تباينت الشخصيات السياسية التي أعلنت عزمها إنشاء أحزاب جديدة من أقصى اليمين للتيار الديمقراطي ممثلة في عمارة بن يونس والطاهر بن بعيبش، وبعض الشخصيات التي تقدم نفسها على أنها من التيار الوطني الإسلامي مثل محمد السعيد وأخرى تمثل وجوها تقليدية في التيار الإسلامي مثل عبد الله جاب، عبد المجيد مناصرة وجمال بن عبد السلام، وربما يكون التيار الإسلامي أكثر هذه التيارات عرضة للتشتت والتشرذم لما تمثله الشخصيات العائدة للساحة من ثقل وتأثير. للوهلة الأولى ومن خلال رصد لعدد الشخصيات التي أعلنت عزمها إنشاء أحزاب سياسية جديدة تبدو الخارطة الحزبية والسياسية مقبلة على تحولات مهمة؛ بالنظر للجدل التي ظل يطبع عدم اعتماد أحزاب جديدة منذ أكثر من عشرية، بالإضافة إلى حدة الخطاب السياسي الذي تتبناه هذه الأحزاب التي باتت تنتظر فقط ختم وزارة الداخلية؛ لكن قراءة عميقة في حيثيات وطبيعة الشخصيات المؤسسة هذه الأحزاب تجعل سؤالا من قبيل؛ »هل الجزائر مقبلة على تحولات حقيقية في الخارطة السياسية؟« له ما يسنده ويمنحه الشرعية. لعل أحد مشاكل الحياة السياسية في الجزائر هو عدم وجود دراسات ومعطيات علمية حول طبيعة المجتمع السياسي، إلى جانب غياب تقسيم واضح للتيارات والعائلات السياسية، ومع ذلك على امتداد عقدين تقريبا وهو عمر التجربة الديمقراطية في الجزائر تشكلت ملامح كتل وتيارات سياسية اتضحت بشكل كبير من خلال المواقف والأفكار التي يطرحها كل حزب. التيار الوطني.. لا تغييرات جذرية في الوعاء الانتخابي بشكل عام يمكن أن نقسم الخريطة الحزبية في الجزائر إلى ثلاث تيارات رئيسة ؛ التيار الوطني وهو الغالب والأكثر انتشارا تاريخيا وشعبيا ويعتبر حزب جبهة التحرير الوطني الممثل الأول ويكاد يكون الوحيد لهذا التيار، إلا في بعض التقاطعات الظرفية مع بعض الأحزاب الإسلامية في مواقف قومية وإسلامية، والتيار الإسلامي وهو ثاني التيارات السياسية انتشارا في الجزائر ويمثله حمس والإصلاح والنهضة، وأخيرا التيار الديمقراطي وهو يجمع العديد من الأحزاب وعلى رأسها التجمع الوطني الديمقراطي وحزب العمال والأفافاس والأرسيدي وبعض الأحزاب الأخرى الصغيرة نسبيا من حيث التمثيل والحضور على الساحة السياسية. وبعودة إلى العناوين الحزبية الجديدة التي تقدمت بطلبات اعتماد وبنظرة سريعة في السير الذاتية لأصحابها يمكن الوقوف على ما يلي: بالنسبة للتيار الوطني لا يتوقع أن يشهد تغيرات جذرية في وعاءه الانتخابي والسياسي، لأن أغلب الأحزاب الجديدة التي تنتظر الاعتماد تبدو بعيدة نسبيا عن تبني خطاب وطني بالمعنى السياسي التقليدي، رغم أن شخصية مثل »محمد السعيد« مؤسس حزب الحرية والعدالة يحاول أن يقدم نفسه على أنه أقرب للتيار الوطني منه للتيار الإسلامي ولطالما حاول رد التهم التي تنسب لأنصاره ومؤيديه على أنهم من قاعدة الحزب المحل. التيار الديمقراطي..تهديدات جادة أما بالنسبة للتيار الجمهوري الديمقراطي فالأمور تبدو متلبسة بعض الشيء ؛ لأن هذا التيار بالأساس بنيته السياسية والفكرية متداخلة والحدود الفاصلة بين أقصى اليسار الذي يمثله حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية وأقصى اليمين الذي يمثله حزب على غرار الأرندي كبيرة وتكاد تصل الأمور داخل هذا التيار إلى حد الصراع والتصادم أكثر منه التوافق والتكتل في تيار سياسي موحد، وبالتالي فإن الجزم أن حزبا بعينه يمثل الامتداد الأوسع على المستوى السياسي لهذا التيار كلام غير دقيق، كما أن التمثيل الانتخابي لهذا التيار متباين ومتذبذب وهناك أحزاب مثل الأفافاس ظلت لفترة طويلة تعتمد خيار المقاطعة، وبالتالي من الصعب الحكم على التأثير الحقيقي لهذا التيار على الحياة السياسية والانتخابية. ورغم ذلك يمكن القول إن شخصية مثل عمارة بن يونس يظل عمليا أقرب لأطروحات هذا التيار، وأيضا الطاهر بن بعيبش الذي سبق أن تقلد منصب الأمين العام للأرندي قبل أن تتم الإطاحة به وبما كان يتبناه سابقا من أفكار وبرامج يمكن تصنيفه ضمن التيار الجمهوري الديمقراطي حتى وإن كان يتحفظ لحد الآن على طرح أفكار وبرنامج حزبه الجديد. وبالتالي يمكننا القول أن الوعاء الانتخابي لهذا التيار معرض أكثر للتشتت والانقسام بالنظر إلى أن الشخصيات التي تقدمت بطلبات أحزاب جديدة والقريبة فكريا وسياسيا من هذا التيار لها مناصريها وحضورها ، لأنهم جميعا سبق وأن كانوا في مناصب قيادية داخل أحزاب معروفة؛ سواء تعلق الأمر بعمارة بن يونس أو الطاهر بن بعيبش. التيار الإسلامي.. المعركة الكبرى إذا كان التيار الوطني غير معرض نسبيا لأي تشتت أو تغيير جذري والتيار الجمهوري الديمقراطي منقسم أصلا وقواعده الانتخابية موزعة بين الأرندي والأفافاس وحزب العمال والبقية تتقاسمها بقية الأحزاب المنضوية تحت لواء هذا التيار وحتى حزبي عمارة بن يونس والطاهر بن بعيبش لا يتوقع أن يشكلا اختراقا جديا في هذا التوزيع ، على الأقل في المدى القريب، فإن المعركة الكبرى من المتوقع أن تكون في قواعد التيار الإسلامي، خصوصا مع إعلان شخصية جدلية مثل عبد الله جاب الله نيته إنشاء حزب إسلامي جديد وكذلك عبد المجيد مناصرة المنشق عن حركة حمس ، بالإضافة إلى جمال بن عبد السلام الأمين العام السابق لحركة الإصلاح ، دون أن ننسى حزب محمد السعيد الذي يراهن أيضا على التيار الإسلامي الوطني. وبالنظر للمعطيات آنفة الذكر يمكن القول أن قواعد التيار الإسلامي الذي كان حكرا على حركة مجتمع السلم بشكل أساسي وحركة الإصلاح وحركة النهضة بشكل أقل، سيكون الأكثر عرضة للتشتت، وستكون المنافسة بين حزب جاب الله ومناصرة من جهة وحركة حمس من جهة ثانية على أشدها؛ خاصة إذا وضعنا في الاعتبار الهزات العنيفة التي عرفها بيت حركة الراحل محفوظ نحناح وصراعها الكبير مع شريكيها في التحالف الرئاسي الأرندي والأفلان وأيضا موقفها الملتبس من بعض القضايا الإقليمية والمحلية مما جعلها تخسر الكثير من رصيدها السياسي والانتخابي الذي أسسه زعيمها التاريخي محفوظ نحناح. لكن بشكل عام وباستثناء الهزات والتحولات التي قد تطرأ على خريطة التيار الإسلامي، فإن الخريطة الحزبية في الجزائر وبعد اعتماد الأحزاب الجديدة، على الأقل التي أعلنت نيتها في طلب الاعتماد، لا يتوقع أن تشهد تحولات جذرية ومفصلية ، بالنظر إلى أن كل الوجوه التي تقدمت إلى طلب اعتماد أحزاب جديدة هي من الجيل القديم والذي سبق وأن جرب حظوظه الانتخابية وهي معروفة سلفا لدي الناخب والمتتبعين للشأن السياسي.