دعا المؤرخ محمد القورصو إلى مراجعة البرامج التعليمية التي تناولت حياة المجاهد فرحات عباس، وقال إن ذلك يقع على عاتق المؤرخين والجامعة »التي تخلت عن سلطة المعرفة« مشيرا إلى أنه بحث في تقارير الشرطة الفرنسية فلم يجد أن فرحات عباس قد تجنس بالفرنسية، وأنه لم يطلب ذلك«، ونفى وجود خلاف بينه وبين جمعية العلماء المسلمين آنذاك. تطرق الباحث محمد القورصو في الندوة التاريخية التي نظمت أمس، بمقر جريدة المجاهد من تنظيم جمعية مشعل الشهيد، إحياء للذكرى ال 25 لوفاة أول رئيس للمجلس الوطني التأسيسي فرحات عباس، إلى حياة الرجل ومراحل عدة في مساره النضالي. وفي هذا السياق قال الدكتور »يمكننا التطرق إلى البناء التاريخي في الجزائر، انطلاقا من مسيرة المرحوم فرحات عباس، وبداية بالتحاقه بالوفاق الوطني سنة 1933 وثم حركة المساواة سنة 1944 وبعدها الجمهورية الجزائرية في سنة 1947«، مشيرا إلى أن خط النضال عند الرجل كان يأخذ منحا تصاعديا ولم يعرف التراجع. وخلال حديثه أوضح الأستاذ القورصو أن هناك محطة تاريخية أثرت في فكر الرجل ومواقفه من القضية الجزائرية، تمثلت في رد البشير الإبراهيمي على مقال فرحات عباس »فرنسا أنا« الصادر سنة 1936، وتساءل المتحدث إن كان هناك قطيعة بين فرحات عباس وعبد الحميد بن باديس على خلفية الرد الذي أصدره هذا الأخير بخصوص المقال الذي كتبه فرحات عباس، مشيرا إلى أن »الرد كان قويا وتهجميا كان من المفروض أن تنتج عنه قطيعة ولا أدري إن حدث ذلك أم لا«. وركز القورصو كثيرا على مقال فرحات عباس الموسوم ب» فرنسا أنا«، حيث اعتبر أن »صناعة التاريخ تواصلت انطلاقا من هذه المقالة« كما تحولت هذه المقولة »إلى سلطة وإلى منهج«، نافيا أن يكون فرحات عباس تجنس بالفرنسية، وقال »إنه بحث في بطاقة الشرطة الفرنسية إن كان فرحات عباس طلب الجنسية الفرنسية فوجد أنه لم يطلب ذلك، وهل هو متجنس بالفرنسية فوجد أنه لم يتجنس بها«. كما تطرق إلى العلاقة التي كانت بين الرجل وجمعية العلماء المسلمين منوها أن هناك »تقارير الشرطة الفرنسية تؤكد أن فرحات عباس كان يزور تلمسان باستمرار وهي تعتبر آن ذلك عاصمة الإصلاح في الغرب الجزائري وكان على صلة دائمة مع رئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الحميد بن باديس« كما أن »السيارة التي كان يقلها الشيخ الإبراهيمي كانت هدية من فرحات عباس« حسب رواية نقلها عن أحد المقربين من الرجل. وعلى هذا الأساس دعا الدكتور القورصو إلى فهم مواقف ومقالات الرجل في سياقها التاريخي، إذ لا يمكن حسبه »فهم التوظيف التاريخي لمقولة فرحات عباس دون الرجوع إلى السياق التاريخي والأحداث والتطورات التي رافقت كتابة تلك المقالة«، متحدثا عن »دور القوى المهيمنة في جبهة التحرير الوطني من سنة 1954 إلى غاية 1962 والتي كان لها الأثر البالغ في بناء الدولة الجزائرية«. وأضاف القورصو في هذا الشأن »إن الخطاب التاريخي السائد هو الذي يتحكم في صناعة التاريخ سواء بشكل مباشر من خلال إخفاء الأرشيف أو بشكل غير مباشر، وهذا يتنافى مع الصناعة الموضوعية للتاريخ، والعائق، كما قال، يقع على عاتق الأستاذ والطالب والجامعة التي تخلت عن سلطة المعرفة«.