دعت منظمة الأممالمتحدةالجزائر إلى ضرورة إيجاد »حلول جدّية« من أجل معالجة »أزمة السكن« التي قدّرت بأنها استفحلت وتفاقمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، واستندت في هذا التقييم الأوّلي على بعض المؤشرات ذكرت منها »تزايد حدّة الاضطرابات« نتيجة نشر قوائم المستفيدين، وطالبت باعتماد »مزيد من الشفافية« واتخاذ خطوات جريئة قبل »تفاقم الوضع نحو مزيد من النزاعات«. اعتبرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول الحق في السكن اللائق، »راكيل رولنيك«، أن الجزائر »تعيش أزمة مزمنة في مجال السكن« وأنها »تبقى في أمسّ الحاجة إلى مراجعة السياسات العمومية في مجال إنجاز وتوزيع السكنات«، واشترطت »إشراك المواطنين وممثليهم في رسم هذه السياسات«، وأكثر من ذلك فإنها أشارت إلى أن »مظاهر هذه الأزمة واضحة من خلال الاضطرابات الاجتماعية..«. وأوردت المسؤولة الأممية في سياق الندوة الصحفية التي عقدتها أمس بمقر مكتب منظمة الأممالمتحدة في الجزائر، أن بلادنا »تعيش في عجز هيكلي مزمن للسكن اللائق موروث منذ العهد الاستعماري«، وشدّدت على أن »الوقت حان للتحوّل إلى الديمقراطية في مجال سياسات السكن«. وأضافت: »الأمور لا تسير بشكل جيد حاليا، ولكن الجزائر تتوفر على كل الوسائل للخروج من الأزمة وتحسين الإطار المعيشي..«. وفي ما أسمته ب »الأسباب المنطقية« للعجز الهيكلي الحاصل، ذكرت المتحدثة الأزمة الاقتصادية التي عاشتها بلادنا في ثمانينيات القرن الماضي وما تبعها من تداعيات الأزمة الأمنية، وهو ما حرص التقرير على إبرازه بالقول: »خلال هذه الفترة لم تكن الدولة تمتلك الوسائل لتمويل سياسية الإسكان مما ترتب عنه ظهور السكنات العشوائية والأكواخ القصديرية، وساهم صراع التسعينات، أو ما يسمى بالعشرية السوداء، في زيادة حدة هجرة السكان نحو المدن هروبا من العنف..«. ولهذا الغرض عرضت »راكيل رولنيك« في ختام زيارة لها إلى الجزائر دامت 11 يوما تقرير أوليا قالت فيه إن بلادنا، عكس بلدان أخرى، » لها أفق، أي إمكانات للخروج من الأزمة الهيكلية الموروثة منذ العهد الاستعماري«. ورغم ذلك فإنها حذرت من تداعيات بقاء الوضع على حاله »لأنه إذا استمرّ مشكل السكن وتواصل عجز الاستجابة للطلبات سيزيد ذلك في تدهور الوضع، ويفتح المجال أمام استمرار النزاعات«. وكان واضحا من تفاصيل تقرير »رولنيك« أن الحكومة تتحمّل المسؤولية بالدرجة الأولى، وبنت هذه القناعة من خلال نتائج سلسلة اللقاءات التي جمعتها مع أعضاء في الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، إلى جانب قيامها بجولات ميدانية لأحياء في العاصمة وبومرداس. واتضح ذلك من خلال انتقادها تركّز الاستثمارات العمومية بقطاع السكن »في مجال بناء وحدات جديدة للسكن تقوم على أساس توفر الأراضي العامة وشروط الاستفادة، وليس على بناء على الطلب والاحتياجات..«. ووفق تقييم المسؤولة الأممية فإنه »تمّ وضع أهداف على أساس الكمية في غياب تقييم مسبق للاحتياجات المختلفة للسكن«، وأشارت في المقابل إلى أن »الحكومة الجزائرية وضعت سياسة لم تقم على أساس الاحتياجات المختلفة للأشخاص المقيمين بسكنات غير لائقة، ولا تتضمن استراتيجيات محدّدة لمعالجة المشاكل..«. ورأت أن هذه النظرة التي كانت تنحصر إلى قوت قريب على النوع الكمي والترويج لمنتوج فريد لا يلبي الاحتياجات المختلفة الموجودة، مما أدى، حسبها، إلى »إنتاج السكن وليس تطوير السكن اللائق«. وأعابت المقرّرة الأممية على الحكومة »نُقص المشاركة والإعلام وتعميم سياسة الكم المعتمدة.. وهي سياسة تفتقر للشفافية من قبل المواطنين«، وفق تصوّرها »يتوجب بذل المزيد من الجهود في مجال الشفافية« على أساس أن »نقص هامش السرية التي تتمتع مختلف المؤسسات التي تشارك في مسار منح السكنات ترك شكوك وريبة وانعدام ثقة لدى المواطنين بدليل الاشتباكات التي تحدث عقب الإعلان عن قوائم الاستفادة من السكنات الاجتماعية«. ومن بين الانشغالات التي أثارتها »استفحال ظاهرة الطرد« التي يقدم عليها ملاك المنازل في حق المستأجرين، وهي الظاهرة التي لاحظت المتحدثة تفاقمها خصوصا منذ المصادقة على قانون الإجراءات المدنية في 2008 كونه يحمي المالكين. ولذلك فإنها اقترحت أن تقوم الدولة بتنظيم سوق الإيجار ووضع سقف لحقوق الكراء بالموازاة مع تقديم منح للسكنات الهشة وتحيين التشريعات بشكل يساعد على طرح الشقق غير المشغولة في السوق. كما قدّمت »راكيل رولنيك« اقتراحا آخر على الحكومة يقضي بإنشاء سجل وطني موحد لطلبات السكن المقدمة من قبل المواطنين مع النقاط الممنوحة لكل طالب بالسكن، حيث اشترطت نشر القائمة لتكون في متناول الجميع عبر الموقع الالكتروني للبلدية أو الدائرة أو الولاية. دون أن تخفي انشغالها من »بطء معالجة ظاهرة السكنات الهشة والتي تمتد لحوالي عشرين سنة بين الإعلان وتنفيذ الوعود«، واعتبرت أنه من الضروري أن ترافق عملية القضاء على السكن الهشّ بسياسة تهدف تحسين مستوى المعيشة في البيوت القصديرية.