تبنت الحكومة لأول مرة التصدي للمنابع الفكرية والإيديولوجية للتطرف الديني، وما جاء على لسان الوزير الأول أحمد أويحيى قد يعتبر خطوة كبيرة في اتجاه تنويع أساليب حل قضية الإرهاب وعدم الاكتفاء فقط بالوصفة الأمنية والاجتماعية رغم أهميتهما، خاصة لما تحدث عن مواجهة الفتاوى الوافدة، والتصدي لأي محاولة لتحويل مهمة المسجد عن وجهتها الصحيحة في توحيد صفوف المسلمين. هذا الطرح أكد عليه أيضا وزير الشؤون الدينية والأوقاف بوعبد الله غلام الله لما أكد بأن المرجعية الدينية الوطنية قد أصبحت في منأى من التيارات الوافدة، والمقصود بالدرجة الأولى التيار السلفي – الوهابي، الذي يعتبر عند البعض حاضنة التطرف الديني أو ما يسمى ب »الإسلام الجهادي« أو »الحركي« الذي يؤمن بالخيار المسلح لتغيير الأنظمة من الداخل. لم يكن بوسع الدولة في الماضي، اقتحام كل الجبهات مرة واحدة، فالتصدي للمنابع الفكرية للإرهاب والتطرف الديني، تطلب أخذ المزيد من الوقت مخافة من مواجهة بعض الجماعات التي قد تضخم صفوف الإرهابيين، اعتقادا من البعض بأن المستهدف هو الإسلام. فالجماعات السلفية المتداخلة مع الوهابية كانت ولا تزال تشكل قاعدة فكرية وأيديولوجية تتغذّى منها الجماعات المتطرفة، والتساهل مع هذه الجماعات خاصة مع ما يسمى ب»السلفية العلمية« مردّه إلى أمرين أساسيين. فالسلفية العلمية هو تيار يرفض العنف في شكله على الأقل، ويتبنى خطابا يحرم الخروج على الحاكم، ويعارض بذلك فتاوى تكفير الحكام التي تعتمد عليها السلفية الجهادية لتجنيد عناصرها وتبرير النشاط الإرهابي ضد المسلمين حكاما ومحكومين، ثم إن استقبال العديد من الدعاة ومن مختلف المراجع الدينية من العالمين العربي والإسلامي أدى إلى تطوير خطاب دعوي حاصر الفكر المتطرف وفتح الباب أمام مراجعات ولو فردية داخل تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي. ولأول مرة ربما نلاحظ اندماج العلماء ومن مختلف الدول في مجهود رفض ما يقوم به الإرهابيون في الجزائر، وزالت بذلك التحفظات التي كانت قائمة في السابق. ومن جهة أخرى نلاحظ أيضا تلك المجهودات الجبارة التي تبذل بشكل متواصل لاستعادة الفضاء الديني من الإرهابيين من خلال تبني الدولة للدعوة و»الدروس المحمدية« التي تابعها الجزائريون طيلة شهر رمضان هي أحسن دليل على ذلك، فضلا عن تأطير المساجد والأئمة وإعطاء أهمية قصوى لحفظ القران ولدور الزوايا ...الخ. ومؤخرا فقط صرح الخبير السابق في مجال مكافحة الإرهاب بمديرية حماية الإقليم في المخابرات الفرنسية، ال »دي أس تي«، لويس كابريولي، بأن المكافحة العسكرية والاستخباراتية والسياسية أفشلت الإرهاب في الجزائر.