انزعجتُ كثيرا مثلما انزعج كثيرون لذاك الإمام الذي خطب في منبر الجمعة الماضية من أحد مساجد تلمسان محذّرا من الشيعة الأعداء واتهمهم بالضلال والفسوق، وأنهم يخربون أي بلد يكونون فيه ويحاربون أهل السُنّة والجماعة، وضرب هذا الشيخ مثلا بالحوثيين في اليمن. لم أفهم سرّ هذا الإمام الذي حشر أنفه في موضوع لا يفقه فيه شيئا ولا يملك معطياته كما هي الآن في ساحة الصراع المفتعل الذي تثيره المخابر الأجنبية لضرب استقرار الأمة الإسلامية ووحدة المسلمين. ولم أفهم سكوت الوزارة الوصية وهي التي ظلّت تؤكد تأطيرها الكامل للمساجد عبر الوطن ولا تنفك تدافع عن المرجعية الدينية للبلد وأهله..! هل انتهت مشاكل المسلمين الاجتماعية والاقتصادية والحضارية حتى يقفز هذا الإمام إلى موضوع ملغّم يشكّل قنبلة تاريخية موقوتة ستنفجر لا محالة في وجوه العامة الذين يستمعون لخطب دينية لا علاقة لها بواقعهم المعيشي ولا تهديهم سبل الرشاد ولا تعينهم على مواجهة تخلفهم المزمن. ومن أسوأ ما يحدث تلك المتاجرة الإعلامية الرخيصة بإثارة موضوعات كانت محل خلافات سياسية بين المسلمين في القرن الأول ويراد لها أن تكون اليوم محل خلافات دينية بين المسلمين والإمعان في انقسامهم الطائفي وإثارة النعرات بين الشيعة والسُنّة. يحدث هذا في كثير من الفضائيات الطائفية وحتى الفضائيات التي تدعي أنها مستقلة وتلحق بها بعض الصحف دفاعا عن عائشة أم المؤمنين..! من المكابرة إنكار الأخطار الحقيقية التي افتح عليها الوطن العربي والعالم الإسلامي عموما بفعل النزعات والتصدعات الطائفية الصاعدة، ويبدو أن الأسوأ ليس فقط مليون ضحية عراقي بعد احتلال العراق في 2003 بل هذه الطائفية التي اشتعلت حرائقها الآن. أليس مهما جدا اليوم الإسراع في تجريم هذه النزعة ومن يثيرها ويرددها ويروج لها قبل تحريمها، إذ لا بد من إصدار قرارات حازمة منظمة للشأن الديني وعدم السماح لمروجي الفتنة باعتلاء المنابر، واستردادها منهم، سواء في الجزائر أو مصر أو البحرين أو الكويت أو أي بلد آخر.. ليس هناك أسوأ من السجالات الطائفية ونزعات الكراهية المذهبية والدينية مما يقرّب حياة الناس من شفير الهاوية ومسالك العنف ودروب الانقسام. وهو ما تشهده مصر من آن لآخر في شكل سجالات وحوادث طائفية، تلتحف بدوائر العنف العملي والرمزي الفج بين بعض رجال الدين أو دعاة فقه وفكر الغلبة بين الطوائف. هو التجريم قبل التحريم لأن الخطر الاجتماعي للطائفية أهم وأكبر من خطرها السياسي، ونيران الطائفية الاجتماعية المعاصرة تتقد من وقود لا ينتهي سيله من الفضائيات الدينية، التي تسكن تاريخ الفتنة وحاضرها، وتزكي سجالاتها الملتهبة والعشوائية دائما بتعبير هاني نسيرة في »الحياة «اللندنية، وما على هذا الإمام المغمور في جامع تلمسان إلاّ أن يصمت و يخوض في مواضيع نواقض الوضوء وآداب الزفاف وعذاب القبر..! في سبيل التخويف من التشيّع السياسي يتم التخويف من التشيع المذهبي وأما وحدة الأمة فإلى الجحيم..!