الجزائر خرجت بمفردها دون مساعدة أجنبية من دوامة الإرهاب أحداث 11 سبتمبر أفرغت المنطقة العربية من كافة أشكال المقاومة ترى الجزائر أن هناك من يستخدم مصطلح الإرهاب لضرب الإسلام، وهناك من يستخدمه لضرب استقرار البلدان، وطالبت في العديد من المناسبات على لسان الرئيس بوتفليقة بإيجاد تعريف محدد ودقيق ومضبوط للإرهاب، خاصة وانه أصبح ظاهرة عالمية، وليس هناك أي دولة في منأى عنه، وبالمقابل يبرز على الساحة العالمية موقف الولاياتالمتحدة الرافض لوضعه، فما مدى أهمية إيجاد تعريف جامع وشامل في محاربة الظاهرة، وما أسباب الرفض الأمريكي، وما هي دوافعها في ذلك؟ - المطالبة بضرورة تحديد مفهوم للإرهاب بدأ منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، فقد كانت هناك نشاطات حثيثة للكثير من الدول والمنظمات، سواء في أروقة منظمة الأممالمتحدة أو خلال انعقاد المؤتمرات الدولية، للمطالبة بتحديد مفهوم الإرهاب، لكن هذا المسعى وُوجه دائما برفض قاطع من الولاياتالمتحدةالأمريكية، بالعودة لسؤالكم، نقول أن تحديد المفهوم له أهمية كبيرة بالنسبة للمسلمين وكذلك لكل الشعوب التي تحارب من أجل حريتها وتلك التي تناضل من أجل سيادتها الكاملة. الإرهاب، في نظرنا هو استعمال العنف ضد كل من يختلف معك في الدين أو العرق أو اللغة أو التفكير، باختصار، هو إلغاء حق الآخر، الذي يختلف معك، في التعبير عن رأيه وفي أن يحيا ويعيش وفق أفكاره ومعتقداته والذي لا يستعمل هذه الحرية للإضرار بحقوق الآخرين وأفكارهم ومعتقداتهم، أما على المستوى الدولي، فالإرهاب هو سيطرة دولة، باستعمال القوة أو التهديد أو الترعيب والتخويف وكل أنواع المساومات، على شعب معين أو استغلال ثرواته أو التأثير على حرية اتخاذ القرارات لدولة أخرى. عندما ننظر إلى هذا التعريف، الذي يعد شاملا للإرهاب، نلاحظ أنه يتناقض تماما وما تريده الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها، كما أنه لا يتماشى و''نشاطات'' السياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية. لفهم الموقف الأمريكي من الإرهاب، لابد أن ندرك جيدا، خاصة نحن الذين ننتمي للعالم العربي، بأن كل ما يقال عن الديمقراطية وحرية التعبير والحق في الاختلاف، إلى غير ما هنالك من الشعارات الجميلة، فان الدول الغربية تطبقها على مستواها الداخلي فقط، أما على المستوى الدولي فلا وجود لأي مجال لتطبيق مثل هذه الشعارات. لا وجود للأخلاق السامية على مستوى العلاقات الدولية، وغبي هو كل قائد يعتقد بأن الدول الكبرى تولي أهمية للحرية ولحقوق الإنسان وما شابه ذلك. الدليل على ما أقول هو نوعية العلاقات التي تربط بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والكثير من الدول الغربية بدول عربية لا يتوفر فيها حتى الحد الأدنى من حقوق الإنسان، بل أن الدول الكبرى مستعدة دوما حتى لخوض الحروب دفاعا عن هذه الأنظمة العربية التي تضمن لها المدد من البترول وتسمح لها بإقامة القواعد العسكرية على أراضيها. الوضعية على المستوى الدولي هي إذن أشبه بكثير من الغابة حيث القوي يستولي على حقوق الضعيف أو الغبي، في وضع كهذا، فانه من الواضح جدا أن أي تحديد لمفهوم الإرهاب لا يخدم الولاياتالمتحدة والكثير من الدول الغربية التي هي على شاكلتها، وذلك للاعتبارات التالية: أولا، الدولة العظمى في عالم اليوم هي التي توزع صكوك الغفران على رؤساء العالم، فمن لا ترضى عليه يتحول إلى إرهابي ابن إرهابي، ورضا أمريكا يقاس بمدى التفاني في خدمة مصالحها. ثانيا، نذكر أنه منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، ومع بداية سقوط الكتلة الشرقية، بدأت تظهر العديد من الكتب التي تتحدث عن هذا الدين الإسلامي الوحيد الذي يتقدم L unique religion qui progresse، ونذكر أن دراسات عديدة أنجزت في الغرب تحدثت عن نوعية الشخصيات الفكرية والعلمية التي تركت الديانة المسيحية أو الشيوعية واعتنقت الإسلام لأنها اكتشفت أنه الدين الأقرب إلى العقل والمنطق. أظن أنه في هذا الإطار يمكن فهم ظهور ''موجة'' الإرهاب التي ضربت المنطقة العربية، ويمكن أيضا تفسير الكثير من الظواهر الشاذة التي عمل الكثير من المسلمين، عن جهل، على إلصاقها بالإسلام. كما أعتقد أنه من هنا بدأ التخطيط لتوقيف ''المد'' الإسلامي بإظهار هذا الدين في صورة التطرف العنيف المتخلف المعادي للمرأة الرافض لكل أنواع التطور والاختلاف والمناهض أساسا للغرب. لعل البعض يرى في هذا الكلام أنه مجرد إحساس بمؤامرة غير موجودة أصلا، وانه لا دليل لدينا على ما نقول لذلك لابد من الاستدلال على ما نقول بالوثائق والأدلة، ولعل أهم ما يذكر في هذا المجال هو كتاب ''صراع الحضارات'' لصاحبه صامويل هينتنغتون الذي يعتبر من أبرز المنظرين للسياسة الخارجية الأمريكية والذي يؤكد في كتابه على أن الصراعات هي دينية بالأساس. كما يجب التذكير بالخطاب الإعلامي الذي ما انفكت وسائل الاتصال الغربية تكرره وتغرسه في الأذهان حول ''الإرهاب الإسلامي''. وتوجد العديد من الدراسات الجامعية التي أنجزت بالجامعات الغربية والتي تؤكد ما جاء هنا. ثالثا، الولاياتالمتحدة تستعمل حجة الإرهاب أو رعايته لضرب، أو فرض حصار، على ما تسميه بالدول المارقة، وهي الدول التي ترفض أو تحاول مواجهة الهيمنة الأمريكية. لقد استعمل هذا المفهوم لضرب العراق وتدميره وإدخاله في دوامة عنف، ولو نطبق المفهوم الصحيح للإرهاب فأننا سنجد، في حالة العراق على الأقل، بأن حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية هي من تمارس الإرهاب في هذا البلد العربي. العراق كان من الدول العربية الأكثر أمنا واستقرارا، ونظام صدام حسين لم يكن أقل احتراما لحقوق الإنسان من الأنظمة التي تحكم الدول المجاورة له ومع ذلك أرتكبت الولاياتالمتحدةالأمريكية جريمة ضد الإنسانية في هذا البلد الذي رفض الانصياع للإرادة الأمريكية. العراق لم يعد يتمتع بالأمن والاستقرار كما في السابق، أليس هذا إرهاب دولة ضد شعب كامل وضد حضارة عمرها آلاف السنين؟. رابعا، أي تحديد لمفهوم الإرهاب سيضع إسرائيل ضمن الدول الممارسة عملا وقولا لهذا النوع من العنف المقيت، إرهاب إسرائيل الذي يقضي على مئات الأطفال الفلسطينيين، يسمى في المفهوم الأمريكي دفاعا عن النفس، ومجرد تسلح حزب الله اللبناني للدفاع عن أرضه المستهدفة منذ نصف قرن من طرف إسرائيل يسمى ''إرهابا'' ويوضع حزب الله، بمباركة من بعض الأنظمة العربية فاقدة لحرية القرار، ضمن التنظيمات الإرهابية في العالم، إذن، لهذه الأسباب وغيرها ترفض الولاياتالمتحدةالأمريكية وضع وتحديد مفهوم الإرهاب، فهي المستفيدة الأولى منه. عانت الجزائر لسنوات من ظاهرة الإرهاب التي كلفتها ملايير الدولارات التي كان من المفروض أن تساهم في دفع عجلة التنمية، وعانت أيضا من عزلة شبه تامة ومن حصار غير معلن، زيادة عن العدد الكبير من الضحايا، ووسط كل هذا شكّلت العواصمالغربية القاعدة الخلفية للحركات الإرهابية، قبل أن تتحول هذه الظاهرة إلى انشغال عالمي بعد أحداث 11 سبتمبر، فهل في هذا السباق يمكن القول أن سيرورة الأحداث والتطورات التي حصلت، أنصفت الجزائر التي كانت تقف بمفردها في مواجهة آلة الموت والدمار؟ - لا أعتقد أن الذي وقع بعد 11 سبتمبر أنصف الجزائر. الدول الغربية كانت تعلم وتدرك منذ بداية الإرهاب في الجزائر حقيقة الوضع في بلدنا لكنها كانت تريد للإرهاب أن يستمر ويطول وذلك لأسباب عديدة منها أن الغربيين مولعين بما يسمى ''النموذج '' Le modèle، فقد ذكرنا أعلاه بأن الإسلام كان الديانة الوحيدة التي تتقدم، إذن كان عليهم أن يجدوا النموذج الرديء والمنفر لإبعاد الناس عن هذا الدين من جهة، ولجعل الغربيين يرتبطون أكثر بنموذجهم الحضاري من جهة أخرى. النموذج وجدوه من خلال تصرفات رعناء من طرف بعض المسلمين الذين لا يتوفرون على مستوى يؤهلهم لفهم الدين أو التعمق فيه. من خلال فتاوى صادرة من عواصم عربية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالولاياتالمتحدةالأمريكية أعلن بعض المتطرفين وغير الفاهمين لنقاوة وطهارة الدين الإسلامي ''الجهاد'' على إخوانهم في الدين والوطن. كما أن استمرار الأزمة الأمنية في الجزائر خدم الغرب لأنه استنزف القدرات الاقتصادية والمالية والبشرية لدولة محورية في افريقية. الإرهاب عطل الجزائر اقتصاديا وغيبها عن السياسة الدولية ولم تعد ذلك البلد المؤثر في القضايا الدولية. لقد غيبت الجزائر حتى عن القضايا العربية الأساسية، وهذا ما يخدم بالدرجة الأولى مصالح الدول الغربية والأنظمة العربية الموالية للطروحات الغربية. '' إضافة إلى ما سبق، يجب أن نتوقف عند أحداث 11 سبتمبر لنحاول قراءة حقيقة هذه الأحداث ومن يقف وراءها. من أربع سنوات، قلت، في حديث لجريدة جزائرية، أن أمريكا هي نفسها من قامت بتفجير مركز التجارة الدولي. بعض الأصدقاء والزملاء السابقين لاموني على هذا الكلام لأنه ''غير مؤسس'' على معطيات دقيقة ومؤكدة. اليوم، اتضحت الصورة جيدا، فالكثير من الدراسات التي أنجزت، في أمريكا نفسها أو في أوروبا، تبين بما لا يدع أي مجال للشك بأن هذه القاعدة التي تضرب في كل مكان، والتي عجزت أقوى الأجهزة الأمنية والمخابراتية في العالم من تقفي أثرها والقضاء عليها، هي من صنع الولاياتالمتحدةالأمريكية. القاعدة غول افتراضي ينشط عندما تكون أمريكا في حاجة إلى نشاطه. القاعدة لا تضرب في إسرائيل مثلا، بل تصمت تماما عندما يكون الجيش الإسرائيلي يقوم بجرائمه ضد الأطفال الفلسطينيين. إضافة إلى كل هذا، هل يصدق عاقل بأن أناسا يعيشون في الكهوف، ويتدربون، كما شاهدناهم على الأشرطة التي تبث عبر بعض القنوات التلفزيونية، كالأطفال ويقشرون البصل.. هل بإمكان هؤلاء القيام بعملية شبيهة لما وقع في 11 سبتمبر بالولاياتالمتحدةالأمريكية. كل الخبراء الذين اهتموا بالموضوع يؤكدون أن هذه العمليات استعملت فيها وسائل دولة. وسائل دولة متطورة.'' مما سبق نستنتج أن الإرهاب خلق ودعم وسكت عنه وترك لينمو ويتطور لخدمة الدول الكبرى لأنه يدمر كل القوى الحية في البلدان ''المزعجة'' ويضمن لأمريكا السيطرة الكاملة على منابع البترول. كما أن من بين نتائج أحداث 11 سبتمبر أنها أفرغت المنطقة العربية، بصفة تكاد تكون شاملة، من كل أشكال المقاومة، وجعلت القادة العرب، بعد احتلال العراق، يدخلون قصورهم ولا يجرؤون حتى على إبداء الحزن على ما يقع من حيف تجاه إخوانهم العرب في العراق أو في لبنان أو فلسطين، بل تابعنا، خلال العدوان الأخير على غزة، كيف أن الكثير من القادة العرب لم يكتفوا بالصمت بل تبنوا اتهامات إسرائيل لحماس بكونها حركة إرهابية، شنق الرئيس العراقي السابق صدام حسين بالطريقة التي تمت بها، والتي تثبت كل الأدلة والقرائن، أن الجيش الأمريكي هو من أمر بأن تكون بتلك الطريقة، وفي صبيحة العيد بالذات، أفزع القادة العرب وجعل الكثير منهم يتحسسون رقابهم مما دفع بعضهم إلى تسليم كل ما لديهم من أسرار ومعلومات ووثائق للولايات المتحدةالأمريكية. ؟ اقترحت الجزائر دوما أن يكون الرد على الهجمات الإرهابية عبر اتفاق تنضم إليه كامل المجموعة الدولية ويمر عن طريق منظمة الأممالمتحدة، ورفضت ربط الأعمال الإرهابية بالإسلام والمسلمين، فكيف تقيمون ما تدعو إليه الجزائر وما مدى أهميته؟ - ما تدعو إليه الجزائر هو مناقض تماما لما تريده أمريكا، فالدعوة إلى نوع من التنسيق الدولي عبر الأممالمتحدة لمحاربة هذه الآفة، أفضل طريقة لمحاصرة الظاهرة على المستوى الدولي، لكن الملاحظ أن الآلة الإعلامية الغربية انطلقت من منظور أن الإرهاب إسلامي، وهي تعمل، منذ سنوات، على ''بناء'' صورة للمسلم الإرهابي في مخيال الإنسان غير المسلم، وبالتالي فكل محاولة لتغيير هذا الاتجاه تعتبر غير مقبولة من طرف الجهات الغربية.، ما تدعو إليه الجزائر، منذ سنوات عديدة، لا يتماشى والمشروع المعد لهذه المنطقة من العالم. وسائل الاتصال الغربية تقوم بعمل مدروس ومقصود لتشويه صورة المسلم، الذي يطلب منه في كل مرة أن يتنازل أكثر لإثبات أنه غير إرهابي ولا يرعى الإرهاب. لقد بلغ الأمر حد فرض حذف آيات معينة من القرآن الكريم من البرامج الدراسية وتلفزيونات بعض الدول العربية، كما يفرض عليها عدم استقبال أو التعامل مع قيادة حزب الله اللبناني ومناضلي حركة حماس الفلسطينية أو إقامة علاقات ودية مع إيران أو فنزويلا. ؟ تلجأ الولاياتالمتحدةالأمريكية والعديد من الدول الأوروبية، في الكثير من الأحيان إلى تجميد أرصدة الأشخاص أو الدول التي تتهمها بالنشاط الإرهابي أو بدعم التنظيمات الإرهابية، فما حقيقة هذه الإجراءات وهل يمكن اعتبارها فعالة تساهم في الحد من الظاهرة الإرهابية؟ - الإجراء فعال لو طبق تحت وصاية الأممالمتحدة، ووفقا لتطبيق مفهوم صحيح للإرهاب، لكنه يصبح مجحفا عندما يتعرض للكيل بمكيالين، الإجراء ليس جديدا، لقد طبقته الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد إيران، على إثر انتصار الثورة في نهاية السبعينيات، كما طبقته على العراق قبل الغزو والاحتلال. إنه بالطريقة الحالية إجراء قمعي غير سليم لأنه قد يعرض أي دولة لا تتوافق سياستها والسياسة الأمريكية لهذا الإجراء.الطرح الصحيح هو أن تكون هناك هيئة دولية تابعة للأمم المتحدة يشرف عليها ويسيرها عقلاء معروفون باستقلاليتهم ونضجهم وعدم ولائهم لأية جهة. هذه اللجنة من العقلاء هي من تقرر بالاعتماد على دراسات تقوم بها مراكز بحث، من هي الجهات والتنظيمات الإرهابية وأين تضع أموالها ومن أين تتمول وكيف تبيض الأموال الخ، لكن لو يحدث هذا وتجمد أرصدة الأشخاص أو الدول التي يثبت تورطها في النشاط الإرهابي وفقا للمنطق الصحيح فأن أول بلدين تجمد أرصدتهما هما الولاياتالمتحدة وإسرائيل. ؟ حاولت أمريكا إقامة قواعد عسكرية في القارة الإفريقية من خلال مشروع أفريكوم الذي لم يحظ بتأييد العديد من الدول الإفريقية، التي أبدت تحفظات ورفض كبير للمشروع، فما هي في اعتقادكم، أسباب التخوف من إقامة هذا المشروع؟ - بعد أن ضمنت السيطرة الكاملة على منابع البترول في الخليج، تسعى الولاياتالمتحدةالأمريكية، منذ سنوات إلى إقامة قواعد عسكرية بإفريقيا لإتمام السيطرة على منابع البترول الموجودة بالقارة. من هنا ندرك سر وجود القاعدة، فالأمريكان يطرحون فكرة بسيطة جدا: ''إما مشروع الأفريكوم الذي يعني إقامة قواعد عسكرية أمريكية لمحاربة الإرهاب أو أن الإرهاب سينتعش عندكم''، أدلة كثيرة تثبت علاقة الإرهاب بالمسعى الأمريكي للسيطرة على البلدان التي تملك النفط، نذكر مثلا التحذير الذي وضعته سفارة هذا البلد بالجزائر على موقعها والذي تذكر فيه بدقة الوقت والمكان اللذان ستقع فيهما عملية إرهابية بالجزائر. ماذا؟ هل لهم القدرة أيضا على قراءة الغيب؟ لنعد إلى القواعد العسكرية لنقول أن البلد الذي تدخله القوات العسكرية الأمريكية تجعل أعزة أهله أذلة، الأمريكان لا يبحثون سوى عن مصالحهم ولا يهم مصير أي شعب أو جهة، هذه هي لعبة الدول التي لا يوجد فيها مكان لكل من لا يقاوم من أجل مصالحه الوطنية. ما لم يفهمه الأمريكان هو أن الشعب الجزائري جد حساس لكل ما يتعلق بسيادته لأن الجزائر تختلف عن كل الدول العربية الأخرى، فهي البلد الوحيد الذي دفع ثمنا باهضا من أجل استعادة سيادته وبالتالي لا يمكن أبدا تصور وجود قواعد عسكرية أجنبية على هذه الأرض، ولعل مقولة الرئيس الراحل هواري بومدين، رحمه الله، عندما قال بأننا لم نطرد الاستعمار الصغير -يقصد فرنسا- لنعوضه بالاستعمار الكبير -يقصد الولاياتالمتحدةالأمريكية- أعتقد أن هذه المقولة هي أحسن تعبير عن الموقف الجزائري. لكن السؤال الذي يطرح هو هل رفض السلطة الجزائرية الموافقة على إقامة قواعد عسكرية أمريكية يعني دخولها في أزمة مع أمريكا؟ الجواب هو أن أمريكا لا تضغط سوى على الأنظمة القابلة للضغط، وأنها عندما تتأكد بأن الرأي العام يدعم موقفا معينا فانها لا تغامر بالقيام بأي تصرف. ؟ إنشاء قاعدة معلوماتية، وتبادل المعلومات بين إدارات الأمن في البلدان المختلفة، ومراقبة تحرّك ''المجموعات الإرهابية'' و تسليم وترحيل كلّ شخص أثبتت العدالة في بلده الأصلي تورّطه في ''أفعال إرهابية'' والتجأ إلى بلد آخر، هل في اعتقادكم هي إجراءات دولية كافية للحد من الظاهرة الإرهابية؟ - أظن أن قضية القضاء على الإرهاب هي قضية داخلية قبل كل شيء، مهما كان موقف الدول الأجنبية، ومهما كانت المساعدات الخارجية، فأن الإرهاب يستمر إن لم يعالج وفق خطة وطنية تساهم فيها كل فئات المجتمع. لننظر ماذا يقع في أفغانستان، هل تمكنت القوات الغربية من القضاء على الإرهاب، إن كان ذاك هو قصدهم فعلا؟ بل هل تمكنت القوات الأمريكية بكل ما تملكه من عتاد وتطور تكنولوجي من القضاء على الإرهاب في العراق؟. مع التفريق بين ما هو إرهاب، وهذا مدعم من أطراف خارجية عدة، وما هو مقاومة ضد الاحتلال الأمريكي، وهذا مدعم من طرف الشعب العراقي.بالنسبة للجزائر، لابد من التأكيد على أن الجيش الوطني الشعبي وقوات الأمن تمكنت إلى حد كبير من تقليص نشاط المجموعات الإرهابية، كما مكنت نصوص المصالحة الوطنية من فتح باب التوبة لمئات من الشباب الذين أدركوا أن اختيارهم لم يكن بالصائب. نحن اليوم في وضع لم تبق فيه سوى أعداد قليلة جدا من الإرهابيين الرافضين لمسعى المصالحة الوطنية والذين سيندثرون مع الوقت لأنهم يقفون ضد التيار وضد مصالح الأغلبية من الشعب الجزائري وضد المبادئ السمحة للدين الإسلامي.الجزائر، خرجت من أزمتها بمفردها، لا ننسى أن الكثير من البلدان وقفت متفرجة على مأساتنا وبعضها كان يدعم بالسلاح والمخدرات أو المال أو الفتاوى. لذلك أقول أن الإرهاب هو شأن داخلي، ومهما كانت المساعدات الخارجية، فأنه لا يمكن القضاء عليه إلا بوسائل داخلية. المشكل الذي يطرح في الجزائر لم يعد متعلقا بالإرهاب الذي نعتبره في طور الإندثار، بل في عدم ظهوره مرة ثانية، وهنا لا بد أن تقوم النخبة المثقفة، إلى جانب المدرسة والمسجد، بدور كبير لمحاربة كل ما من شأنه أن يمنح حياة ثانية للظاهرة. ؟ صنفت أمريكا حركات المقاومة في عدد من البلدان على أنها منظمات إرهابية، فكيف يمكن نزع تهمة الإرهاب عن هذه المنظمات التي تدافع من أجل استرجاع حقوقها المغتصبة؟ - هذا ما سبق أن تعرضنا له، فأمريكا تصنف كل من يختلف معها أو مع إسرائيل في خانة الإرهاب. لكن، كيف يمكن نزع تهمة الإرهاب عن هذه المنظمات التي تدافع من أجل استرجاع حقوقها المغتصبة؟ المثل موجود، لا يجب أن ننسى بأن فرنسا كانت تسمي المجاهدين الجزائريين إرهابيين وكانت تطلق على جبهة التحرير الوطني تسمية المنظمة الإرهابية. منظمة التحرير الفلسطينية كانت تعتبر، إلى وقت قريب، منظمة إرهابية، والمرحوم ياسر عرفات نفسه كان يسمى بالإرهابي.. الوقت ومدى تمسك المقاتلين من أجل الحرية والشرف والكرامة بحقوقهم وتفانيهم من أجلها، كلها أشياء كفيلة بتغيير الوضع. منذ فترة وجيزة زار وفد من الكونغرس الأمريكي قطاع غزة وهذا منذ وصول حماس إلى الحكم على إثر إنتخابات شرعية ونظيفة. هذه الزيارة تقرأ على أنها اعتراف بتمثيل حماس للشعب الفلسطيني. الاعتداء الأخير على غزة، رغم ما أحدثه من ضحايا ودمار، إلا أنه كشف الوجه الحقيقي لإسرائيل وجعل الأمريكان في حرج أمام الرأي العام العالمي. تكنولوجيات الاتصال مكنت المناضلين والمدافعين عن حق الأطفال الفلسطينيين في الحياة من فضح الممارسات الإسرائيلية عبر شبكة الانترنيت. خلال أيام الاعتداء كانت الآلاف من صور الهولوكوست الحقيقي تنتقل عبر العالم ليشاهدها الناس في كل مكان. حرب افتراضية خاضها الأحرار من العرب وغيرهم لكشف وجه إسرائيل الفاشي. إذن فلتستمر أمريكا في اعتبار حركات المقاومة منظمات إرهابية فذلك لن يزيد سوى في تشويه وجه هذا البلد الجميل الذي وقع تحت سيطرة لوبي صهيوني لا يهمه سوى مصير إسرائيل ولو على أشلاء الأمريكان أنفسهم. ؟ كشفت آخر الإحصائيات عن ازدياد المواقع الالكترونية الإرهابية التي تروج للأفكار المتطرفة عبر الشبكة العنكبوتية، فكيف تفسرون هذه الزيادة رغم الجهود المكثفة المبذولة للحد منها؟ وما أهمية سن قانون لمكافحة الجريمة الالكترونية؟ - كل تطور يحمل معه بعض الجوانب السلبية. تكنولوجيات الاتصال حولت العالم إلى قرية صغيرة، كما قال ماك لوهان، وخلقت عوالم افتراضية وسهلت تنقل المعلومات إلى آخر ما هناك من فوائد لا تعد ولا تحصى. في نفس الوقت، تسهل هذه التكنولوجيات عمل المجموعات والمنظمات الإرهابية. إنه ثمن التطور، ومهما كانت المجهودات التي تبذل فان استعمال هذه التكنولوجيات في الاتصال والترويج للفكر الإرهابي سيستمر ما دام الارهاب مستمرا، ما يجب تجنبه، في رأيي، هو اللجوء إلى إصدار قوانين تحد أو تعرقل تطور استعمال تكنولوجيات الاتصال لأن ذلك لن يفيد سوى في عرقلة نمو وتطور القوى البشرية. الحل يكمن، أعيد التأكيد عليه، في قيام النخب والمدرسة والمسجد بدورها في توعية المواطنين منذ سن مبكرة بأخطار التطرف وإلغاء حق الآخر في الوجود وفي التعبير عن رأيه بكل حرية بشرط أن لا يمس بحق الآخرين أو يزعجهم أو يمس بمعتقداتهم. ؟ هناك من يدعي أن هناك صراعا عالميا بين الحضارات، و فريق آخر يقول بتحالف الحضارات فأي الرأيين تشاطرون؟ - الصراع بين الحضارات موجود وقائم، لقد سبق أن أشرت إلى كتاب صامويل هينتغتون، وهو أحد المنظرين لصراع الحضارات. الكثير من مفكري العالمين العربي والإسلامي يدعون إلى حوار حضارات لكن معظم المفكرين الغربيين يعتقدون أن لا تعايش مع الإسلام. هم يحكمون على الدين الإسلامي من خلال الصور التي تروج لها وسائل إعلامهم لنمط معين من المسلمين. المستشرقون من أمثال برنارد لويس، الذين كتبوا عن الإسلام لم ينقلوا من عظمة الرسالة المحمدية غير أحداث غير مؤكدة ولا تقدم كل ما يحمله هذا الدين من جوانب إيجابية للإنسانية. الذين كتبوا عن الإسلام بموضوعية وحاولوا تغيير الصورة النمطية كالفيلسوف غارودي أو المفكر جاك بارك لا يسمع لهم ولا يروج لكتبهم. الغربيون يعملون جاهدين لخلق وضعيات تساعد على صدام الحضارات، وبعض العرب يساعدونهم من خلال تصرفاتهم البهلوانية.