بيان مقتضب صادر عن لجنة الدفاع والأمن القومي في برلمان طبرق، الذي يدعم المشير خليفة حفتر، يندد بزيارة عبد القادر مساهل إلى مناطق في جنوب ليبيا، وفي البيان نقرأ تحذيرا صريحا للجزائر مما وصف بأنه انتهاك للسيادة الليبية، ودعوة أبناء ليبيا إلى الاصطفاف خلف مؤسسات الدولة الشرعية. من الواضح أن البيان صدر بأمر من خليفة حفتر، وذكره لما تقوم به القوات المسلحة العربية الليبية دليل على ذلك، وهذا يعني أن هذا الطرف الذي يسيطر على شرق ليبيا، ويناوئ حكومة الوفاق الوطني في طرابلس يرفض بشكل صريح الدور الذي تقوم به الجزائر من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية يضمن بقاء البلاد موحدة، ويغلق الباب في وجه التدخل العسكري الأجنبي. علينا أن نعترف أن حفتر يحظى بدعم خارجي، ومصر هي أكبر داعم له، ولا يمكن أن نقرأ موقفه العدائي من الجزائر دون أن نتساءل عن مدى التزام القاهرة بإعلان تونس الذي يشير إلى ضرورة التنسيق بين الدول الثلاث المجاورة لليبيا من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية. الازدواجية طبعت مواقف كثير من الدول حيال الأزمة الليبية منذ بدايتها، غير أن ظهور خليفة حفتر كقوة عسكرية مسيطرة على الأرض كرس التناقضات في المواقف الدولية، فمن جهة هناك اعتراف دولي بحكومة الوفاق، في حين سعت دول غربية مثل فرنسا إلى مد الجسور مع حفتر، واستقبلته روسيا على إحدى سفنها الحربية، وهو على علاقة وطيدة بالقاهرة، وسيكون من الصعب قراءة التهديدات التي تضمنها بيان أمس بمعزل عن هذه العلاقات المتشعبة التي ينسجها حفتر مع الخارج. بالنسبة للدول التي تدعم حفتر في السر والعلن، يبدو أن الأولوية هي لمكافحة الإرهاب، غير أن هذا العنوان يبدو عاما وفضفاضا، فالجزائر معنية أيضا بتقليص نشاطات الجماعات المتطرفة والقضاء عليها، لكن القاهرة لديها فهم آخر للإرهاب، فهي تدرج جماعة الإخوان ضمن التنظيمات الإرهابية، وهو ما يخدم حفتر، ولعل تحركات الجزائر صارت مزعجة لأنها تقوم على إشراك الجميع في صياغة حل سياسي. حفتر، ومن يقفون وراءه، يسيرون على طريق الحل العسكري الذي لا يمكن أن يفضي إلا إلى نتيجتين، الأولى هي فتح الباب أمام التدخل العسكري الأجنبي، والثانية هي تقسيم ليبيا، وهذا مخطط آخر يبدو أن مساعي الجزائر تشوش عليه.