مطالب الدول التي تقاطع قطر تبدو في جزء منها وكأنها مستوحاة من عصر آخر، فعلى رأس القائمة جاء مطلب غلق قناة الجزيرة، هكذا بكل بساطة تطالب هذه الدول بغلق وسيلة إعلامية لأنها تسبب صداعا لهذه الأطراف. المطلب قديم، وقد أزعجت الجزيرة السعودية كثيرا منذ انطلاقها قبل أكثر من عشرين سنة، وكان واضحا أن قطر استعملت هذه الآلة الإعلامية الجبارة ضد السعودية منذ البداية عندما دأبت على تناول مواضيع محرجة، وعلى استضافة معارضين سعوديين، فضلا عن الترويج لمواقف تتناقض مع السياسات الإقليمية للسعودية، وحتى بعض الهدوء الذي التزمت به القناة خلال سنوات ما سمي بالربيع العربي، لا ينقض القاعدة التي تؤكد المهمة الحقيقية للجزيرة. السؤال الذي يطرح آليا، كيف عجزت السعودية وهي التي تمول عشرات الوسائل الإعلامية في دبي ولندن وباريس، عن تحييد الجزيرة وإضعاف تأثيرها؟ مع العلم أن لدى الرياض كل الإمكانات المالية التي تؤهلها لخوض المعركة، وهي قادرة أيضا على توظيف كفاءات إعلامية عالية من مختلف البلدان كما دأبت على فعله منذ عقود. مصداقية وسائل الإعلام لا علاقة لها بالوسائل التقنية، ولا يمكن الاستعاضة عنها بالكفاءات البشرية التي تخدم من يدفع أكثر، بل الأمر مرتبط بتمثل قناعات الجماهير، وبالاستماع إلى صوتها وإسماعه، وبالتفتح على الآراء المختلفة قدر المستطاع، وهو أمر استثمرت فيه الجزيرة خلال العقد الأول من نشاطها، رغم الكلفة العالية التي دفعتها بسبب تبنيها للموقف الرسمي القطري بخصوص الأحداث التي شهدتها دول عربية منذ مطلع سنة 2011. لا تستطيع السعودية أو مصر أو الإمارات أن تمتلك وسائل إعلام مؤثرة في الرأي العام لأنها بكل بساطة ترفض أن تنفتح على الرأي الآخر، وهي تحاول عبثا مقاومة حركة التاريخ من خلال السعي إلى وقف هذا التدفق الهائل في المعلومات، ومنع الوسائط الجديدة من حمل رأي مخالف للدعاية الرسمية التي تمارسها هذه الدول من خلال وسائل إعلام بلا مصداقية رغم أقنعة الحرية الزائفة التي ترتديها هذه القنوات. جزء من قرار الحصار على قطر يجد تفسيره في هذه الفوبيا السعودية من التغيير الذي هو الثابت الوحيد في هذا الكون.