تراجع القس الأمريكي عن حرق القرآن الكريم بمناسبة ذكرى 11 سبتمبر 2001، بعد أن نجح في إثارة الرأي العام العالمي وعلى رأسه العالم الإسلامي، حيث هب بنفس الطريقة التي فعلها مع الرسوم الدانماركية المسيئة لرسول صلى الله عليه وسلم: التنديد والاحتجاج وغيرها من الأشياء والسلوكات. وتراجع القس الأمريكي جاء على خلفية التحرك الأمريكي من الرئيس الأمريكي باراك أوباما مرورا بوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون فضلا عن شريحة من المجتمع الأمريكي. والتحرك الأمريكي جاء موحدا: »إن حرق القرآن الكريم مضرا بصورة أمريكا، ومضرا بمصالحها في الخارج«، وذهب الرئيس الأمريكي في محاججته إلى التمييز بين الإسلام والإرهاب وقوله: »إن القاعدة هي عدوة أمريكا وليس الإسلام«. وهكذا تحت تأثير »مصلحة أمريكا« تراجع القس الأمريكي عن حرق القرآن الكريم. ماذا يقول العالم اليوم؟ أمريكا دولة ديمقراطية تحاورت بخصوص قرار قس أمريكا حول قضية معينة، وانتصر الحوار على التطرف. وتم تسويق صورة »أمريكا غير المتطرفة«، حيث وقفت رسميا ضد قس أمريكي متطرف، رغم كل ما حدث في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين. حتى يخيّل أحيانا أن ما أقدم عليه القس الأمريكي لم يتعد كونه »مسرحية« أعدت بإحكام، حتى تمكّن )بضم التاء( أمريكا الرسمية ممثلة في أوباما بتحقيق انتصار كبير والظهور بمظهر »الدولة المعتدلة والديمقراطية ، التي لا تعادي الإسلام كدين رغم خلافاتها مع المسلمين«. انتصرت أمريكا بقسها ورئيسها .. بينما بقينا نحن نحصي الهزائم تلو الهزائم. فرغم أن حرق المصحف الكريم كان لا يغيّر من حقيقة أمريكا في شيئ، مثلما لا يغير تراجع القسس الأمريكي عن حرقه من حقيقتها شيء. لأن حرق القرآن الكريم كان يكون حلقة أخرى في حلقة الحرب الصليبية الأمريكية المعلنة منذ 2001، باستهداف الرمز، لأن الحرق لا يمحو القرآن من صدور المؤمنين ولا يوقف مطابع المسلمين عن إنتاج ملايين المصاحف. المشكلة أننا نواجه كل ما يستهدف رموزنا في الغرب من الخمار والجلباب والنقاب بعاطفة جامحة، وهي رموز دينية، لكننا لم نحقق انتصارات كتلك التي حققها القس الأمريكي بمنع التطرف في ديارنا، تجاه العديد من الرموز، مثل هدم مسجد أغريب وهو رمز يرمز لبيت الله مثلما يرمز المصحف لكلام الله..وفشلنا في التعامل مع قضايا عديدة أخرى ترمز للتطرف من السياسة إلى تدنيس المصحف الشريف في بيوت الله في العديد من المساجد.