لم يعد شباب اليوم يهتمّ بوقته أين يقضيه وفيما يستغلّه، رغم أنّه مستقبل المجتمع وإذا غابت طاقاته وخدماته لا يمكن الحديث عن الغد والمستقبل، والبارز في مجتمعنا اليوم هو استحواذ المقاهي والأماكن العامة على معظم أوقات شريحة واسعة من الشباب، بسبب قلة المرافق الضرورية في بعض المناطق وانعدامها في أخرى. »الوقت كالذهب إن لم تغتنمه ذهب«، »الوقت كالسّيف إن لم تقطعه قطعك« »الوقت كالماء ان لم تشربه ابتلعك واغرقك واتلف حياتك« ، هي عبارات وحكم كثيرا ما نسمعها متداولة بين النّاس، ترمي في مجملها إلى أهميّة الوقت وضرورة استغلاله فيما ينفع، لكنّ الواقع يقول عكس ذلك إذ نادرا ما نجد أشخاصا يتحكّمون في وقتهم بشكل منظّم ويضعون برامج لحياتهم حتّى يستغلوا كلّ برهة منها في ما يدرّ عليهم بالمنفعة. تضييع الوقت هو تضييع للحياة، والسيطرة عليه هو سيطرة على الحياة، الأمر الذي تغاضى عنه الكثيرون، خاصّة الشباب الّذين يقضون أوقاتهم في الترهات عوض استغلاله فيما يخدمهم ويخدم أمّتهم، فالعديد منهم ،خاصّة العاطلين عن العمل، تجدهم لا يبارحون المقاهي والأماكن العموميّة ومقاهي الانترنت دون أي منفعة تذكر، أين يمضون ساعات غير مبالين بقطار الحياة الذي سيفوت أغلبهم حتما ولن يتداركوه. »مجيد« شاب في العقد الثالث من عمره قابلناه بحديقة عامّة بضواحي العاصمة أطلعنا أنّه منذ تركه لمقاعد الدّراسة في سن الخامسة عشر وهو يرتاد الحدائق يقضي فيها نهاره متنزّها وأضاف قائلا »لم أجد عملا يناسبني، فأصبحت أتنقل في الشوارع وأرتاد الأماكن العامة أين أقابل أصدقائي ونمضي وقتنا هناك« كما أنه لا توجد مراكز تكوين أو قاعات رياضة في منطقتنا. غير بعيد عن تلك الحديقة التقينا بسمير وهو خارج من مقهى للانترنت فاستوقفناه وعلمنا منه أنّه طالب في الثانوية يقضي كل أوقات فراغه في مقاهي الانترنت يبحر في الشبكة ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة في فترة العطلة، حيث لا يكون مقيدا بالدراسة. شباب آخرون من أمثال »مجيد« و»سمير« يملأون الشّوارع والمقاهي التي لا تخلو منهم حتّى ساعات متأخرة من اليوم، الأمر الّذي تأسّفت له» راضية« أستاذة بالطور الابتدائي حيث قالت» خسارة كبيرة أن يمضي شباب اليوم أوقاتهم في المقاهي، خاصّة في ظل وجود البدائل التي من شأنها ترقية مستقبلهم، فمراكز التكوين فاتحة أبوابها أمامهم وتعرض عليهم عديد الأنشطة والتخصّصات لكن الأغلبية في حالة عزوف«. ذلك هو حال »حميدو« صاحب العشرين عاما الذي لا يبارح مقاهي الحي الذي يقطن به بعد أن ترك دراسته وعمله وتفرّغ للعب »الدّومين« والحديث عن الرياضة والسياسة، كما علمنا منه أنّه ترك مركز التكوين بعد شهر من التحاقه به. »عمر« هو الآخر لم يسطّر أي برنامج لحياته، ويقول أنّه لا يستطيع التحكم في وقته ويجهل كيفية تنظيمه، كما اعترف أنّه لا يقدّر قيمة الوقت ما سبّب له عدة مشاكل مع أهله الّذين يطالبونه بملء وقته بما يفيده عوض كثرة النوم وتمضية ساعات في الشارع والمقاهي. قلة المرافق وراء استفحال الظاهرة العديد من الشباب الذين قابلتهم »صوت الأحرار« أجمعوا على أنّه لا توجد أماكن يقصدونها ليمارسوا أنشطة معينة، حيث أكّدت لنا »نورة« التي تقطن بحي شرق العاصمة أن بلديتهم لا تتوفّر على أية مرافق تخدم الشباب »فلا توجد قاعة للرياضة ولا مركز للتكوين المهني الأمر الذي جعل شباب المنطقة لا يبارحون المقاهي والشوارع وكل ما يجيدونه هو معاكسة الفتيات«. ويشاطرها الرأي» كريم« الذي طرح مشكل قلة المرافق التي من شأنها تعويض الفراغ الرهيب الذي يعاني منه هو وأبناء حيّه، فمراكز التكوين ينبغي أن تتنوع بها الأنشطة لكي يجد كل شاب متنفسا له يجعله لا يضيع وقته في أشياء لا يجني منها منفعة، إضافة إلى قاعات الرياضة التي تساهم في تهذيب سلوكات الشباب وتساعد على قتل وقت الفراغ أيضا. تضييع الوقت يتنافى مع ثقافة المؤمن في ذات الموضوع تحدث عبد الكريم ليشاني، مدير المركز الثقافي الاسلامي لولاية بومرداس حيث قال أنه توجد العديد من الآيات القرآنية والأحاديث التي تحث على ضرورة استغلال الوقت فيما ينفع، ويمكن أن ننطلق من الحديث الذي يعرفه الكثيرون لكن الظاهر أن معناه الحقيقي مغفول إذ يقول الرسول صلّى الله عليه وسلم زلا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ ز وهذا يعني أنّ الإنسان يُسأل عن شبابه ووقته فيما أفناه فإن استغله فيما ينفع دينه وأمته ووطنه كان حسابه يسيرا. واعتبر محدّثنا الفراغ نعمة في حالة ما إذا تم استغلاله جيدا وعرج قائلا »الكثير من الناس لا يدركون القيمة الفعلية للوقت، إذ منهم من يندم مثلا على عدم حفظه لكتاب الله في شبابه أين كان له متسع من الفراغ«، وأكّد أن ثقافة استغلال الوقت معطلة بمجتمعاتنا العربية. كما أشار محدثنا إلى ضرورة التفرقة بين المرافق التي تعود بالفائدة وبين تلك التي لا تنفع، »ما الجدوى من اهدار الوقت في الشارع أو المقهى وتمضية ساعات في القيل والقال«، وبالنسبة لمقاهي وفضاءات الانترنت فهناك من يقصدها للانتفاع والتنقيب عن أشياء هامة في إطار الفائدة كما هناك من يفضل الدردشة لساعات طويلة ما يعتبر هدرا ومضيعة للوقت وأسلوبا يتنافى مع ثقافة المؤمن، وعن الحدائق العامة -يضيف- »لو رجعنا للتاريخ لوجدناها إحدى أهم وسائل الترفيه والتنفيس والمعالجة النفسية فلو كان هذا هو مقصد مرتاديها فلا حرج، أما إذا كان للتسكع والتربص بالناس والقيام بممارسات تتنافى مع الدين والمبادئ والقيم فهذا هدر حقيقي للوقت يحاسب عليه«. تبقى التوعية والتحسيس من أهم الحلول وأنجعها، وهذا دور ومسؤولية الجميع بما فيه الأسرة التي تعتبر كيانا هاما يشترط أن تعمل إلى جانب مؤسسات المجتمع الأخرى التثقيفية، الدينية والتعليمية، على خلق البدائل التي من شأنها جذب واستقطاب الشاب وحثّه على الاستثمار الحقيقي لينال ثمرة استغلال الوقت وملئ الفراغ.