الاجتماع الذي عقدته المعارضة السورية في الداخل حدث مهم، ومهما اجتهد البعض في التشكيك في نوايا النظام، ومهما حامت الشبهات حول المراد من هذا الانفتاح فلا شيء يمكنه أن يغطي على حقيقة أن الخطوة مهمة وفريدة من نوعها في هذا البلد، وأهم من هذا أن الذين أقدموا على المشاركة أظهروا شجاعة تثير الإعجاب. الذين يعارضون التغيير من الداخل هم أولئك الذين تعودوا على المعارضة بالفاكس والبريد الإلكتروني، ورجل مثل عبد الحليم خدام لا شك أنه يرى أحلامه في الوصول السلطة تتبخر مع كل اقتراب من الحل السلمي والديمقراطي في سوريا، ومعارضة الخارج التي تسير بإيعاز من الجهات التي تقدم المأوى والمال لا يخدمها هذا التحول في سوريا، والإعلام الخادم للمخططات الأمريكية الإسرائيلية سيبحث عن مزيد من الزيت من أجله صبه على النار المشتعلة حتى تأتي على ما بقي من وحدة الشعب وتماسك الدولة. لم يخبرنا التاريخ عن تحول ديمقراطي جاء بتدخل الخارج، ولم يخبرنا التاريخ أيضا أن الحرية يمكن انتزاعها عن بعد عن طريق الخطابة وإصدار البيانات والسير في شوارع باريس ولندن وسيدني بينما يواجه الناس أقدارهم على الأرض دون حماية من أي جهة كانت، ومهما يكن تنازل الذين يعارضون من الداخل، ومهما يكون لين مواقفهم، فإنهم أكثر شجاعة ممن حزموا حقائبهم وذهبوا للتسكع في شوارع المدن الغربية ينعمون برغد العيش ويحولون الوطن إلىت قصة مبتذلة يحكونها وهم يرتشفون كأس قهوة أو زجاجة نبيذ في حانة دافئة. معارضة الخارج هي التحدي الأكبر الذي يواجه التحول الديمقراطي في البلاد العربية، فهؤلاء الذين اجتهدوا للاندماج في المجتمعات الغربية أصبحوا يرون أوطانهم بعيون الغرب، وكثير منهم لم يعد يعرف حاجات الناس وآمالهم وآلامهم، لكنهم يريدون أن يركبوا دماء الآخرين من أجل الانقضاض على السلطة التي طالما سعوا إليها وهم مدعومون بالغرب الذي يحركهم وفق مصالحه التي ليس ضمنها نشر الديمقراطية الحقة.