استقالة الصحافي غسان بن جدو من قناة الجزيرة وجد فيها البعض فرصة للانتقام من القناة المشاغبة، ودليلا على قلة مهنيتها وعدم حيادها، وهكذا أصبح ضرب مصداقية هذه القناة هدفا لكثير من وسائل الإعلام في البلاد العربية. في الجزائر اعتبرت الاتهامات التي وجهها المجلس الانتقالي للسلطات الجزائرية بدعم نظام القذافي سببا كافيا للتهليل لاستقالة بن جدو حتى وإن كان هذا الأخير لم يفصح عن سبب واضح لاستقالته ولم يقل صراحة أنه تعرض للتضييق أو تلقى توجيهات قيدت حريته أو اضطرته إلى التخلي عن أخلاقيات الصحافة أو أرغمته على تشويه الحقائق أو إخفائها. وفي سوريا ولبنان واليمن وبلاد عربية أخرى كانت استقالة بن جدو الدليل الذي طال انتظاره لإثبات ارتباط الجزيرة بالمشروع الأمريكي الصهيوني، وتحولها إلى سلاح في يد حكومة قطر المتحالفة مع الأمريكان، وهناك أكثر من حكومة عربية تشعر بأنها على وشك تحقيق أول نصر على هذه القناة المزعجة، وفي كل هذا لم يطرح أحد السؤال كيف يمكن لقناة تلفزيونية أن تكون سببا في هذا التحالف الغريب الذي أصبح يجمع حكومات مستبدة ودعاة حريات وصحافيين يحملون لواء حرية التعبير. لم تكن الجزيرة في يوم من الأيام أكثر من قناة تلفزيونية، ولا وجود لقناة تلفزيونية مستقلة أو حرة بشكل مطلق، فالقناة مملوكة للحكومة القطرية ومن الطبيعي أن ينفق القطريون أموالهم دفاعا عن سياساتهم، والمشكلة هي أن الآخرين ينفقون المال دون أن يكون لهم صوت يسمع، هم يملكون قنوات تلفزيونية لكنها فاقدة للمصداقية، والجزيرة تحولت إلى غول مخيف للحكومات المستبدة لأنها استفادت من هامش حرية أكبر من ذلك الذي توفره الأنظمة البالية في البلاد العربية، وأفضل حل لإثبات تآمر هذه القناة وقلة مهنيتها هو إنشاء قناة مماثلة لها تكون قادرة على تقديم الوجه الآخر للحقيقة، وهذا هدف عصي على أولئك الذي يطلبون منا كل يوم أن نكف عن مشاهدة الجزيرة. منذ عقد ونصف والحكومات العربية تلعن الجزيرة، ورغم طول المدة لم ينصرف الناس عن هذه القناة، بل تعود المسؤولون على الحديث إلى الجزيرة كلما أرادوا أن يسمعوا صوتهم، فرجاء اجعلوا لها ضرة ولا تلعنوها.