عندما يتخلف العقل.. ويتقدم الجهل، يقول الحاكم لشعبه: »أحكمكم رغم أنفكم .. أو أقتلكم على آخركم«. انتهت الانتخابات التشريعية في تركيا في عرس سياسي مشهود، هنأ فيه »المنهزم« الحزب المنتصر، وتلقت قادة تركيا التهاني من كبار الدول في العالم على العرس الديمقراطي الذي شهدته تركيا. في تركيا لم يفز الحزب »الإسلامي« الحاكم، ولم ينهزم الآخرون، بل فازت تركيا كلها وانتصرت، وشقت طريق مستقبلها وسط »الديمقراطية النموذجية« في العالم. فالعلمانيون هنؤوا أردوغان على فوز حزبه بعهدة ثالثة، لكنهم قالوا بوضوح أنهم سيواصلون المعارضة ويواصلون مراقبة الحكومة. خلال مجرى الانتخابات التركية تابعت تقريرا عن الأقليات في تركيا، كلهم صرحوا أنهم يشعرون الراحة تحت حكم »الحزب الإسلامي« لكنهم قالوا أنهم يبقوا في المعارضة. و»الإسلاميون« الفائزون، لم يعلوا في الأرض، ولم يتكبروا على أحد ولم يفكروا أبدا في إقصاء الآخرين، بل دعوا إلى حكومة توافقية، وإلى تعديل توافقي للدستور. لماذا دستور توافقي؟ لأن تركيا بلد لجميع الأتراك، والدستور يجب أن يكون تعبيرا حقيقيا وصادقا عن كل تركيا. ولم يفكروا في دستور »الحزب الحاكم« كما حدث ويحدث في الوطن العربي. أردوغان وفي خضم فرحة الإنتصار، أرسل رسالة طمأنة للعالم أجمع عندما قال: »لسنا حزبا إسلاميا .. إننا حزب ديمقراطي«. وفعلا .. في نهاية المطاف يجب أن يكون الفعل الديمقراطي هو المنهج، بغض النظر عن مشربك السياسي والفكري، فالإسلاميون بإمكانهم أن يكونوا ديمقراطيين كما هو الحال في تركيا، والعلمانيون قد يكونون إقصائيين كما هو الحال في عدة بلدان عربية. في عهد »الحزب الإسلامي« الحاكم في تركيا، حققت تركيا أهم انتعاش اقتصادي في تاريخها .. فالناتج الداخلي الخام كمقياس للتطور أصبح يفوق »تريليون دولار« متجاوزا الناتج الداخلي الخام للجزائر بنحو 7 مرات. تركيا ودّعت مرحلة شخصنة النظام وتقديس الحاكم وتزوير الإنتخابات .. ودخلت مرحلة تقديس المؤسسات وتقديس صوت الشعب .. لذلك راحت اليوم تحيي الأعراس الديمقراطية السياسية. أما البلدان العربية .. التي عاشت لمدة نصف قرن أو تزيد من عمرها في عهد الإستقلال فمازالت تقدس الشخص الحاكم وعائلته والزمرة الحاكمة، ما زالت دولا بدون مؤسسات .. ما زالت السلطة التنفيذية تطغى على جميع السلطات.. ما زال صوت الشعب هو الصوت الوحيد الذي لا قيمة له.. ما زال الفساد سلطة فعلية يصعب وضع حد له .. والنتيجة .. هي هذا »الموت والخوف« الذي أضحى مخيما على كل الدول العربية وشعوبها.. في الوقت الذي تعرف فيه قوميتان كبيرتان محيطتان بالقومية العربية هما الفرس والأتراك انتعاشا مشهودا.. فإن الدول العربية تعيش المآتم .. مآتم سياسية كبيرة .. مآسي لا أول لها ولا آخر.. أنظروا لما يجري في اليمن، في ليبيا، في سوريا وغيرهم.. تخلف لا نظير له.. إنه تخلف العقل.. فهل هناك تخلف أكبر من أن يقول الحاكم لشعبه: »أحكمكم رغم أنفكم.. أو أقتلكم على آخركم«.