في ظل نقص الرقابة على مرتاديها.. الشباب ومقاهي الأنترنت.. إدفع واطّلع على ما تريد..! لم يكن الكلام عن الإنترنت في السنوات السابقة داخل الأسر الجزائرية كما هو عليه في الوقت الحالي، "الأيام" ارتأت تناول الموضوع باختيار باتنة كنموذج، حيث أن العديد من مواطني الولاية المذكورة يعتقدون أن الأمر ليس سوى ثورة سريعة لن تلبث أن تخمد لتعود الحياة إلى مسارها الطبيعي العادي بالاعتماد على الورقة والقلم، والأكيد في عموم القول أن هناك أمورا كثيرة قيلت وكتبت عن الإنترنت، وشيئا فشيئا تحولت هذه التكنولوجيا إلى فضول، ومعها سعى كل فرد من العائلة الواحدة وراء اكتشاف خبايا وأسرار هذا العالم، وكذا طرق الاستفادة من أجل توظيفها كل حسب حاجته، ولقد لوحظ وقتها إقبال كبير من قبل جموع المواطنين من مختلف الشرائح عليها، غير أن انبهارهم بها خلق بنفوسهم نوعا من الإدمان يصعب حقا علاجه حتى لا نقول يستحيل ذلك كلية. ومع هذا الانتشار الواسع والسريع لهذه الخدمة ظهرت العديد من المكملات والمتممات، ومنها ما يعرف ب"مقاهي الانترنت"، والتي تمكنت من جلب عدد كبير من المواطنين خاصة منهم فئة الشباب الذين تعلقوا بهذا الفضاء الواسع لدرجة أن أصبح تصفح الانترنت ظاهرة تستحق البحث والتحليل ولو بالنزر اليسير، و"الأيام" من جهتها حاولت أن تلقي الضوء على الظاهرة، وأخذت الشباب "الباتني" كعينة لمعرفة الأسباب التي تدفعهم إلى استعمال خدمة الانترنت ونوعية الخدمات التي يودون الحصول عليها منها إلى جانب استقراء آرائهم حول هذه الخدمة المتطورة إيجابياتها من سلبياتها. الاستخدام العقلاني للأنترنت لن يضر على الإطلاق عرفت ولاية باتنة خدمة الانترنت في أواخر التسعينات، لتنتشر فيما بعد عبر مختلف بلديات الولاية، حيث كان هدف أصحاب مقاهي الانترنت من وراء افتتاحها الحصول على الربح، وذلك من خلال المزج بين خدمتين اثنتين، خدمة المقاهي التقليدية من جهة وخدمة الإيجار في شبكة الإنترنت من جهة أخرى، في الوقت الذي تجد فيه غالبية الشريحة الشبانية ضالتها للتسلية من نوع خاص يصعب مقارنتها بسواها، وحسب الآراء المستقاة من الميدان فإن ظاهرة الإقبال على مقاهي الانترنت بحد ذاتها لن تحمل الجوانب السلبية في حالة توظيفها فيما يناسب ويفيد أي بشكل عقلاني، لكن الخطير في الموضوع أن تتحول هذه المقاهي إلى مواقع للتجمعات غير المجدية لبعض الشباب، أين يعمدون فيها إلى استغلالها استغلالا سيئا للغاية، وذلك لأجل الدردشة ولاشيء غير ذلك، فلا أهداف جدية من وراء ذلك ولا منافع يسطر لتحقيقها في الأفق، شريحة ليست بالقليلة تلج هذا العالم فقط لأجل الاطلاع على المواقع الجنسية بعيدا عن الرقابة التي تمارسها الأسرة. 70 بالمائة من مرتادي الأنترنت أعمارهم لا تزيد عن ال30 عاما أشارت بعض الإحصائيات التي تحصلت عليها "الأيام" عليها من خلال البحوث الميدانية للباحثين الجامعيين انطلاقا من رسائل الدكتوراه والماجستير التي نوقشت العام الماضي، أن معظم مرتادي مقاهي الانترنت هم من فئة الشباب، وقد أثبتت إحصائية وزعتها طالبة في الماجستير العام الماضي على عدد من مقاهي الإنترنت أن 70 من مرتادي هذه المقاهي أعمارهم لا تزيد عن 30 سنة، فيما قالت إحصائية أخرى أن 85 بالمائة من مرتاديها في سن خطرة وحرجة جداً، وهذا بدوره سيؤدي حتما إلى نتائج خطيرة على شخصية أولئك الأفراد مستقبلا ووقتها لن ينفع الندم، وتضيف القراءة للأرقام أن معظمهم يلجأ إلى هذه المقاهي لأجل الدردشة فقط رغم درايتهم ويقينهم بأنهم لا يعملون إلا على تضييع وقت ثمين من أعمارهم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الظاهرة أصبحت جد خطرة حيث تستلزم العثور على بدائل تمكن الشباب من قضاء أوقات فراغهم فيها، بدلا من إضاعة المال والوقت والأخلاق في استخدام الأنترنات استخداما غير مفيد إطلاقا!. لهذه الأسباب يقبل الشباب على مقاهي الأنترنات.. أصبح شباب هذه الأيام يندفعون إلى هذه المقاهي لأسباب متنوعة وفي مقدمتها الفراغ الطويل الذي يطبع يومياتهم خاصة منهم الفئة البطالة وهو حال الشبيبة في الجزائر كلها، وهناك من يرى فيها مهربا من الأعمال الجادة رغم ما تحمله عليه من فائدة مستقبلا، ويأتي بعد هذا أسباب أخرى لها علاقة مباشرة بإدمان استعمالها في أمور غير مفيدة البتة، ومنها عدم القدرة على اقتناء جهاز الكومبيوتر بفعل غلاء سعره من جهة وتردي الأوضاع الاقتصادية من جهة أخرى. هذا إلى جانب صعوبة الحصول على خدمة «النت» من قبل بعض المواطنين، خصوصا أنها تستلزم وجود خط هاتفي علما أنه خدمة لا يحوزها كل المواطنين، خاصة في الأحياء الشعبية وكذا المجمعات السكانية التي تم إنجازها حديثا، لكن عموما هذه الخدمة بدأت تنتشر وتتوفر وإن كان بنسب متفاوتة خاصة بعد قرار تخفيض سعر الاشتراك في خدمة «النت»، ومن بين الأسباب أيضا سعي الكثير من الشباب إلى البحث عن الخصوصية، والواقع يؤكد أن هناك من العائلات من تمتلك ببيوتها أجهزة كمبيوتر مدعمة بخدمة «النت»، غير أنه وبحكم أن العائلة محافظة فهذا سيمنعهم بالضرورة من الدردشة أو الاطلاع على المواقع الإباحية أو الجنسية هناك بارتياح، وهو ما يجعل ذلك الشاب مجبرا على التوجه إلى مقاهي الانترنت، وفي هذا الصدد نشير أن معظم مقاهي الانترنت بولاية باتنة مهيأة لذلك من جو شاعري وأضواء خافتة وتجهيز مميز للمكان، بحيث لا يطلع أحد على الجالس أمامه، وبساطة يمكن القول أن المقهى الذي لا يمكن أن يوفر مثل تلك الظروف والخصوصية التي يبحث عنها مثل هؤلاء الشباب لن يعرف تحقيق أرباح ولو بشكل يسير، هذا وإن للاستئناس بالأصدقاء والبعد عن جو المنزل يد في ذلك من خلال إمكانية مواعدة الأصدقاء والتواصل والإبحار رفقتهم دون الشعور بالخجل مما يفعلون، وزيادة على الأسباب السالفة الذكر يتجه الكثير من المستخدمين لشبكة الإنترنت إلى مقاهي الأنترنات على اعتبار أن بوسع غيرهم أن يتعرفوا عليهم فيما لو استخدموا أجهزتهم الشخصية، ومن ثمة فإنه وفراراً من انكشاف أفعالهم المخزية يلجؤون إلى هذه المقاهي لتقيد جرائمهم ضد مجهول، ويظهر هذا جليا مع البنات ذوات العلاقات أو الباحثات عن اللهو وما شابه، وهذا ما استقرأناه في آراء بعض الشباب الجامعيين الذين التقيناهم، حيث أكدوا لنا أن هناك العديد من العلاقات التي تحققت فعلا والتي كانت بدايتها عن طريق الانترنت وخاصة التي تمت عن طريق برنامج يعرف ب"السكايب"، وهذا دون أن ننسى أسباب قوية أخرى لها وقعها في ذلك ومنها إهمال الآباء وعدم مراقبة الأسر لأبنائها بحجة أنهم يثقون كل الثقة في تصرفاتهم. 70 بالمائة من الشريحة الشبانية مدمنون على مواقع المحادثة السؤال الذي يطرح نفسه والذي من شأنه أن يبين وضعية هذه المقاهي ومدى نفعها من ضررها، ما هي أكثر المواقع تصفحا من قبل مرتادي مقاهي الانترنت ؟ في إستبانة قدمها أحد خريجي قسم علوم الإعلام والاتصال بتخصص السمعي البصري بجامعة باتنة عن نوعية المواقع التي يدخلها الشباب في المقاهي، كانت النتيجة أن 70 بالمائة يقضون أوقاتهم في مواقع المحادثة، وأن 13 بالمائة من المستخدمين للمواقع الثقافية، و10 بالمائة للمواقع الطبية والحاسوبية والتجارية، و7 بالمائة للمواقع السياسية، وقد أجمع أصحاب تلك المقاهي أن أكثر ما يبحث عنه الشباب خصوصا والمرتادون بكثرة عليها على وجه الخصوص "المحادثة". وعقب ذلك كانت وجهتنا الشريحة المقصودة، كانت لنا دردشة مع الشاب "وليد" صاحب 23 ربيعا، وهو خريج قسم الترجمة بولاية باتنة فقال باختصار: «بصراحة أحضر هنا للدردشة، تبدو مسلية للغاية، وكوني أجيد اللغة الفرنسية جيدا فأنا أحب أن أحاور الفرنسيين تحديدا»، أما "سعدان" 23 عاما فقد صرح قائلا:«أحضر هنا للدردشة بالدرجة الأولى، أحاول أن أفعل أشياء أخرى لكن مشكلة اللغة تقف حاجزًا أمامي، لأن المواقع التي أريدها هي بلغة أجنبية وأنا ضعيف في اللغات الأجنبية»، من جهتها "راضية" وهي طالبة في الجيولوجيا أبدت اشمئزازها مما تراه خلال ترددها على مقاهي الإنترنت قائلة : «لا أعرف لماذا يحب بعض الشباب الاطلاع على الصور الإباحية الصارخة»، وقالت "لويزة" ابنة ال21عاما: «شبكة الإنترنت فتحت لي آفاق المعرفة وأبواب الحرية على مصراعيها، وأكملت جوانب أفتقدها في الواقع، لكنها في المقابل وضعتني في اختبار مستمر أمام نفسي...في بعض الأحيان أدخل إلى الإنترنت بعد منتصف الليل ويكون جميع أفراد أسرتي نائمين، أذهب إلى غرف المحادثة للتعرّف على أصدقاء جدد لهم نفس اهتماماتي». أصحاب المقاهي يعملون بمنطق «إدفع واطّلع على ما تريد» في حديث مع بعض أصحاب المقاهي أكدوا لنا أنه ليس لهم دخل فيما يتصفحه الزبون بمعنى «ادفع واطّلع على ما تريد»، حيث أكد لنا "لخضر" وهو مالك لإحدى المقاهي بولاية باتنة أنه شاهد عددا كبيرا من الشباب يقبلون على الاطلاع على عدة مواقع جنسية بحتة، لكنه يرى أنه لا يمكن منعهم من رؤية ما يرغبون، واكتفى بالقول ليست مهمتي أن أقوم بتربية الشباب، أما "النوي" الذي يشتغل بنفس النشاط أفاد قائلا: «إن الشباب الباتني يتجه بشكل كبير إلى مواقع المحادثة المختلفة، يأتي بعدها مواقع البريد الإلكتروني، ثم مواقع محركات البحث، خاصة "غوغل" و"ياهو"».
الأنترنت سلاح ذو حدين لا يستطيع أحد أن يجحد الفوائد التي يمكن أن يجنيها البعض من خلال تلك المقاهي، كالبحث العلمي، إرسال رسائل بريد إلكتروني سريعة، والاطلاع على الكتب الحديثة والمكتبات العالمية الضخمة، وإنجاز البحوث العلمية الحديثة ما إلى ذلك، ولكن لما كان جل الاستخدام في غير ذلك كان إثمها أكبر من نفعها، فالانترنت سلاح ذو حدين فذا أحسن الشباب كيفية استخدامه واستغلاله تكون هذه التكنولوجيا ذات أدوار ايجابية في تنمية قدراتهم وخبراتهم ومعارفهم، لكنهم في حالة ما أساؤوا توظيفها فلن يجنوا من وراء ذلك غير خراب النفوس من خلال الاطلاع على المواقع التافهة خاصة الإباحية منها.