اليوم تلتقي مختلف الأطراف الليبية وممثلو عدة دول في باريس لبحث مبادرة فرنسية جديدة أعلن عنها الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون رسميا الأحد الماضي، وتتلخص هذه المبادرة في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية العام الجاري، واعتماد مشروع الدستور، وتوحيد المؤسسة العسكرية والمؤسسة المالية، وعقد مؤتمر سياسي شامل خلال ثلاثة أشهر. الأهداف المعلنة قد تحقق الإجماع بين أطراف الأزمة، غير أنها تبدو مثالية في الظروف الحالية، وقد سبق لماكرون أن جمع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج وخليفة حفتر العام الماضي في باريس دون أن يؤدي ذلك إلى أي تقدم على مسار الحل. من الصعب تصور تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في بلد تمزقه الحرب والفوضى خلال فترة تقل عن ستة أشهر، وحتى الذين قرروا تلبية دعوة ماكرون وسيتواجدون اليوم في باريس، مقتنعون تماما أن هذا الهدف صعب المنال، ويكفي النظر إلى المعارك الجارية في مناطق مختلفة من البلاد لملاحظة بعد المسافة التي تفصل بين الأهداف والواقع، ثم إن توحيد المؤسسة العسكرية والمالية لن يكون يمكنا إلا إذا كان ترسيما للتوازنات القائمة على الأرض والتي هي في الأصل نتيجة للصراعات الداخلية والتجاذبات الإقليمية والدولية على الساحة الليبية. خليفة حفتر يقود قوات مسلحة يعتبرها هي الجيش الليبي، وقد سيطر على أهم مصادر النفط، بما فيها الموانئ التي يجري منها تصدير النفط الليبي، وهو يحظى بدعم صريح من فرنسا، ومن دول أخرى، وهو ما يعطيه أفضلية في أي حل سريع للأزمة، ويمكن فهم أن توحيد الجيش الليبي قد يكون المقصود به إيجاد صيغة ما لدمج جميع القوات تحت قيادة حفتر، وهو أمر يرفضه خصومه الذين دعوا إلى عدم قبول مشاركة العسكريين في لقاء باريس. فرنسا التي لعبت دورا أساسيا في الإطاحة بالقذافي تسعى إلى لعب دور أساسي في صياغة الحل في ليبيا، ويبدو أن هذا هو الهدف الأساسي لمبادرة ماكرون التي ستكون التفافا على جهود الأممالمتحدة، ومحاولة لإطلاق مفاوضات على أساس توازنات الأمر الواقع. هناك شرط أساسي لحل حقيقي في ليبيا، هو أن يكف الأجنبي يده عن البلاد وأن يتولى الليبيون أمر ترتيب بيتهم، وهذا شرط لا يرد أحد الأخذ به.