خصصت الحلقة الثالثة السابقة لرأي الاتجاه الأول، الذي يمكن تلخيصه من جهته الأولى، إلى حنين العودة بعجلة التاريخ إلى حوالي نصف قرن من الزمن، حيث كانت بداية استنشاق نسيم الحرية والاستقلال، هذه المرحلة عرفت مغامرات الزعامة كان دافعها عدم الرضا بتوزيع المهام والاختصاصات الشرعية لاستلام القيادة، بعد إنهاء مهام الحكومة المؤقتة،أما الجهة الثانية فهي تتعلق بتيار انتهازي بامتياز هدفه إخفاء الأزمة السياسية التي يتخبط فيها حزبه والذي يشبه إلى حد كبير الملكية الخاصة المقرونة بالديكتاتورية والتعسف، ومن اجل التستر على هذا الجحيم ، فلا تبالي قيادة هذا الحزب بإراقة الدماء في البلاد وانتشار الفوضى ولو على حساب الوحدة الوطنية، فالغاية تبرر الوسيلة.. وأنا أحاول جمع القواسم المشتركة بين الذين يجمعهم هذا الرأي، وجدت انسب عنوان معبر يتمثل في عنوانين فرعيين: الأول: مؤتمر وطني بخمس نجوم، الثاني : وشهد شاهد من أهلها. مؤتمر وطني بخمس نجوم (نصائح) استنادا إلى الوصفة آو النصائح الخمسة التي تقدم بها صاحبها ضمن مراسلته إلى أعلى مؤسسة دستورية، والتي تناولتها بعض الصحف الوطنية، تحت عنوان"مؤتمر وطني يناقش قضايا الإصلاح بخمس نصائح.." تشمل هذه الإصلاحات المجالات التالية، الإصلاح السياسي، الإصلاح الاقتصادي، الإصلاح الاجتماعي، الإصلاح التعليمي والإعلامي، والإصلاح الإداري والقضائي..، وغير بعيد من هذا الطرح وهذه النصائح تتعالى بعض الأصوات لرؤساء حزيبات بعضها اندثر ،وبعضها يبحث منذ مدة عن فرصة للظهور أمام الرأي العام، لإثبات الوجود على الأقل في الساحة الوطنية من حيث العنوان ليس إلا... إذا ما تفحصنا هذه النصائح كحجج للمطالبة بعقد مؤتمر جامع يكون موضوع الإتفاق والتوافق فيه ما هو مذكور أعلاه ،وبغض النظر عن معرفة خلفيات ودوافع هذه المراسلة وهذه النصائح والمطالب. هذا الاجتهاد وهذه الإصلاحات المعلنة اعتمدها صاحبها كذريعة لطلب مؤتمر وطني يجمع كل الأحزاب وكل أطياف المجتمع المدني ،والشخصيات السياسية المهتمة والطامحة والطامعة والتي أصبح يجمعها إطارا يسمى بالتنسيقيات.وشعاره مستنسخ من بعض الشعارات التي تروّجها الوسائل الإعلامية العربية المأجورة والتي تحول البعض منها إلى أداة حرب إعلامية ودعائية وتحريضية للمزيد من الفتن والاقتتال بين أفراد الشعب الواحد تحت عناوين " الانتقال السلس للسلطة، التغيير الجذري، الإصلاح الهادئ، مقاومة الطغيان، إسقاط النظام الخ.." بهذه النصائح وهذه الدعوى وهذا الجمع الحاشد ، يتحقق العلاج بقدرة قادر على ما يتوهمون..يا سلام على هذا التفاؤل، وهذا الإبداع، وهذه السذاجة... الحمد لله أن هذه النصائح اوهذه الإصلاحات الخمسة التي يكون بلا شك قد تجشم صاحبها بعض الوقت الثمين والتعب المنهك لجمعها وتحيينها..الخ من باب الإنصاف ولأهمية هذه الاقتراحات لم تهملها، هي، وغيرها مما لم ينتبه إليه الناصح مطلقا، مؤتمرات ولوائح حزب جبهة التحرير الوطني منذ برنامج طرابلس في شهر جوان 1962. إلى المؤتمر التاسع عام 2010. كان بإمكان الناصح حتى يعطي لمطالب الإصلاح التي تفضل بها مصداقية أكثر أن يعدد ما لم يكن محل برمجة أو ذكر أو مالم يخطر على البال ولم يكن مجسدا وكان مهملا ومنسيا منذ نصف قرن مضى من الحكم، لوكان هذا المقصود لهان الأمر. فات على صاحبنا أن يدرك ربما أن ما تحقق من النتائج المختلفة طول هذه الفترة على ارض الواقع وفي جميع ما ذكر من جوانب الإصلاح المقترح يشهد عليه التطور الهائل الذي أقبلت عليه الجزائر من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها،وان تعداد انجاز كل قطاع مما ذكر قد يحتاج إلى أوراق مجلد بكامله ...، كان بإمكان المجتهد صاحب المؤتمر بخمس نصائح أن يدرس بتمعن المخطط الخماسي للسيد رئيس الجمهورية وما تناوله من تطوير وتحسين لهياكل قائمة منذ المخططات والمبرمجة من زمان نظام الحزب الواحد، مضافا إليها ما تحقق من انجازات كبيرة في مختلف المجالات منذ 1999، إلى يومنا هذا،وما يتحقق من تدشينات هنا وهناك أمام الرأي الوطني والدولي يغني عن كل نصيحة...وهل يخفى البدر؟ هل مثل هذا الواقع الذي يعرفه العام والخاص، والذي لا يقبل الجدل، تخفى حقيقته على صاحبنا ؟ أعتقد الجواب الصحيح يكمن في أن الناصح يعرف من الإنجازات التي تحققت ، مالا يعلم به غيره .. لكن للضرورة إحكام ربما ذلك قد يكون هو السند الفقهي الملائم في مثل هذه المقامات والأحوال ، و عملا بالقياس، هناك منا سبات مماثلة قد سبقه البعض ممن ينتمي إلى نفس المدرسة للإفتاء وتحيين السند الشرعي في مواضيعها ،وفي إجازة الكثير من الأباطيل، وتحليل ما هو محرم، ورفع الحرج على ما هو محضور الخ.. كل ذلك من اجل تجسيد نزوات ورغبات في حبّ السلطة وبأي طريقة كانت ولا تهم الوسيلة.. الطريقة نحو كرسي السلطة محل الحلم والتوجس والتنافس من أسفل الهرم إلى أعلاه،لا طريق له خارج احترام أحكام الدستور، ومصدر السلطة الشعب السيد وما يقرره من خلال الاختيار الحرّ طبقا لقوانين الجمهورية، وليس بالتحايل في تصوير أزمة وهمية تتطلب إصلاحات ومؤتمرات ، لاعتماد وتبنى هذه الإصلاحات، من اقتصادية وثقافية واجتماعية وإدارية ،لتصبح قاسما مشتركا موحدا للرؤى السياسية المختلفة وبمثابة ميثاق، وبذلك تتحقق معجزة وصفة العلاج... إنها مساهمة طيبة قد يشكر صاحبها وله اجروا حد في هذا الاجتهاد ... إن ما تحتاجه كل نشاطات ومجالات ومرافق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والتربوية القائمة في بلادنا منذ زمن طويل هو تثمينها والمحافظة عليها والشّد عليها بالنواجذ وبتفعيلها وتثمينها كرأسمال مادي وطني الخ .. ،أما التحسين والإصلاح فانه يكاد يكون القاعدة العامة في مسار البلاد في جميع مجالاتها ومرافقها، ولا يكاد يمر يوم ، إلا وباشرت السلطات المعنية وتبنت ما استجد من ابتكارات وتطورات لا يختلف اثنان في حقيقة مباشرة تطبيقاتها اليوم، ولعل الجزائر من الدول القليلة في العالم التي تعرف وتيرة الإصلاحات فيها حيوية وجدية وهي على قدم وساق كلما دعت الضرورة،ولعل ما يسمى بالحاسة السادسة قد زرعها الخالق تبارك وتعالى في نفوس أبناء هذا الوطن المفدى منذ مدّة. صحيح أن مرارة الترحال، وطموح المشاركة في الحياة السياسية قد تدفع بصاحبهما إلى فعل أي شيء ولو كان تافها من اجل التمركز ولفت الانتباه ،والبحث عن كرسي تحت الشمس واستئجار صندوق بريد لعنوان واضح، قد يخفف بعض الشيء من المعاناة النفسية.، ويبقى القارئ الكريم سيدا في تخيّل ما تبقى من خلفيات ودوافع سياسية، ومن تصورات أخرى وحينها يحكم على هذه النوايا والسلوكات الغريبة لمن يريدون أن يحكموننا في يوم من الأيام... وشهد شاهد من أهلهم لا يتردد في القول متتبع أو قارئ بسيط اطلع على فحوى الرسالة المنشورة في اغلب الصحف تحت عنوان"خطوات التغيير السلمي وعقد مؤتمر وطني جامع" من أن صاحبها هو من نفس النظام الذي سير دواليب الدولة ومازال كذلك منذ 1962، بل وهذا النظام بدأ قبل هذا التاريخ ،أي من تاريخ تعيين أول حكومة مؤقتة عام 1958،عيّن فيها من شاء،واختلف معها فيما بعد عندما شاء.. ولا يختلف اثنان من أن صاحب هذا التعقيب هو تلميذ يحترم أستاذه ويقدره، ولا يرى في اختلاف الرأي بدعة،ولا يفسد للودّ قضية . إن النظام محل القذف والتشويه هو الذي وضع وصادق على برنامج طرابلس، وهو الذي قام بالتصحيح الثوري عندما اقتضت ذلك مصلحة الثورة، وهو نفسه الذي قام بالتأميمات المختلفة، وهو الذي ارسي قواعد الثورة الزراعية، والثورة الصناعية، والثورة الثقافية،وثبّت عوامل الوحدة الوطنية وحصّنها،وهو الذي جسد مبادئ العدالة الاجتماعية بتطبيق الأسلوب الاشتراكي وفاء لنداء ثورة نوفمبر الخالدة، هذا المسعى لم يكن ليرضي حتى من كان ذات يوم في الصفوف الأولى من هذا النظام، وحينها كنا جنودا منضبطين لا يبحثون عن المزايا والجاه بقدر ما كان حلمنا الوحيد أن تنتصر الثورة... نبقى لكم دائنين من أنكم لم تكاشفوننا في حينها ، بما كشفتموه اليوم في شهر فيفري2011، لماذا؟ هذا النظام ربما هو نفسه من تبنى الإصلاحات بعد 1988، بعد أن هبت رياح التغيير والرحيل عن النظام الاشتراكي بعد أن ضاعت فرصة إصلاحه من خلال بعض أنصاره ومفكريه نظريا ومن خلال "البيرستريكا" والتي عبر عنها المفكر والفيلسوف الكبير روجيه غارودي في مؤلفه القيّم " منعطف الاشتراكية الكبير". لقد تفكك الإتحاد السوفيتي، وسقط جدار برلين، وتشكلت خارطة لدول أوروبا الشرقية الصديقة . إن النظام عندما اتبع سياسة الانفتاح الاقتصادي، والسياسي لم يكن استجابة لتحقيق امتيازات فئوية أو طبقية أو بضغط من الشارع بقدر ما كانت مصلحة الدولة الجزائرية تقتضي ذلك كما تمثّّلها أولياء أمرنا آنذاك. فيما علّمه لنا المسؤلون ومن سبقونا في النضال ذات يوم أن المؤتمرات الحزبية إنما تنعقد من اجل المراجعة والتقييم، للانطلاقة من جديد، وليس من اجل حملات التمجيد والتنديد كما جاء في احدي فقرات المراسلة المنشورة مع الأسف . إن الانتقال إلى النظام الديمقراطي الحقيقي كما جاء في المراسلة والذي فيما اعتقد سببا من أسباب هذه المبادرة وهذا الرأي ، كلام جميل برّاق وفضفاض، لا تنفر منه النفوس، وفيما أتذكر أن النظام الديمقراطي الحقيقي إنما وجد في اليونان وترعرع في اسبرطة وأثينا، وهي الديمقراطية المباشرة التي لا يوجد لها نظير في وقتنا الحاضر اللهم التجربة الليبية في بعض جوانبها من خلال ما يسمى بحكم الشعب أواللجان الشعبية والمؤتمرات الشعبية، وهذا التطبيق الديمقراطي الحقيقي أو المباشر هو اليوم محل ضربات قوات الناتو الجوية مع الأسف، نتمنى أن تنفرج هذه الأزمة بما يضمن بقاء هذه الدولة الشقيقة قائمة.وفيما عدا ذلك فعن أي ديمقراطية حقيقة تتكلمون، وفي أي قارة موجودة هذه الديمقراطية...؟ وما يطرح من جهة أخرى من أسئلة جدية لمعرفة الغاز هذه المراسلة ،هل حرية التعبير غائبة في الجزائر كما ورد في احدي الفقرات؟ في حدود ما اعلم أن العالم الغربي منبهر من حرية التعبير في الجزائر، ويرى فيها وفي كثيرا من الأحوال أنها أصبحت تقوم مقام المعارضة غير متقيدة بأصول الرسالة الإعلامية المتعارف عليها في التقاليد والمعاهدات الدولية، إنها حجة واهية ومردود عليها.، ولا تستند إلى الواقع.. ما المقصود من التغيير السلمي المطالب به أيضا..؟ إن التغيير السلمي فيما أتذكر قد حصل عندما وقع الانتقال من نظام الحزب الواحد والأسلوب الاشتراكي ما بين سنتي 1988/1989، ومن ذلك التاريخ دخلنا في التعددية السياسية والحزبية وحرية الصحافة، واقتصاد السوق الخ..ولا ينكر من باشروا هذا التغيير دورهم ذات يوم.. أما الخطوات المذكورة بالترتيب في الوثيقة فلا أجد لها أي مبرر ولا فائدة تتحقق من اعتمادها أو الاعتماد عليها ، وبالمقارنة إذا تأملنا الوثيقة الهامة التي جاءت بعد الأزمة السياسية الحادة في منتصف التسعينات تحت عنوان" أرضية الوفاق الوطني" بتاريخ: 14،15، سبتمبر1996، وبما ورد فيها من محاور هامة كانت محل إجماع التشكيلات السياسية، والسلطة آنذاك و تتمثل في: المكونات الأساسية للهوية الوطنية، مبادئ واطر التعددية السياسية، احترام وتجسيد مبادئ أول نوفمبر 1954، احترام الدستور وقوانين الجمهورية والالتزام بها، نبذ العنف كوسيلة تعبيراو عمل سياسي للوصول إلى السلطة آو البقاء فيها، وعدم السكوت عنه. احترام الحريات الفردية والجماعية واحترام حقوق الإنسان، التمسك بالديمقراطية في ظل احترام القيم الوطنية، تبني التعددية السياسية، احترام مبدأ التداول على السلطة عن طريق الاختيار الحر للشعب الجزائري، الديمقراطية التعددية اختيار سيد للشعب الجزائري. إذا كان لهذه الأفكار وهذه البنود ما يبررها ،وهي في عمومها منطقية وموضوعية جاءت لفترة عصيبة من تاريخ الشعب الجزائري وأعطت نتائجها، بالمقابل فان خطوات التغيير السلمي المقترحة وعقد مؤتمر وطني جامع لا تستند إلى مبرر حقيقي أو جدي، إلا ما يشبه الانتقام من نتائج المصالحة الوطنية، ونظام دولة ثورة نوفمبر الخالدة،وطموحات المخطط الخماسي العملاق والآمال المعلقة عليه والذي لن يعرف له التاريخ المعاصر نظيرا..،.لعل خلفيات هذه الاجتهادات في هذه المرحلة تحديدا غير بريئة من الحسابات السياسية الضيقة ومن اجل ترتيبات مرتبطة بالاستحقاقات التشريعية في مطلع السنة القادمة، كأرضية لما يليها من استحقاق أهم، أما التغليف بالعاطفة الوطنية وبالذكرى الخمسين للاستقلال لتمرير المشروع والرضا به كمخرج لسراب وخيال الأزمة ،فهو اجتهاد قد يكون لصاحبه اجر.، كان المفروض أن يكون الاحتفال بالذكرى الخمسين من خلال ما تحقق من انجازات منذ الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية وشبه الحرب الأهلية، ورجوع هبة ومكانة الدولة الجزائرية التي كانت في مهب الريح، ولولا لطف الله ورحمته بعباده، وتقديره للتضحيات الجسام من اجل الحرية والكرامة، وتطهير ارض الإسلام، ارض الشهداء والمجاهدين من دنس ورجس الصليبين لكانت جرائرنا اليوم في خبر كان....؟ أيعقل أن يكون الاحتفال بغير هذا الواقع الجميل...؟ ، أيعقل أن يكون الاحتفال بشبه إدانة واضحة من احد رموز هذا النظام وكأنه تكفير عن ذنب..؟، أم أن صاحبنا كان مكرها طول هذه المدة على قبول المسؤوليات التي شرفه بها هذا النظام، والذي أصبح له في الأخير منظرا وزعيما على الأقل منذ 1988...، إلى غاية منتصف التسعينات، أم أن هذه الشكوى وهذه الإدانة ما هي في حقيقة الأمر إلا محاولة للضغط وليّ الذراع من اجل...... للحديث بقية الدكتور فاضلي إدريس