تؤكد الدعوة المشبوهة على شبكة التواصل الاجتماعي الفايسبوك للتظاهر في 17 سبتمبر، الذي اختير كأول يوم لاندلاع ما سمي ب »ثورة« الشباب، صحة التحاليل والتكهنات التي تحدثت عن مشروع خبيث لنقل الفتنة إلى الجزائر، خاصة بعدما حسم الأمر تقريبا في ليبيا، وأطيح بنظام العقيد معمر القذافي، وأدخل النظام في اليمن بين فكي كماشة، علما أن التحريات قد بينت بأن أصحاب الدعوة إلى التظاهر أجانب ومصدرها هو بنغازي الليبية، وحتى وإن كانت الرؤوس التي فكرت وأطلقت هذه الدعوة غير ليبية، فإن ذلك لن يمنع من القول بان ليبيا ما بعد القذافي،بدأت تتحول من الآن إلى مصدر لضرب أمن وسيادة واستقرار الجيران وخصوصا الجزائر. وبطبيعة الحال فإن من زرع الفوضى في مختلف الأوطان العربية الملتهبة ينتمي إلى مصدر واحد، وإن اختلفت الوصفات بين تلك التي جرى تنفيذها في مصر وتونس، والتي لا يتجاوز مداها إزاحة رأس السلطة لإعطاء الانطباع بأن هناك تغيير قادر على أن تبنى عليه الدول الكبرى مستقبلا، وبين الوصفات التي جرى تنفيذها في ليبيا ويجري تنفيذها في سوريا، والتي تهدف إلى خلق أنظمة عميلة للغرب. ولم يعد خفيا على أحد أن مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا الفايسبوك ليست سوى أداة اتصال تستعمل في بعض البلدان العربية لغرض واحد أساسي هو ضرب استقرار هذه الدول، وهذا من خلال إثارة الفتن، وقد تصل دعوات للتظاهر أو الثورة في أي لحظة ومن أي جهة كانت فيتلقفها البعض عن علم وبينة، أو عن جهل، بعدما أعمى الاستبداد والتعطش للحرية الكثير من الشباب، وما عاشته ليبيا قبيل ما سمي ب »الثورة« وسوريا، واليمن وقبلها تونس ومصر هو اكبر دليل على أن شبكة التواصل الاجتماعي قد تحولت فعلا إلى مصدر لهتك استقرار وسيادة الدول في ظل تشبث الأنظمة العربية بأساليب تقليدية في الإعلام والاتصال، وصناعة الدعاية. يعود اسم الفيلسوف الفرنسي اليهودي الأصل برنار ليفي كلما أثير موضوع ما يسمى ب»الثورات العربية«، وقد يبدو للبعض أن إلصاق تهمة تحريك الشارع العربي بجهات أجنبية، أو ذكر أسماء يهودية مثلا، ينطوي على مغالطة، هدفها هو تخويف الشارع العربي وخاصة الشارع الجزائر، المعروف بحساسيته اتجاه كل ما هو فرنسي أو أجنبي، وخصوصا كل ما يتصل بنشاطات اليهود، وحساسية الجزائريين اتجاه اليهود، ليست لها أي علاقة بأي نظرة دونية أو عنصرية أو عداء ديني، بل ترتبط بالماضي الاستعماري الذي لعب فيه اليهود دورا سلبيا لصالح المستعمر الفرنسي. والواقع أن بصمات اليهود الفرنسيين كانت جد واضحة خصوصا في الفتنة الدامية التي عاشتها ليبيا، ونفس شيء يقال بالنسبة لبعض المرتزقة الذين كونوا المجموعات الأولى ممن يسمون ب»الثوار«، ومصالح اليهود في تحريك الشارع الجزائر أو مصالح فرنسا معروفة، وقد تتكلف باريس عن طريق منظرين مثل ليفي والكثيرة من العملاء في الخارج أو الداخل بتنفيذ مشروع »الفوضى الخلاقة«، في شطره المتعلق بالجزائر، وتفتيت اكبر بلد عربي وإفريقي من حيث المساحة، ومن حيث ثورته ضد المستعمر وخصوصا من حيث مواقفه المناهضة لكل أشكال الاستعمار الجديد، ومحاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني. لقد كشفت تسريبات ويكيليكس وثائق للدبلوماسية الأمريكية تؤكد على الرضا الأمريكي على الدور الذي تقوم به الرباط في إطار مساعي التطبيع بين العرب والكيان العبري، وتحدثت الوثائق عن علاقات دبلوماسية واقتصادية جد متطورة وديناميكية بين الرباط وتل أبيب، كما كشفت بان ما سمي بالبلد الأقل عداء لإسرائيل في المنطقة المغاربية استفاد من أسلحة ومن معدات تكنولوجية عسكرية متطورة من إسرائيل، ولم يكن ذلك بالمجان كما يقال، فالمغرب الذي الحق بمجلس التعاون الخليجي لن تفرض عليه »الثورة« التي استثني منها ملوك الخليج، شفعت لهم عمالتهم لأمريكا، رغم أنهم أكثر بطشا واستبدادا من القذافي ومن صالح ومن الأسد. وبطبيعة الحال لن يكفي الجزائريين أن يعلموا بأن وراء محاولات جرهم إلى الشارع مشروع فرنسي-صهيوني، ولن يكفيهم أيضا أن يقتنعوا بأن بلدهم معني بالفتنة وربما بالتقسيم، فالمطلوب أيضا هو أن تقدم السلطة ما يكفي لإصلاح الوضع ونقل البلاد نحو عهد تتوسع فيه الحريات وتتكرس الممارسة الديمقراطية، فتحصين الوضع الداخلي يضل هو الحل الأمثل لتجنيب الشعب الجزائري مسلسل دموي جديد في المستقبل المنظور.