كان أمة في رجل..فقدنا رجلا عظيما..إنه في الجنة... عبارات وأخرى كثيرة تردد صداها على أسماعنا ونحن نلج بيت الراحل، الأستاذ عبد الحميد مهري بحيدرة، دقائق قبيل نقل جثمانه إلى مقبرة سيدي يحيى حيث ووري الثرى، في جو جنائزي مهيب، يليق بمقام رجل أفنى عمره في خدمة الجزائر والأمة الإسلامية. وصلنا بيت عبد الحميد مهري على الساعة الثانية والنصف زوالا، اقتربنا من مسكنه بحيدرة بخطوات متثاقلة، كانت حشود المعزين تتوافد، حينها أدركت أنني سأعود اليوم إلى مقر الجريدة وليس بحوزتي سوى كلام المعزين وشهادات العارفين بخصال الراحل ومناقب الراحل سي عبد الحميد، فتغطية هذا الحدث لم تكن مثل بقية التغطيات لأنها لجنازة رجل مجاهد ومناضل ومخلص لله والوطن. ولحظة ولوجنا إلى بيت الفقيد لتعزية ذويه في مصابهم، وجدنا نعزي أنفسنا أيضا، لم نجد من الكلمات التي تعبر عما كان يختلج في صدورنا سوى الرضا بقضاء الله وقدره، والترحم على المجاهد عبد الحميد مهري. كانت جموع المواطنين ورفقاء الفقيد في مساره النضالي قبل الاستقلال وبعده، تستحضر مناقبه وتتذكر خصاله، فلا كلام يعلو في ذلك المقام بعد ذكر الله، فوق الحديث عن مناقب الراحل المناضل لنصرة الجزائر والحق. وعند مدخل البيت كان الوزير الأسبق العربي دماغ العتروس أحد رفقاء درب الراحل منذ أيام النضال في الحركة الوطنية، يحاول جمع شتات الكلمات وصفا خصال الرجل، لكنه لم يستطع، وابتسامته المعهودة يقول سي العربي ردا على أحد المواطنين »من البديهيات أن يكون مهري شخصية عظيمة، لقد كان أمة في رجل«. نقل جثمان الراحل إلى المسجد المحاذي لمقبرة سيدي يحيى حيث صلى عليه المشيعون صلاة الجنازة مباشرة بعد صلاة العصر، وبعد لحظات عج المكان بالوافدين، واكتظت الساحة المحاذية للمقبرة بالمشيعين، من مسؤولين سامين في الدولة، يتقدمهم الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد ورئيس مجلس الدولة سابقا علي كافي وعضو مجلس الدولة سابقا علي هارون، والوزير الأسبق طالب الإبراهيمي، وأفراد من الأسرة الثورية، وعدد من متقاعدي الجيش الوطني الشعبي، إلى جانب أعضاء الجهاز التنفيذي، وعدد كبير من محبي ورفقاء الراحل طيلة مساره النضالي قبل الاستقلال وبعده، كما شهدت مقبرة سيدي يحيى حضورا وعددا كبيرا من الشخصيات الوطنية والتاريخية وإطارات الدولة ومجاهدين. وقد جمع الفقيد مهري وهو راحل إلى مثواه الأخير كل التيارات وكل التوجهات السياسية كما جمعها وسعى إلى ذلك جاهدا أيام حياته، فقد ارتبط اسمه منتصف التسعينات بمبادرة »سانت إيجيديو«، لم يتوان عن الجلوس على طاولة واحدة مع الإسلاميين والاشتراكيين من الوطنيين بحثا عن حل للأزمة التي عصفت بالجزائر حينها، فالرجل من دعاة الحوار والمصالحة الوطنية ونبذ العنف، كما كان من الموقعين على النداء من أجل السلم سنة 1996، مواقفه هذه جعلته محل تقدير من قبل الجميع دون استثناء، ويعترف له بنضاله وحبه للجزائر وانشغاله بقضايا الأمة العربية. وقد شوهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد وهو في سيارته التي كانت مركونة بإحدى زوايا المقبرة، ورغم حالة التعب التي كان يعاني منها إلا أنه آثر حضور الجنازة، اعترافا منه بالمكانة الخاصة التي يحظى بها الراحل، كما حضر الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم، ورئيس المجلس الأعلى للدولة علي كافي، ورئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح ورئيس المجلس الشعبي الوطني عبد العزيز زياري ورئيس المجلس الدستوري بوعلام بسايح إلى جانب أعضاء من الحكومة.