الذين اجتازوا الامتحانات المصيرية من إنتهاج أسلوب الوعيد والتهديد مع الأبناء ، وممارسة ضغوطات نفسية عليهم خلال هذه الفترة من ترقب النتائج ، تفاديا لتسجيل مآسي حقيقية تتكرر تفاصيلها كل نهاية سنة دراسية بسبب الرسوب المدرسي تتعلق بالانتحار والهروب من المنزل العائلي واختلاق سيناريو الاختطاف هروبا من عقاب الأهل. ما من فرحة في الدنيا تضاهي فرحة الأهل بنجاح أولادهم في امتحاناتهم سواء المصيرية أو السنوية العادية وفي المقابل، يسود الوجوم والحزن على الوجوه، عندما يعود الطالب إلى منزله حاملاً بين يديه نتائج امتحانات مخيّبة ، وقد يقررعدم العودة إلى المنزل أصلا تفاديا لرد فعل أحد الوالدين أو كلاهما . ولعل أصعب المواقف و أكثر الصور المأساوية التي تحفر في ذاكرة أي تلميذ، هو منظره وهو يتقدم من والده كسير الفؤاد وهو يسلمه كشف النقاط أو الدفتر المدرسي يطلب منه التوقيع على علاماته المدرسية عندما يكون راسباً، فتبدأ مرحلة العذاب تمهيداً بتعنيف الوالد، مروراً بقصاص الأم، وصولاً إلى استهزاء الأخوة والأخوات وحتى الأقربون والجيران ، وحين توصد أبواب "الرحمة " في وجه الطفل لايجد أمامه سوى الهروب من تلك الضغوطات التي تكاد تخنق أنفاسه وتشعره ب" الاغتراب " من المنزل العائلي ، أو اللجوء الى الانتحار حين يبلغ به اليأس مبلغه وذلك ماتؤكده تقارير مصالح الأمن والتي جاء فيها أن أغلب حالات الانتحار في أوساط الأطفال والقصر قد سجلت في نهاية الفصول الدراسية أو العام الدراسي أي بعد ظهور النتائج المدرسية، وكذلك الأمر بالنسبة لظاهرة هروب الأطفال من المنزل العائلي واختلاق سيناريوهات التعرض للاختطاف قصد الإفلات من عقاب الأهل ، هذه الحصيلة المرشحة للإرتفاع مع ظهور نتائج الامتحانات المصيرية ، وكذا نهاية السنة الجامعية . ويزداد الأمر تعقيدا حين يتعلق الأمر بالأبناء الذين اجتازوا الامتحانات المصيرية وتحديدا امتحاني شهادة التعليم الابتدائي والبكالوريا، وحتى أولئك الذين يزاولون دراساتهم الجامعية هكذا يبدأ مسلسل معاناة الراسب مع المحيطين به رغم أن للأهل نصيبهم في تلك النتائج السلبية المتحصل عليها، فلا العقل ولا المنطق يستثنيهم من مسؤوليتهم في ذلك . وما قد يخفى على الكثيرين أنّ أمر الرسوب له أسباب وجذور وقد تكون الأسرة مسؤولة عنه ومن هنا، على الأهل أن يعمدوا مع ولدهم إلى تقصي سبب الرسوب بدل الإسراع إلى التعنيف والتأديب، وغيرها من وسائل القصاص التي قد تضحى من العوامل التي تسهم في تفاقم المشكلة بدلاً من حلها، وتؤدي إلى ضعف شخصية الطفل وعدم ثقته بالنفس والاعتماد على الذات للنهوض من الكبوة وتحقيق النجاح المرجو، فرب طالب كان مظلوماً في رسوبه لأن عوامل خارجية وداخلية ضاغطة تظافرت وساهمت في هذا الرسوب. الرسوب المدرسي هو عنوان طلاق الوالدين التفكك الأسري وما أدراك ما التفكك الأسري ظاهرة يحذر منها العديد من المختصين يدفع ثمنها مئات الأطفال ممن عايشوا وقائع أكبر من سنهم بدءا من معاناتهم مع انفصال أولياء كان من المفروض أن يوفروا لهم جوا أسريا مريحا ، لتكون النتائج وخيمة من بينها الرسوب المدرسي ناهيك عن الآلام النفسية التي تتخبط تحت ثقلها البراءة ، شهادة حية خطها طفل في سن ال 13 من عمره يدرس بإكمالية بن عواج ببن عكنون، كان دائما متفوق في دراسته لكن بسبب طلاق والديه وتعنتهما الذي بدا جليا في تصرفاتهما بعد صدور حكم الطلاق، حول هذا الطفل إلى طفل آخر يختلف تماما عن الأول، ولما حاولت إحدى أساتذته بالتنسيق مع خالة الطفل على فهم أسباب هذا التغيير الجذري في سلوك وطباع ومستوى التحصيل الدراسي سعيا منهما لإنقاذه من براثن الضياع، فكانت الانطلاقة من هذه العبارات المؤثرة التي كتبها هذا التلميذ اليائس في كراس مادة اللغة الانجليزية .. لعل أكثر الناس قدرة على تشريح واقع هذه الشريحة من الأطفال الراسبين نجد فئة العاملين في قطاع التربية وتحديدا المعلمين والأساتذة في مختلف الأطوار التعليمية حيث أكدت لنا راضية.ز أستاذة مادة الرياضيات بثانوية المقراني ببن عكنون أنه غالبا ما يعاني أطفال الطلاق من مشاكل نفسية تؤثر سلبا في تحصيلهم الدراسي، "وصدقوني إن قلت لكم أن خلال مشواري في مهنة التعليم التي تمتد تجربتي فيها إلى 23 سنة أستطيع أن أفرق بين التلميذ الذي يعيش في استقرار عائلي ، وبين التلميذ الذي يعاني من أثار التفكك الأسري، وحتى بين ضحية اليتم نتيجة وفاة أحد الوالدين وبين ضحية الطلاق، ليس فقط من جانب النتائج الدراسية بل حتى في طبيعة تصرفات كل واحد، وعموما قلما تجد أطفال أو شباب شقوا طريقهم التعليمي بسلام، وهم "ثمرة طلاق". الأولياء آخر من يعلم .. هذا الرأي تشاركها فيه " فضيلة س" وهي أستاذة مادة اللغة العربية بنفس المؤسسة التربوية حيث تقول:" الأهل آخر من يدركون حقيقة الأبناء، فالأطفال يتأثرون بشدة عندما يتكرر الخلاف بين الأبوين ولا يتم حله بسرعة أو ينتهي بخروج أحدهما من المنزل غاضبا، ذلك ما يؤثر سلبا على نفسية الطفل ويظهر جليا على سلوكا ته، فما بالك بالآثار عندما ينتهي الخلاف بين الطرفين بحدوث الشق العائلي. فما من شك تضيف محدثتنا أن الأطفال الذين يواجهون خلافات أسرية حادة في وسطهم العائلي يعانون من مشاكل في إقامة علاقات مع الآخرين وفي إحراز تقدم في الدراسة. "فازية جندل" معلمة في الطور الابتدائي تحضر رسالة الماجستير تخصص علم النفس التربوي حول موضوع "أبناء الطلاق" تقول أنها سجلت شهادات حية لأطفال ضحايا الطلاق تتراوح أعمارهم ما بين 8 سنوات و15 سنة، جعلتها تتوصل إلى نتيجة تحذر فيها الأولياء من مغبة الشك في قدرات الطفل على التمييز بين الأشياء ومتابعة بدقة كل ما يحدث حتى أن الأطفال يمكن أن يعانوا نتيجة وجود خلاف خفي بين الوالدين، حتى وإن لم يكن الخصام واضحا ولكن عدم تبادل الأحاديث بينهما وعدم إظهار الود قد يؤثر بدرجة كبيرة في الأطفال، تصوروا كيف سيكون الأمر حين يحدث الطلاق؟ وفي هذا الإطار أطلعتنا محدثتنا التي التقينا بها بالمكتبة الوطنية على اعترافات عينة من الأطفال من ضحايا الطلاق من بينهم الطفلة سولاف وعمرها 12 سنة التي قالت أن الدراسة آخر اهتماماتها بعد أن حدث الطلاق بين والديها، "كنت أسمع دائما أمي تبكي بحرقة، وتلوم أبي على خيانته لها حيث تعرف على امرأة أخرى، إلى أن حدث الطلاق ، اليوم وقد مرت سنة كاملة على طلاقهما ولا زالت ألوم أمي على طلبها الطلاق حتى أنني كثيرا ما أقول لها لماذا تركت امرأة مثلك تسرق منك أبي. وحيدة طفلة أخرى شملتها عينة تلك الدراسة تبلغ من العمر 13 سنة تقول أنها حاولت مرارا أن تفهم سبب طلاق والديه الذي أخفته عنها والدتها لمدة ثلاثة أشهر كاملة "حيث سافر والدي مباشرة بعد صدور حكم الطلاق ، أعاني من عدة مشاكل خاصة في الدراسة ، أشعر دائما أنني مختلفة عن بقية زملائي وزميلاتي وحتى أبناء الجيران والأقارب، كل الأطفال لديهم والدا إلا أنا " رمزي هو الآخر طفل من أبوين مطلقين، في ال 15 سنة من عمره والذي يقول أشعر أنني مجرد زائر ينتقل بين الأم والأب ليس له مكان محددا أو بيت يخصه فهناك أسره جديدة وهنا أسرة جديدة وهو دائما ضيف عليها، وكثيرا ما أشبه نفسي يقول هذا الطفل بمجرد "حصالة نقود" فأبي يمنحني النقود ووالدتي تمنحني أيضا " المصروف ما يخصنيش " ولكن لا شيء غير الدراهم. ولا يختلف اثنان على حقيقة الآثارالسلبية لانكسار الأسرة بالانفصال أو الطلاق على التحصيل المدرسي للأبناء وعلاقاتهم مع بقية أقرانهم، لكن الخطورة لا تتوقف عند حد تغيير طبع الطفل وسلوكاته، وضعف تحصيلها الدراسي أو حتى تركه نهائيا لمقاعد الدراسة، لأن الواقع يؤكد أن ابتعاد الطفل عن المدرسة هو بداية مسلسل الضياع أو هو أول الخيط في حكاية اقتحام الطفل لعالم الآفات الاجتماعية وربما دخوله إلى عالم الإنحراف.