لم يستوعب الرئيس المصري حسني مبارك شيئا من الدرس التونسي، فقد خرج على المصريين متعجرفا ليقول له باستعلائه المعهود إنه لن يسمح بهذا ولم يتساهل مع ذلك، وانتهى به الأمر إلى إقالة الحكومة وتعيين نائب له هو رئيس جهاز المخابرات العامة عمر سليمان الذي سيشغل منصب نائب الرئيس. مبارك يترنح ويجر معه أمريكا إلى الوحل، فواشنطن من فرط حرصها على إسرائيل تريد أن تضمن انتقال السلطة في مصر دون أن يتغير النظام، وعمر سليمان هو الضمانة لمصالح أمريكا وإسرائيل، وهو الإشارة الواضحة إلى أن جمال مبارك لن يكون ضمن المرشحين لخلافة مبارك، وهذا التنازل من جانب الرئيس المصري يؤكد مرة أخرى أن مشروع التوريث كان حقيقة قائمة وأن الشعب المصري أسقط هذا المشروع بدماء أبنائه الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة برحيل مبارك ونظامه. أمريكا لا تريد لمصر أن تكون بلدا ديمقراطيا يختار فيه الشعب حكامه، ولهذا فهي تتواطؤ اليوم من أجل تعيين خليفة مبارك بطريقة غير ديمقراطية، وسيتعين على المصريين مواجهة هذه المؤامرة وإحباطها مثلما يفعل الشعب التونسي الذي يقف بالمرصاد لكل محاولات الالتفاف على ثورته المظفرة، وما لم يسقط نظام مبارك فإن مصر لن يتغير حالها. درجة الغباء التي اتسم بها النظام المصري تبدو خارقة للعادة، فقد استقال أحد رموز الحزب الوطني الذي يمقته الشعب المصري وهو رجل الأعمال أحمد عز، وهذه الاستقالة التي جاءت بعد فوات الأوان تمثل فضيحة لأنها اعتراف صريح من النظام بأن الشعب يمقت رموزه، وأنه نظام فاسد محاط بالفاسدين، والتفاوض في اللحظة الأخيرة هو علامة على أن هذا النظام لم تعد له أي صلة بشعبه، بل إن مبارك لا يزال يصم آذانه عن نداءات الشارع التي تطالبه بالرحيل. أمريكا تريد أن تنقذ النظام الذي يخدمها، وقد اختارت مرة أخرى أن تقف إلى جانب الاستبداد والطغيان، وحتى إن نجحت في إجهاض هذه الثورة فإنها لن تستطيع وقف حركة التاريخ التي ستعيد مصر إلى مكانها الطبيعي بين العرب وبعيدا عن أحضان إسرائيل.