بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية غينيا بيساو    السيد بوغالي يتحادث مع رئيس برلمان غانا    زروقي: الدولة تولي أهمية قصوى لتجسيد مشاريع المواصلات لفك العزلة عن المناطق الحدودية    السيد حيداوي يشيد بدور الكشافة الإسلامية الجزائرية في ترسيخ القيم الوطنية    إطلاق مخطط مروري جديد في 5 فبراير المقبل بمدينة البليدة    توقيف شخص بثّ فيديو مخلّ بالحياء في منصات التواصل الاجتماعي    الثلوج تغلق 6 طرق وطنية وولائية    معسكر: الشهيد شريط علي شريف… نموذج في الصمود والتحدي والوفاء للوطن    إنتاج صيدلاني : حاجي يستقبل ممثلين عن الشركاء الإجتماعيين ومهنيي القطاع    أمطار رعدية على عدة ولايات من الوطن يومي الجمعة و السبت    ميناء الجزائر: فتح أربعة مكاتب لصرف العملة الصعبة بالمحطة البحرية للمسافرين "قريبا"    دورة "الزيبان" الوطنية للدراجات الهوائية ببسكرة : 88 دراجا على خط الانطلاق    فلسطين: الاحتلال الصهيوني يحول الضفة الغربية إلى سجن مفتوح بوضع عشرات البوابات الحديدية    فايد يؤكد أهمية تعزيز القدرات الإحصائية من خلال تحديث أدوات جمع البيانات وتحليلها    اللجنة الاستشارية ل"أونروا" تطالب الكيان الصهيوني بتعليق تنفيذ التشريع الذي يحد من عمليات الوكالة في فلسطين المحتلة    رئاسة الجزائر لمجلس الأمن: شهر من الإنجازات الدبلوماسية لصالح إفريقيا والقضايا العادلة    كرة القدم/الرابطة الأولى "موبيليس": مباراة "مفخخة" للمتصدرواتحاد الجزائر في مهمة التدارك ببجاية    فلسطين: غوتيريش يطالب بإجلاء 2500 طفل فلسطيني من غزة "فورا" لتلقي العلاج الطبي    انتخابات تجديد نصف أعضاء مجلس الامة المنتخبين: قبول 21 ملف تصريح بالترشح لغاية مساء يوم الخميس    السوبرانو الجزائرية آمال إبراهيم جلول تبدع في أداء "قصيد الحب" بأوبرا الجزائر    وزير الاتصال يعزي في وفاة الصحفي السابق بوكالة الأنباء الجزائرية محمد بكير    الرابطة الأولى: شباب بلوزداد ينهزم أمام شباب قسنطينة (0-2), مولودية الجزائر بطل شتوي    وزير الثقافة والفنون يبرز جهود الدولة في دعم الكتاب وترقية النشر في الجزائر    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية بوتسوانا    وزير الصحة يشرف على لقاء حول القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالقطاع    وزير الصحة يجتمع بالنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية    فلسطين... الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة    اتفاقية تعاون مع جامعة وهران 2    بوغالي في أكرا    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    التلفزيون الجزائري يُنتج مسلسلاً بالمزابية لأوّل مرّة    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    الأونروا مهددة بالغلق    محرز يتصدّر قائمة اللاعبين الأفارقة الأعلى أجراً    لصوص الكوابل في قبضة الشرطة    شركة "نشاط الغذائي والزراعي": الاستثمار في الزراعات الإستراتيجية بأربع ولايات    تحديد تكلفة الحج لهذا العام ب 840 ألف دج    السيد عرقاب يجدد التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا في قطاع الطاقة لتحقيق المصالح المشتركة    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن تدعو إلى وقف التصعيد بالكونغو    غرة شعبان يوم الجمعة وليلة ترقب هلال شهر رمضان يوم 29 شعبان المقبل    اتفاقية تعاون بين وكالة تسيير القرض المصغّر و"جيبلي"    لجنة لدراسة اختلالات القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    4 مطاعم مدرسية جديدة و4 أخرى في طور الإنجاز    سكان البنايات الهشة يطالبون بالترحيل    توجّه قطاع التأمينات لإنشاء بنوك خاصة دعم صريح للاستثمار    رياض محرز ينال جائزتين في السعودية    مدرب منتخب السودان يتحدى "الخضر" في "الكان"    السلطات العمومية تطالب بتقرير مفصل    الرقمنة رفعت مداخيل الضرائب ب51 ٪    العنف ضدّ المرأة في لوحات هدى وابري    "الداي" تطلق ألبومها الثاني بعد رمضان    شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    صحف تندّد بسوء معاملة الجزائريين في مطارات فرنسا    العاب القوى لأقل من 18 و20 سنة    الجزائر تدعو الى تحقيق مستقل في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة    عبادات مستحبة في شهر شعبان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنوّع والتجانس الاجتماعي الثقافي في جزائر الأمس واليوم
نشر في صوت الأحرار يوم 29 - 01 - 2017

لم يظهر في المجتمع الجزائري طيلة ما يزيد على ألف سنة بعد الإسلام صراعمذهبي ديني في المجتمع، فقد نشأت الدولة الفاطمية 144-296ه وعمّرت بضعة عقود أي 72 سنة ورحلت إلى خارج الجزائر، وكان المذهب الشيعي الفاطمي محصورا في السلطة الحاكمة التي خاطب أحد شعراء الحاشية رئيسها بقوله: "أحكم فأنت الواحد القهار"، وربما كان اليأس من التأطير المذهبي للمجتمع من أسباب رحيل الخليفة الفاطمي وجيشه إلى القاهرة التي تنتسب إليها الخلافة الفاطمية في تاريخ تلك الفترة، ونحن نرى أن تهويل ما يسمى المدّ أو التسرب الشيعي إلى الجزائر قد يؤدي إلى إقحام الجزائر في جحيم الصراعات المذهبية الطائفية في البلدان التي نشأت فيها تلك المذاهب والانقسامات الطائفية وما وصلت إليه اليوم بتحريض وتحريك وتدخل مباشر من القوى المهيمنة بما فيها إسرائيل المستفيد المباشر من التشرذم والفتن والتدمير، إن الإسلام في الجزائر واحد في أصوله ومصدره الأول هو القرآن الكريم، ولم يحدث في الجزائر أبدا تعريف الأشخاص باسم مذهب أو دين معين لا في الحالة المدنية ولا في بطاقة التعريف، كما هو الحال في بلاد أخرى التي تسجل في تلك الوثائق الطائفة والمذهب فضلا عن تسييس الإحصاءات والنسب الملغومة لانتماءات السكان وهو نوع من إبقاء النار مشتعلة تحت الرماد.
الاسلام في الجزائر مرجعية جامعة فوق العرق ولا يفرقها المذهب
ومن الملاحظ أن الاحترام الذي يحظى به الإمام علي كرم الله وجهه بين عامة الشعب حيث تعلق صورة له شاهرا سيفه وبجانبه الحسن والحسين لا علاقة له بالمذهب الشيعي ولا بالصراعات السياسية حول الخلافة وإنما هو اعتزاز بصحابة رسول الله (ص) والكثير من الجزائريين يحملون أسماء الخلفاء الأربعة: أبو بكر، عمر، عثمان وعلي رضي الله عنهم وفي كثير من مناطق الجزائر تنتسب إلى الشجرة النبوية وفي منطقة القبائل يحظى الأشراف إمبراضن بمكانة واحترام كبير ومتوارث عبر الأجيال لأنهم ينتسبون إلى الأسرة النبوية أي إلى نبيّنا محمد (ص) وليس لأي من صحابته الأقرب من المكرمين جميعا بلا تفاضل.
إن الخطر الذي يهدد أمن واستقرار وتماسك المجتمع هو التطرف الديني المناقض لجوهر الإسلام دين التسامح والتضامن، مهما كانت التسمية والأقنعة التي يستعملها المتطرفون من السلفيات المغلقة التي تختزل الإسلام في الفروع والحواشي وتتغافل عن الأصول وتقلل من مكانة العقل وفضائل الاجتهاد وهو في عصرنا الراهن، بل في كل العصور من أركان الإسلام، كما تحث عليه الكثير من آيات القرآن الكريم.
لا شك أن ظواهر الكراهية تجاه المسلمين تتزايد بسبب ظواهر التطرف العنيف، ولكن أسبابه ترجع جذورها إلى تاريخ قديم، أي بعد ظهور الإسلام في نفس المنطقة التي شهدت ميلاد الأديان السماوية الثلاثة والاحتكاك المباشر بينها، وليس مثلا مع البوذية أو البراهمية في القارة الآسيوية التي لا تواجه أي كراهية أو نفور ديني حتى في المظاهر الخارجية عند السيخ بلحاهم وعمائمهم الضخمة، أو الساري (حجاب) النساء في الهند، نلمس عند الحديث مع الدبلوماسيين والنخب المحيطة بهم أن كلمة إسلام وإرهاب مترادفان وأن رجال الدين كلهم هم إطارات سياسية بغطاء ديني ولا يتحدث أحد عن قداسة البابا السابق والأحق الذي يغلب نشاطه السياسي على مهامه الدينية في الفاتيكان.
إن ما يسمى داعش الأسطورة المصنوعة في مخابر الصراع بين المعسكرين أيام القاعدة أدى إلى احتلالين متواليين لأفغانستان والعراق وقد قدم هذا الوحش خدمات لا تقدر بثمن للقوى الكبرى ومصالحها في المنطقة، ولا مكان لها في الجزائر بفضل وعي شعبها والعين الساهرة لقوات الجيش والأمن على الرغم من اقترابها من حدود بلادنا، فهل يلدغ المؤمن من جحر (الإرهاب) مرتين ؟!، من يصدق أن تحالف أكثر من ثلاثين دولة من أمريكا وأروبا بأساطيلها وصواريخها العابرة للقارات تراوح مكانها وتخاف من شرذمة محصورة في مكان ضيّق وتتمكن من نشر سمومها في بلاد عديدة؟.
الإباضية مذهب وليس طائفة دينية أو عرقية
لقد جاءت الاباضية إلى الجزائر ووجدت الحماية بعدما تعرّضت له من اٌضطهاد بسبب دعوتها المبكرة للديموقراطية المباشرة، وليس الحكم الوراثي، ولم يتعرّض المذهب وأتباعه في التاريخ الحديث والمعاصر لأيّ حصار أو تخويف وتعايش أتباع الإباضية في سلام وإخاء مع مواطنيهم الجزائريين الآخرين في كل مدن وقرى البلاد، فإذا حدث تشويش على هذه العلاقة التاريخية والدائمة، كما حدث أثناء الثورة التحريرية (مقاطعة التجار من ميزاب) أو في السنوات الأخيرة-فإما أن يكون تحريض لزعزعة الجزائر على طريقة فرّق تسد والتغرير بالشباب والأقل شبابا، وليس في هذه الإشارة بحث عن متّهم من الخارج أو تبرير لحوادث مؤسفة،فقد يكون السبب أخطاء فرديّة من المسؤولين المباشرين، وتباطؤ من طرف المشرفين ووصايتهم والمؤسسات المعنية في معالجة الاحتجاجات بالحوار المباشر على كل المستويات، وخاصة مع الشباب الذي تتزايد مطالبه وطموحاته في عموم الجزائر، ومثل هذه الاحتجاجات تحدث في كل أنحاء الجزائر، وسواء كانت أقل أو أكثر مما يحدث في بلاد أخرى،فإنها تظهر ما يتمتع به الشعب من حيوية ومطلبية تطلب المزيد من التنمية والخدمات، ليس من التفاخر القول بأن الجزائريين ليسوا من الشعوب التي يسهل إخضاعها بالتحذير والتهديد، أو بسبب تقديس السلطة كما هو الحال في بلاد قريبة وبعيدة.
لم تعرف الجزائر أيضا في ماضيها وحاضرها أي صراعات عرقية فالجميع ينتمي إلى جزائر واحدة وغالبية الشعب تعتزّ بذلك الانتماء، مهما كانت الجهة أو الطبقة الاجتماعية أو اللسان المتداول، وما حدث في أربعينيات القرن الماضي فيما يُسمّى الحركة البربرية، وفي الثمانينات وبداية هذه الألفية يعود إمّا لأسباب سياسية أو اقتصادية، من بينها المطالبة بالديموقراطية أو التنمية المحليّة، والتطرف الاقصائي ضد الأمازيغية أو ضد العربية.
لا ينبغي التقليل من آثار الدراسات السياسية بغطاء علمي بتوجيه لخدمة الكولونيالية الفرنسية، قام به خبراؤها في الاثنولوجيا والاثنوغرافيا وفروع علم الاجتماع الأخرى مثل علم النفس الاجتماعي والطب النفسي وكذلك التاريخ، وقد حلّل الطبيب المناضل في ثورة التحرير فرانتز فانون F.Fanonبعض دوافعها وأهدافها في دراسات على درجة كبيرة من الأهمية إلى اليوم، بسبب تأثيرها على صورة الجزائري عن نفسه مثل ما يشاع بين الناس من أنّ الجزائريّ عنيف بالوراثة وعدواني حتى ضدّ نفسه ولا اٌجتماعي إلا في حدود رابطة الدم أو ما يسميه اٌبن خلدون العصبية، وإذا استثنينا الأعراض السوماتية Somatiques أو الجسيمة فإن سلوك الإنسان هو نتيجة لمثير StimulusواستجابةResponse وأن ما ينبغي تأكيده مرة أخرى هو أن الشعب الجزائري يصعب إخضاعه كما تدل على ذلك سيرته خلال مئات السنين.
والحقيقة أن تلك الادعاءات ليست أكثر من أحكام مسبقة هدفها الإيحاء للجزائري ليحتقر شخصيته بهدف ترويضه وتأييسه من أي مستقبل سوى الخضوع للطغيان والاستعلاء الكولونيالي، وقد فسر الطبيب فرانتز فانون، ما يسمى العنف والعدوانية بمعناها السلوكي الغريزي باعتباره من الآليات الدفاعية الطبيعية عند كلّ الكائنات الحية للمحافظة على الحياة وتحدث داخل جسم الانسان فيما يعرف بعمليات الإيض، أي تعويض خلايا بأخرى،وهو ما يفسر مراحل نمو الجسم وأعراض الشيخوخة والهرم.
فشل المشروع الكولونيالي
تركزت تلك الأعمال شبه العلمية التي تحمل اسم "علم" الأهالي على مناطق معينة لتعميق الاختلاف الاثني الثقافي، وحتى افتعال وجود عداء قديم بين سكان تلك المناطق مثل القبائل والشاوية والتوارق والميزابيين والعرب،واستخدم خبراء الإدارة الكولونيالية عدة وسائل لغرس بذور الفتنة العرقية وحتى الطائفية مثل حملات التمسيح بالقسر أو الإغراء، مصحوبة بالتجهيل والتفقير الثقافي Déculturation لكل الجزائريين، باستثناء تحضير احتياطي من المتعلمين لضمان ما قد يحصل من احتمالات، مثل فشل فرنسا في ضم الجزائر إلى مقاطعاتها نهائيا، كما فعلت هي وبريطانيا مع مقاطعات وجزر وراء البحار والمحيطات، إذ قامت فرنسا بعد أقل من ثلاثين سنة من الإبادة والتفقير والتهجير بإجراءات كثيرة لتحويل الجزائر إلى مستوطنة فرنسية وهي البلد الوحيد في المنطقة قبل فلسطين الذي تعرض لاحتلال استيطاني.
وقد خسرت فرنسا الكولونيالية هذا الرهان، فالأغلبية الساحقة من تلك الفئات المتعلمة بقيت وفية لتطلعات الشعب في الحرية والعدالة وبرهنت على ذلك أثناء المقاومة الشعبية وبعد تشكل الحركة الوطنية في حزب الشعب الجزائري PPA الذي تحول بعد حلّه إلى انتصار الحريات الديموقراطية MTLD وظهر ذلك التلاحم خاصة أثناء ثورة التحرير التي ساهمت فيها النخبة المتكونة في المعاهد الفرنسية بكفاءة والتزام إلى جانب قوات جيش التحرير الوطني ومؤسسات الثورة الأخرى.
وقد خصص الأستاذ عبد القادر مزور من جامعة تلمسان بحثا نشره في مجلة مواقف للبحوث والدراسات في المجتمع والتاريخ نشر في عددها بتاريخ جانفي 2007، تطرق في بحثه إلى مسألة التثقيف والتثاقف l'interculturalité انطلاقا من التعريف الذي قدمه علماء الأنتروبولوجيا الانغلوسكسون ومن بينهم ريدفيلد Redfield ولينتون Linton وهيرسكوفيتز Herskovits وموداه: أن التثاقف هو مجموع الظواهر الناتجة عن الاتصال المباشر والمتواصل بين مجموعات من الأفراد من ثقافات مختلفة يؤدي إل تأثير واضح على أنماط الثقافة الأصلية في إحدى المجموعات أو فيهما معا، وقد تبنّى مجمع العلوم الاجتماعية الأمريكي SSC هذا التعريف.
يهتم الأستاذ عبد القادر مزور بعوامل التثاقف الداخلية في مرحلة ما بعد الاستقلال التي أعقبت الهدم والتخريب الذي حدث أثناء الاحتلال الكولونيالي، وهو ما خصص له الباحث الفرنسي P. Bourdieu وزميله أ. صياد دراسة بعنوان: الاقتلاع، Le déracinement ، وهو يرى أن العروبية Arabisme والإسلامية كانت من أسباب ظهور المطالب والاحتجاجات الهوياتية ودفعت إلى مزيد من التثاقف والانخراط في العولمة، غير أن التثاقف الناجم عنها ينحصر حاليا في أنماط الاستهلاك وبعض الخدمات ووسائط الاتصال الاجتماعي.
الإسلام العربية والأمازيغية تعني الجزائرية
بنظرة غير اقصائية أو تقسيمية للنخبة ينبغي تجاوز التوزيع حسب اللسان المستعمل فالعربية في الجزائر لغة جامعة وليست عرقا ولا إيديولوجية حزبية، وإن كان هناك شعور بالامتياز عند مستعملي الفرنسية بسبب اعتبارها متفوقة على اللغة العربية، وهو ما ينعكس على السياسة التربوية والجدل المتواصل حول مناهجها بلا مخرج، بينما يري مستعملو اللغة العربية انهم أقرب إلى الأصالة وضد التبعية بناء على الذاكرة الراسخة عن مظالم الكولونيالية وتعامل دولتها إلى اليوم مع الجزائر، وهذا الجدل موجود بدرجات متفاوتة بين النخب في كل البلاد المغاربية، ولكن ينبغي التساؤل من المستفيد من التقسيم والإقصاء المتبادل؟ وهل لذلك علاقة بتشكيل التوزيع الطبقي وفرص الحصول على الثروة والنفوذ؟.
يرجع الاهتمام بدراسات الانديجوفيليا الملغومة إلى منتصف السبعينيات من القرن الماضي عندما كنت مديرا للدراسات بمعهد العلوم الاجتماعية وعضو في لجنة إصلاح برامج ومناهج التدريس في هذهالاختصاصاتالتي عينها الوزير المرحوم الصديق بن يحيى ومن أعضاء اللجنة المرحوم الأستاذ عبد المجيد مزيان ود. جمال قنان، وكان هدفه جزأرة الجامعة، ليس بإطلاق اسم آخر عليها، وإنما بالسعي إلى تخليصها من تأثير علم الأهالي المزيف indigénophilieوأدبياته اللاعلمية كما هي عند إميل ماسكوري E. Masqueray و كاميل ساباتيي ومدرستهم الاثنولوجية وتركّز قسم كبير من أبحاثهم على منطقة القبائل وخصوصياتها السكانية العرقية والتاريخية والسسيولوجية بما فيها الطبيعة والعمران، بما أصبح يعرف بالأسطورة القبالية le mythe Kabyle في تعبير ش. ر. أجرون Ch. R. Ageron.
وقد قمنا بترجمة بعض فصول دراسته الموسوعية في مجلدين بعنوان الجزائريون المسلمون وفرنسا، Les Algériens Musulmans et la France 1968 والتعليق عل بعض أطروحاتها وينبغي القول بأن أبحاثه أكثر موضوعية من أغلب معاصريه من المؤرخين وعلماء الاجتماع الفرنسيين، وقد اخترنا لتلك الترجمة العنوان التالي: المجتمع الجزائري في مخبر الإيديولوجية الكولونيالية ونشرت سنة 2004.
بعد الاستقلال لا نجد سوى عدد قليل من الدراسات العلمية المؤيدة بالاستقراء الميداني للوضع اللساني واللهجات في عموم الجزائر، بمنأى عن التوجيهات السياسية والمطلبية الحزبية، وعلى أي حال إذا تسيس العلم، وخاصة في قضايا حساسة فقد الكثير من التبصّر بالمخاطر والموضوعية الكاملة الصعبة المنال في علوم الانسان والمجتمع.
في فترة الحركة الوطنية وبعد الاستقلال اهتم عدد من الباحثين بمسألة اللسان الأمازيغي في منطقة القبائل نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأديب مولود معمري صاحب رائعة الربوة المنسية الذي اهتم بإثراء وتحيين القاموس الأمازيغي الذي يعد اليوم من المراجع الأساسية في فقه اللسانيات الأمازيغية غير أن إغفاله أو عدم اطلاعه على الثروة الكبيرة من المؤلفات بالعربية لعلماء تلك المنطقة قبل وبعد مملكة بجاية الناصرية والتخويفمن مزاحمة الامازيغية للعربية عند البعض الآخر سهّلت من تبادل التهم والإقصاء المتبادل، وهو خدمة بأثر رجعي لما خطط له منظرو الكولونيالية الفرنسية.
واصل جهود معمري تلميذه سالم شاكر الأستاذ في معهد INALCOالذي توجه اهتمامه إلى العالم الأمازيغي بوجه عام داخل وخارج الجزائر ومن أبحاثه في هذا الاتجاه دراسته المنشورة في المجلة الدبلوماسية Diplomatie ? Magazine سنة 2003 وكذلك الأطروحة الجامعية التي قدمها لحسن مرموري من ولاية إليزي بعنوان:"التوارق" سنة 2010، عن التنظيم الاجتماعي والسلطة عند توارق، وهي من الدراسات العلمية المؤيدة بالبحث الميداني القليلة باللغة العربية في الجزائر في علم الاجتماع السياسي، وقد قمنا بوضع مقدمة لها بطلب من الباحث.
كما خصص هوغ روبرتزH. Roberts من معهد لندن لعلوم الاقتصاد L.S.E عدة أبحاث للمسألة الأمازيغية في المنطقة المغاربية نشرت تباعا في مجلة معهد الانثروبولوجيا البريطاني تعرض فيها لنظريات علماء الانديجينولوفيا الفرسيين، كما يقوم علماء جزائريون معاصرون مختصون في علوم التاريخ وفقه اللغة واللسانيات بدراسات ومناظرات واستجوابات كلما أثيرت مسألة الهوية ومعالمها الأساسية نذكر منهم على سبيل المثال عبد الرزاق دوراري وأرزقي فراد أو من منطلقات مختلفة أو مضادة تماما مثل عثمان سعدي وابن نعمان.
إن الإسلام والعربية والأمازيغية كلها منا ونحن منها، بلا فواصل ولا مزايدات، ونعجب أن دولة من أكثر دول أوروبا جاكوبينيةjacobineأو مركزية تنصب نفسها وتحث مؤسساتها السياسية والعلمية للدفاع عن لغات الأقلية Langues minorisées والمذاهب الدينية المضطهدة كيف سيكون رد الفعل لو تمّالتعامل بالمثل فيما يخص الكورس ولألزاس لورين والنورماندي والبروطون.
رصيد الثقافة الفرنسية على درجة كبيرة من التنوع والإبداع تروج له فرنسا بمثابرة وذكاء من خلال الفرانكوفونية وهذا الاستثمار الثقافي الاقتصادي ولصالح النفوذ السياسي من حقها، ولكنه يعاني من هيمنة العملاق الأمريكي ويدافع باستماته عن حضوره حتى داخل حدوده تحت عنوان الاستثناء الثقافي l'exception culturelle ، ونحن نعرف مدى انتشارونفوذ اللغة الإنكليزية في المحافل الدولية وفي العلوم والفنون والآداب، ولكن من غير المفيد تعويض لغة أجنبية بأخرى، بل بالعناية بالإنكليزية وغيرها مثل لغات حوض المتوسط والتركية والروسية والصينية وبعض اللغات الإفريقية مثل الهوسة والسواحيلي وخاصة بين المبعوثين والدبلوماسيين إلى جانب اللغة العربية الرسمية والأمازيغية التي هي أيضا لغة رسمية، ومن الحكمة أن لا تكون الجزائر ساحة للصراع اللساني والمنافسة المنفعيةبين الدول الكبرى والمتوسطة، والأولى أن ننمي رصيد العربية والأمازيغية في العلوم والفنون والآداب بغض النظر عن البلاد الأخرى في المنطقة التي تنتمي إلى الجذع الثقافي المشترك.
ويجري اليوم جدل بين النخب حول مسألة الهوية في علاقتها باللسان والاجتهادات حول اللسان الأقرب إليها في المدرسة ووسائل التعبير والتواصل الأخرى هل هو الفصحى أو العامية،وهو في رأينا نقاش مفتعل، فلا توجد أي لغة بدون عامية شائعة بين عامة الناس كما هو الحال في الإنكليزية والفرنسية والألمانية، يختلف مستواها باختلاف المستوى التعليمي والثقافي للأشخاص، ولغة التي تدرس في تلك البلدان هي اللغة المعيارية standard، الحاملة لروائع الفنون والآداب إنها ملهاة فيما يعرف بمسرح الظل تبتعد عن الرهانات الحقيقية ألا وهي تطوير مناهج التربية والتكوين وإعداد أجيال من الجزائريين لدخول العصر الراهن بالذكاء والمعرفة والوطنية.
فيما يتعلق بالأمازيغية فقد حسم التعديل الدستوري الأخير الذي بادر به رئيس الجمهورية الجدل في مكانتها بعد ترسيمها لغة وطنية ورسمية وعلى العلماء المختصين في مختلف فروع المعرفة إثراء قاموسها وإحياء تراثها ونقل العلوم والتكنولوجيات الحديثة إليها وهو ما ينطبق أيضا على العناية بالعربية وتوطين علوم العصر في لسانها بالترجمة والإبداع.
الاحتجاجية حركية طبيعية في اقتصاد صاعد وديمقراطية المواطنة
لا نجد في التاريخ المدوّن أي صراع مسلح بين الشاوية والقبائل أو بين التوارق وأهل ميزاب أو بينهم وبين العرب، أقول العرب لأن خبراء الكولونيالية وقياداتها السياسية تزعم أنهم دخلاء في الجزائر بالذات، بهدف الترويج للتمايز العرقي والدفع للعداوة بين أعراق مزعومة، ولعل من المفارقة أن كل التقارير التي أرسلها العسكريون والسياسيون والجواسيس إلى المسؤولين في باريس أثناء المقاومة البطولية للأمير عبد القادر كانت تتحدث فقط عن العرب، وقد كان أنصار الأمير ومؤيدوه من مختلف أنحاء الجزائر، كما هي في جغرافيتها الحالية، ومن المعروف أن الحكام في العهد العثماني نظموا الجزائر في صورة ولايات (بايلك) إدارية بحتة: غرب شرق وسط ...، وكانوا مع حاشيتهم وحراسهم معزولين في أبراجهم وقصورهم عن عامة الشعب.
لم تحدث في جزائر الأمس واليوم أي حروب أو رفض لشريحة من المجتمع بسبب العرق، والحقيقة أن هناك نزاعات داخل تلك المجموعات السكانية في الشمال والجنوب لا علاقة لها بالعرق واللسان، وترجع غالبا إلى مشاكل التسجيل في الشهر العقاري cadastreأو الميراث داخل العائلة الواحدة، والعرش وما تركته الإدارة الفرنسية من قنابل موقوتة في عالم الأراضي الفلاحية والسهوب، وينبغي أن نلاحظ أن مسألة العروشية بمعناها الخلدوني وبمعناها السلبي، أي تجاوز المواطنة التي هي الرابطة السياسية الحقيقية في المجتمع الحديث وهي مؤكدة في كل الدساتير الجزائرية وخاصة التعديلات الأخيرة في السابع من فيفري 2016، ولا شك أن المواطنية citizenship هي أفضل نهج لتحرير مجتمعنا من الرواسب الأركائكية والذهنيات والسلوكات العشائرية وترسيخ دولة الحقوق والواجبات والتخلص من مقولات مغلوطة مثل " حمارنا خير من عودهم (فرسهم)" و "إميس ن عميس" ألخ ...
إن الانتساب إلى عائلة أوجهة والاعتزاز بتلك العلاقة طبيعي، بل مرغوب ومصدر للانتماء للوطن فالذي يكره عائلته أو ينفر من جهته الجغرافية، من المحتمل أن يحتقر وطنه، وقد يتحول إلى لا مواطن أصلا Apatride ، كما أن نسبة شخص أو جماعة إلى جهة من الجزائر مثل تاركي ? شاوي ? قبائلي ? ميزابي لا يختلف عن وصف فرنسي بأنه نور مندي من منطقة نورمون Normandie أو كوسيكي.
ولا حاجة لذكر أمثلة أخرى للانتساب إلى الجهة التي قد تتحول لأسباب سياسية أو صراعات تاريخية أو دينية أو أخطاء في التدبير والتسيير إلى مطالب بالانفصال عن الدولة الأم، وهو ما يحدث اليوم في بلدان كانت إمبراطوريات شاسعة كما هو الحال في المملكة المتحدة (بريطانيا) في حالة اسكولنده وقبلها في الأولستر (إرلنده الجنوبية) الكاثوليكية وكاتالونيا في إسبانيا، وما حصل في يوغوسلافيا التي تحولت إلى عدة دول مستقلة، ومن المفارقة الجيوسياسية والتاريخية أن ألمانيا التي تمّ تقسيمها بين الحلفاء والاتحاد السوفياتي المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، عادت من جديد إلى وحدتها وأكثر قوة واستقرارًا عما كانت عليه في خمسينيات القرن الماضي.
الوحدة الوطنية: قوة الجزائر الأولى والدائمة
إن الأمثلة كثيرة للتشتت والوحدة في العالم،ترجع كلها إلى عوامل مشتركة نجدها على سبيل المثال في قوة واستقرار الدولة وقدرة نخبها المثقفة والمسؤولة في مختلف المؤسسات على احترام الخصوصيات الجهوية وتحقيق درجة من التمايز والتآلف والتنمية المتوازنة وعدم الاستهانة بالتحريك من الخارج الذي قد يجد في أشخاص أو جماعات حصان طروادة للإضعاف من الداخل وتفكيك المجتمع إلى كيانات متصارعة، وقد تطلب الدعم والتأييد من الخارج، كما هو الحال بالنسبة لحركة المغني فرحات مهني التي لا تقدم لمنطقة القبائل ولا للجزائر أي مشروع سوى إزعاج الدولةوتضليل أعداد محدودة من الناس، والأغلبية الساحقة من أبناء منطقة القبائل على يقين بأن منطقتهم جزء لا يتجزأ من الجزائر التاريخية والمعاصرة، وهي تتجه إلى اللامركزية الإدارية في بلد تزيد مساحته على مليوني كلم مربع.
في ولاية غرداية ظهرت مجموعة هامشية باسم حركة الحكم الذاتي لميزاب من بين نشطائها دكتور قمر الدين فخار الذي وصل إلى حد مراسلة الأمين العام للأمم المتحدة للتنديد بما سماه التطهير العرقي Ethnic Cleansing على أساس إثني جهوي تقوم به الدولة الجزائرية ويجد صداه في مراصد المراقبة المتخصصة
Algeria's south trouble's bellwether crisis group report N?171, 21.11.2016.
الحقيقة إن الاختلاف والتوتر الذي حصل سنة 2015 بوجه خاص لا يختلف عن أشكال التظاهر والمطلبية في مختلف ولايات الجزائر ولا علاقة له بالأثنية والجهوية المزعومة من طرف ملاحظين لم يتعرفوا على التنظيم الاجتماعي والمرجعيات الثقافية في الجزائر التاريخية والمعاصرة، وينطلقون من الكتابات المغشوشة لما يسمى الإنديجينوفيا الكولونيالية التي نجدها في تحليلات بعض الخبراء وراء البحر :
Louis Martinez: Algérie le calme avant la tempête, le Monde, 10-01-2012.
وليس مجرّد فرضية أو بحث عن متهم يتربص بالجزائر من الخارج أن نقول إن هناك اطرافا في المنطقة وخارجها تعمل في الخفاء أو في ضوء النهار على الدفع بالجزائر نحو ربيع الكوارث الموصوف بالعربي الذي أدى إلى تفكيك عدة بلدان وعودتها إلى ما قبل الدولة الوطنية أي حكم القبيلة ومزيد من تمزيق النسيج الاجتماعي.
إن ماضي وادي ميزاب وحاضرها-الذي أشرنا إليه بإيجاز فيما سبق- بما فيها من مالكية وأباضية وشعانبة وميزاب تبرهن على أن أسباب ما يحدث من توتر ظرفي -(وهو يحدث داخل المجموعتين) ? هو اقتصادي يتعلق بالتنمية وفرص التشغيل للشباب، كما ينبغي أن نلاحظ أن شريحة كبيرة من الشباب لم تعد كالسابق على نفس الانضباط والطاعة للهياكل التقليدية المعروفة في غرداية مثل الولايات الأخرى في مناطق أخرى من الجزائر بسبب انتشار وسائل الاتصال الاجتماعي وظواهر العولمة الأخرى.
كما يرجع الاحتجاج أحياناإلىضعف أداء السلطات المحلية، ليس بسبب سوء النية، ولكن بسبب ثقل جهازها البيروقراطي ونقص المبادرة، بالإضافة إلى الغياب النسبي لبعض الأحزاب التي تركت مهام التأطير والتوضيح إلى مصالح الأمن من الشرطة والدرك وأخيرا الجيش، بينما مهام هذه الهيئات هو فقط السهر على حفظ الأمن والنظام العام والحدود في حالة الجيش الوطني الشعبي الذي لا يتدخل في الشأن السياسي ولا علاقة له بالتيارات الإيديولوجية الناشطة في الجزائر،وقد وجد المتطرفون المتخفون وراء الإسلام، الفرصة سانحة لإذكاء نار الاحتجاج وتوجيهه ضد الدولة، والتوجه نحو تشجيع بؤر دائمة للتوتر وإنهاك هياكل الدولة المحلية والمركزية.
وقد تم في البداية اختيار منطقة عين صالح أثناء اتجاه وزارة الطاقة سنة 2015 نحو استغلال shale gaz, gaz de schiste ، الغاز الصخري في منطقة معروفة بتقاليدها وزواياها العريقة وتاريخها النضالي ضد الكولونيالية، ومن أبطالها الذين كبدوا جيوش الاحتلال الفرنسي خسائر فادحة: الشيخ آمود، وبقيت منطقة الجنوب صامدة وتحت الحكم العسكري حتى هزيمة جيوش الاحتلال، كما لا ننسى أنها كانت ضحية التجارب النووية الفرنسية التي بقيت مضاعفاتها الكارثية على الإنسان والحيوان والطبيعة إلى اليوم.
من موقع الملاحظ لشؤون الوطن لا بد من الإشارة إلى ان مشروع استخراج الغاز الصخري لم يكن الهدف منه الاضرار بالمواطنين في تلك المناطق وخاصة مياه الشرب الثمينة ومن المعروف أن بحرا كبيرا من المياه الجوفية في منطقة تمنراست، تيميمون، ميتليلي، أدرار ، توقرت، غرداية، ورقلة، يمكن أن يحول ما يسمى الصحراء إلى ملايين الهكتارات من جنات فلاحية وحدائق خضراء.
أقول إن النية لا تكفي لطمأنة مواطنينا هناك عن أهداف مشروع الغاز الصخري، إذ كان من المفروض أن يسبق ذلك حوار مع السكان وخاصة من خلال الهيئات والجمعيات والهياكل المحلية ولها ممثلون في كثير من المؤسسات الوطنية، لا ندري هل تمت استشارة هذه الهيئات، وبالتالي إشراكها قبل بداية تنفيد مشروع الغاز الصخري.
ويرى عالم الاجتماع ناصر جابي في حوار مع صحيفة الوطنEl Watan بتاريخ 09/01/2017 أن من أسباب تفاقم الاحتجاجات ضعف ما يسميه الوساطات الاجتماعية والسياسية Intermédiations، وأن النخب الرسمية تعترف بالأحزاب والجمعيات والنقابات، ولكنها لا تعمل على إشراكها كوسيط لحل ما يحدث من توترات واحتجاجات ومع الاحترام لرأي الأستاذ وتموقعه السياسي فإن رأيه بأن النظام يفضل التعامل مع الاحتجاجات العنيفة لأنها تخدم استمراريته ولا تقدم بدائل ورجوع الباحث إلى أطروحة روني غاليسو René Gallissotعن دور الحركات الاحتجاجية باعتبارها مشتلة للنخب البديلة في المجتمع الجزائري لا تتطبق على صيرورة المجتمع الجزائري.
إن التفسير الأقرب لأسباب ومضاعفات الحركات الاحتجاجية هو الذي يأخذ بعين الاعتبار التجربة التاريخية للمجتمع الجزائري خلال حقبة الاحتلال الكولونيالي وما اكتسبه من مسلكية أشبه بالمنعكس الشرطي للتعبير عما يراه اجحافا أو ظلما أو ما يسمى "الحقرة" وهي في رأيي ديناميكية إيجابية لشعب رفض دائما الخضوع وقول نعم .. نعم عند من سماهم وهم الأقلية ببني نعم..نعم Beni oui..oui وهذه على أي حال وجهة نظر أخرى.
تمثل ولاية ورقلة إحدى نقاط تثبيت الاحتجاج تحت عنوان المطالبة بالتشغيل وما يسمى المظاهرات المليونية والاحتجاج على تفضيل القادمين من الشمال لشغل الوظائف في أغلب المهام والمطالبة بالتنمية في منطقة توجد بها ثروة الجزائر الرئيسية، وهي على مقربة من أحد أكبر قواعد النفط وهو حاسي مسعود وقاعدة استخراج الغاز الطبيعي في حاسي الرمل، بالإضافة إلى أنها من أكثر مدن الجنوب كثافة سكانية أي ما يزيد 140.000 مواطن.
ولا يخفى أن هذه الولاية تحظى بعناية كبيرة من طرف الدولة لحقها المشروع في التنمية مثل الولايات الأخرى ولقربها من الحدود غير المستقرة بالنظر إلى الوضع في ليبيا وتونس ومالي مما أدى إلى مراقبة دقيقة للحدود وضعف أو انعدام التبادل التجاري مع تلك البلدان المجاورة.
خلاصة
على مؤسسات الدولة أن تولي هذه المنطقة ما تستحقه من اهتمام وعناية وهو ما أكد علية رئيس الجمهورية في كل مرة وهو يعرف شخصيا هذه المناطق منذ أن كان قياديا في الثورة أليس المجاهد عبد العزيز بوتفليقة هو عبد القادر المالي الذي فتح مع رفاقه في ثورة نوفمبر 1954 الجبهة الجنوبية؟.
أدرك الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ بداية عهدته الأولى أن إنقاذ الجزائر من مخاطر الصراعات الأثنية وإشعال الصراعات بغطاء ديني الذي أدى إلى الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد، هو البداية بالوئام واقناع الجميع بأهمية وضرورة المصالحة الوطنية وقد حصل هذا المشروع المبتكر والشجاع عن طريق الاستفتاء على أغلبية ساحقة مهدت لانطلاق برامجه للتنمية والتحديث في كثير من قطاعات ومرافق الدولة.
ومن الانصاف أن نذكر بأن الخطاب السياسي في نهاية التسعينيات توزّع معظمه إما على تبادل التهم أو وصف الأزمة ومضاعفاتها على الدولة والمجتمع بينما لم تدرك الفعاليات السياسية أن المفتاح الحقيقي يتمثل في المصالحة مع الذات ومع التاريخ ومع الراغبين في السلم والعيش المشترك بين كل الجزائريين، فمن النادر أن نرى في بلاد العالم الثالث وحتى المتقدم ديموقراطيا رئيس دولة يصحب جنبا إلى جنب أربعة رؤساء سابقين، وتحمل مطارات وجامعات ومعالم أخرى أسماء قادة كبار كانت أسماؤهم وعهودهم موضوع جدل سياسي واصطفاف بين تيارات في المجتمع، منذ ما يزيد على ستين عاما، وهذا التصالح مع ماضي لا يمكن أن يحذف من مسيرة شعب وذاكرته موقف حضاري ينبغي أن يكون قدوة للآخرين .
لقد كانت محنة الإرهاب خلال عشرية التسعينيات أكبر تهديد لتجانس وتلاحم ثقافي عريق بين الجزائريين، بعد كارثة الاحتلال الاستيطاني الكولونيالي الذي كان التهديد الأخطر لبقاء الجزائر على خريطة العالم، كانت تلك المأساة في نظر أغلب دول العالم وحتى بعض دول الجوار مجرد مشاهد درامية للفرجة في انتظار الانهيار النهائي للدولة الوطنية وأسس الجمهورية كما وضعها البيان المؤسس في الأول من نوفمبر 1954، جمهورية لا مكان فيها للأثنيات والطوائف والتطرف الديني فالإسلام في صورته الشعبية رابطة روحية ثقافية نقية من العنف والكراهية للآخرين من أديان وثقافات أخرى، فأثناء المقاومة الشعبية وثورة التحرير لم يحدث إطلاقا تدمير لأماكن العبادة الخاصة بالمسيحيين واليهود أو محاربة الفرنسيين لأنهم مسيحيون، إن كفاح الجزائريين عبر التاريخ كان دائما ضد المعتدين ومطلبهم الدائم الحرية والعدالة والتقدم، كما نجد مبادئها في بيان الأول من نوفمبر 1954 وهوخلاصة التجربة التاريخية للجزائر ومنهاج صالح اليوم وللمستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.