محتالون يستهدفون المسنين لسلب أموالهم    مستحضرات التجميل تهدد سلامة الغدة الدرقية    الشروع في إنجاز سكنات "عدل 3" قريبا    الرئيس تبون جعل السكن حقّا لكل مواطن    مجلس الأمن: مجموعة "أ3+" تؤكد على ضرورة احترام سيادة سوريا وتدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار    الرابطة الأولى موبيليس - تسوية الرزنامة: شبيبة القبائل ينفرد مؤقتا بالصدارة وشباب بلوزداد يواصل سلسلة النتائج الايجابية    الوضع العالمي مؤسف.. والجزائر لا تريد زعامة ولا نفوذا في إفريقيا    تتويج مشروع إقامة 169 سكن ترقوي بتيبازة    افتتاح الملتقى الكشفي العربي السادس للأشبال بالجزائر العاصمة    عناية رئاسية لجعل المدرسة منهلا للعلوم والفكر المتوازن    شياخة: هذا ما قاله لي بيتكوفيتش واللعب مع محرز حلم تحقق    "الكاف" تواصل حقدها على كل ما هو جزائريٌّ    صيود يسجل رقما وطنيا جديدا في حوض 25 متر    رفع مذكرات إلى رئيس الجمهورية حول قضايا وطنية هامة    حملة "تخوين" شرسة ضد الحقوقي المغربي عزيز غالي    "حماس" تؤكد إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار    "الوزيعة"عادة متجذّرة بين سكان قرى سكيكدة    لقاء السنطور الفارسي بالكمان القسنطيني.. سحر الموسيقى يجمع الثقافات    تأسيس اتحاد الكاتبات الإفريقيات    حكايات عن الأمير عبد القادر ولوحاتٌ بألوان الحياة    5 مصابين في حادث مرور    دبلوماسي صحراوي: "دمقرطة المغرب" أصبحت مرتبطة بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية    نجاح الانتخابات البلدية في ليبيا خطوة نحو استقرارها    الإطاحة بعصابة تروِّج المهلوسات والكوكايين    اليوم العالمي للغة العربية: افتتاح المعرض الوطني للخط العربي بالمتحف الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط بالعاصمة    الجزائر تتسلم رئاسة الدورة الجديدة لمجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب    سوناطراك: استلام مركب استخراج غاز البترول المسال بغرد الباقل خلال السداسي الأول من 2025    "اللغة العربية والتنمية" محور ملتقى دولي بالجزائر العاصمة    المالوف.. جسر نحو العالمية    مشروع جزائري يظفر بجائزة مجلس وزراء الاسكان والتعمير العرب لسنة 2024    المحكمة الدستورية تكرم الفائزين في المسابقة الوطنية لأحسن الأعمال المدرسية حول الدستور والمواطنة    هيئة وسيط الجمهورية ستباشر مطلع سنة 2025 عملية استطلاع آراء المواطنين لتقييم خدماتها    ربيقة يواصل سلسة اللقاءات الدورية مع الأسرة الثورية وفعاليات المجتمع المدني    ترشيح الجزائر للسفيرة حدادي لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يهدف لخدمة الاتحاد بكل جد وإخلاص    آفاق واعدة لتطوير العاصمة    مولوجي: علينا العمل سويا لحماية أطفالنا    95 بالمائة من المغاربة ضد التطبيع    إلغاء عدّة رحلات مِن وإلى فرنسا    عطّاف يلتقي نظيره الإثيوبي    مولى: الرئيس كان صارماً    برنامج الأغذية العالمي يعلن أن مليوني شخص في غزة يعانون من جوع حاد    الاتحاد يسحق ميموزا    حرمان النساء من الميراث حتى "لا يذهب المال إلى الغريب" !    انطلاق فعاليات "المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية" : وزير الثقافة يدعو إلى ضرورة التمسك بالثقافة والهوية والترويج لهما    تصفيات مونديال 2026 : بيتكوفيتش يشرع في التحضير لتربص مارس    اتفاقية تعاون بين كلية الصيدلة ونقابة المخابر    وفاة الفنان التشكيلي رزقي زرارتي    سوريا بين الاعتداءات الإسرائيلية والابتزاز الأمريكي    جزائريان بين أفضل الهدافين    خطيب المسجد الحرام: احذروا الاغترار بكرم الله وإمهاله    المولودية تنهزم    90 بالمائة من أطفال الجزائر مُلقّحون    الجوية الجزائرية تعلن عن تخفيضات    التوقيع على اتفاقيات مع مؤسّسات للتعليم العالي والبحث العلمي    باتنة : تنظيم يوم تحسيسي حول الداء المزمن    الصلاة تقي من المحرّمات وتحفظ الدماء والأعراض    كيف نحبب الصلاة إلى أبنائنا؟    أمنا عائشة رضي الله عنها..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجاهد أحمد مهساس: "مؤتمر الصومام غير شرعي وقراراته ضد بيان أول نوفمبر"
نشر في صوت الأحرار يوم 10 - 08 - 2008

في اعتراف مثير تنشره "صوت الأحرار" لم يتوان المجاهد أحمد مهساس بأن مؤتمر الصومام 1956 غير شرعي من منطلق أنه تم التراجع عن جميع قراراته بعد عام واحد من انعقاده، ويؤكد أن الشهيد عبان رمضان وجد نفسه وحيدا بعد أن تخلت عنه زمرته التي أوضح مهساس بأنها فشلت في تطبيق هاته القرارات مما دفع عبان إلى انتقاد تصرفاتهم خاصة بعد أن فشل في اجتماع المجلس الوطني بالقاهرة، ويتحدث مهساس في وثيقة تنشرها "صوت الأحرار" قبل أيام فقط عن ذكرى انعقاد مؤتمر الصومام عن الصعوبات التي واجهت قيادة الثورة في وصول الأسلحة للثوار من ليبيا عبر التراب التونسي بسبب التواجد الفرنسي في تونس والإنجليز والإيطاليون في طرابلس، ومع ذلك يقول أحمد مهساس "تمكنا من الحصول على هذه الأسلحة وقاومنا بها الاستعمار الفرنسي حتى النصر "، ومن جانب آخر عن بعض ما عايشه خلال الثورة وقال "لقد كان أمر تهميشي والقضاء علي أمرا أساسيا"، مشيرا إلى تجريديه من مهمته وتعيين آخرين بدله، وخلص إلى أنه استجاب لذلك على رسالة حملها له المرحوم على بومنجل من أحمد بن بلة وهو في السجن، وأعطاها إلى المسؤولين التونسيين، والذين هم بدورهم كانوا جد منزعجين مني كوني محسوب على عبد الناصر في الوقت الذي كانت هناك حساسية مفرطة بين بورقيبة وعبد الناصر.
"إن فكرة انعقاد مؤتمر بعد اندلاع الثورة كانت مطروحة ومختمرة في أذهان مسيري الثورة الجزائرية منذ اندلاعها وما إن اجتازت الثورة سنتها الأولى حتى أصبح المؤتمر حتمية لا جدال فيها أمام النجاح الباهر الذي حققته الثورة على جميع الأصعدة من جهة ومن جهة طفت إفرازات كشفت عن نقائض في مجالات عدة هيكلية وسياسية، فهيكليا، فقدت الثورة بعض مفجريها، منها اعتقال رابح بيطاط واستشهاد مصطفى بن بولعيد، واستشهاد ديدوش مراد قائد المنطقة الثانية للشمال القسنطيني في جانفي 1955، يضاف إلى ذلك التحاق المئات من الشبان بجيش التحرير صعوبة الاتصال بقيادة الجيش، وبالتالي كان لزاما توحيد طرق قيادة الجيوش، وسياسية فقد قطعت الثورة دابر الشك لدى السياسيين من أعضاء الحركة الوطنية والأحزاب والجمعيات التي كانت في الساحة السياسية، وأصبحت الثورة أمرا واقعا ورهانا ناجحا. وبالتالي فإن عقد المؤتمر كان ضرورة للتقييم والتقويم ومنه يتم الانطلاق على أرضية مشتركة تحمي المسار من الانحراف عن بيان أول نوفمبر.
وللتذكير فإن الاستعمار الفرنسي لما اندلعت الثورة التحريرية ألقى القبض على جميع مسؤولي الحزب لأنه كان يعتقد بأن الحزب قام بمناورة انشقاق للقيام بالثورة ولكن بعد الاستنطاق والتحقيق تبين له بأن مفجري الثورة هم كتلة محايدة فجرت الثورة لتضع الجميع أمام الأمر الواقع لكي يتحمل كل مسؤولياته بما فيها الشعب، وبالتالي فليس لهم من خيار سوى الدخول في صفوف الثورة أو اتخاذ موقف مناهض لها، كما علمت السلطة الاستعمارية بموقف المركزيين الذين كانوا في السجن والذين كانوا ضد تفجير الثورة بل لهم ضلع في تأخيرها، فأطلقت سراحهم سنة 1955، وفيهم من لم يكمل المدة المحكوم عليه فيها، ومن بينهم عبّان رمضان.
وكان طرح هؤلاء يتميز بنوع من الاعتدال مقارنة مع النواة الأولى للثورة وبالتالي فإن إطلاق سراحهم كان يهدف إلى احتواء الثورة وافتكاكها من أيدي التيار الراديكالي، ضف إلى ذلك الموقف المعادي للثورة الذي اتخذه مصالي وأنصاره وحتى بالنسبة للحزب الشيوعي كان ضدنا وبقي أعضاؤه مترددين تحركهم في ذلك قناعتهم الإيديولوجية الشيوعية، وجمعية العلماء لم تؤيد الثورة إلا في 20 مارس 1956، أما فرحات عباس فقد التحق بالثورة في أواخر 1955.
هؤلاء الوافدون الجدد على الثورة بمختلف قناعاتهم وإيديولوجياتهم وجدوا بأن الساحة السياسية قد تغيرت، فقد نجحت الثورة في تغيير هذا الجو السائد قبلها إذ اندثرت الولاءات للأشخاص وأصبح الولاء الوحيد للثورة بفضل بيان نوفمبر الذي يؤكد على ضرورة الانخراط الفردي في صفوف الثورة مهما كانت مسؤولية الشخص.
وأمام انخراط هاته الأطراف التي كانت مترددة وارتفاع عددها، كان التيار الثوري منشغل بأمور الثورة. وفيه من استشهد و اعتقل كما أسلفنا، فكانت الرغبة في السلطة واحتواء الثورة هاجسا لهؤلاء ومنها لما علموا بفكرة انعقاد المؤتمر سارعوا إلى تبنيها وشجعوا عبّان رمضان على تجسيدها لأنه كان أكثر طموحا إلى الزعامة، ورأوا فيه مطية لتحقيق أهدافهم، وسعوا من جهتهم إلى حشد مسؤولي المناطق لحضور المؤتمر، ففيهم من استجاب عن حسن نية وفيهم من رفض. وفي البداية لم تكن لدينا حساسية للموضوع لأننا كنا نؤمن بضرورة عقد المؤتمر، ونرى فيه فرصة لمعالجة المشاكل الحاصلة.
وأمام اقتراب موعد المؤتمر وجهت دعوات إلى بن بلة وخيذر اللذان انتقلا إلى الحدود الليبية وفق الاتفاق المضروب مع المنظمين لكن لما حضروا في الموعد لم يجدوا واحدا فعادوا عبر إيطاليا.
أما أنا ومحمد بوضياف لم تصلنا الدعوة، وكان لدينا يقين بأنهم تعمدوا تغيبنا عن قصد، وهذا ما تؤكده التطورات التي أتت فيما بعد وبينت بأن الأمر مخطط له من طرف منظمي المؤتمر وهم المركزيون وبعض الشيوعيين الذي كان هاجسهم عزل قادة الثورة الحقيقي ووضعهم على الهامش.
هذا الواقع الجديد لم يكن ليرضي الكثير خاصة المركزيين، الذين كانوا دائما يبحثون عن موقع في مقدمة الصفوف، واعتلاء سدة القيادة، ففيهم من اتصل بنا حين كنا في القاهرة بعد أن أخرجوا من السجن، وجاءوا موفدين من السلطات الفرنسية بهدف التفاوض ومنهم بن خدة وصالح ونشي، وطلبوا منا بأن نوفد محمد خيضر للاتصال بهم في سان ريمو بإيطاليا ، فرفضنا ذلك وكان معي بن بلة وبن مهيدي، وبوضياف، وقررنا أن نوفد بن بلة للاتصال بهم ولمل إلتقى بهم بن بلة في إيطاليا قالوا بأنهم موفودون من السلطات الفرنسية التي تريد التفاوض بشرط أن تكونوا جبهة غير جبهة التحرير الوطني وكشفوا بأن عبّان كان معهم في الطرح. فما كان منا إلا أن رفضنا هذا الطرح الذي يسعى إلى سحب البساط من تحت النواة الأولى للثورة.
لما فشلت هاته المحاولة جاؤونا بطرح آخر واجتمعوا في القاهرة وعقدوا ما يسمى بالمؤتمر الوطني الجزائري، وأرادوا تشكيل جبهة من الأحزاب (الحركة الوطنية، العلماء، البيانيون) وكان خيضر معهم، ولما علمت بذلك رفضت ذلك رفضا قطعيا لأن في ذلك انحراف عن بيان نوفمبر الذي يدعوا إلى الانخراط فرديا في الجبهة، وبعدها فشلت هاته المحاولة.
وفي سياق السباق نحو الزعامة واحتواء الثورة كذلك كانت مراسلات عبان رمضان بعد خروجه إلى معاونيه تدعوهم إلى الاستيلاء على قواعد الثورة، الراديكالية، وحصلت على رسائل تؤكد ذلك. يضاف إلى ذلك مختلف الرسائل المتعددة التي كان يرسلها ويتكلم من خلالها كأنه هو الآخر الثاني الثورة، هذا قبل 20 أوت 1956 أي نطب نفسه. وقد راسلت قيادة القاهرة لنضع له حدا.
انعقد المؤتمر في 20 أوت 1956 لكن من حضر: فالولاية الأولى التي كانت تتزعم الثورة في الأوراس لم يحضر قادتها، المناطق الشرقية هي الأخرى لم تحضر، النظام القائم خارج الوطن خاصة في فرنسا لم يحضر هو الأخر،بالنسبة للولاية الخامسة – وهران – هم يقولون بأنها كانت ممثلة بالمرحوم بن مهيدي ونحن نقول أننا قبلها اتفقنا مع بن مهيدي سنة 1955 بالقاهرة لكي يخلف بيطاط على رأس منطقة الجزائر ويسلم مسؤولية وهران إلى بوصوف، وبالتالي فإنه أثناء انعقاد المؤتمر لم يكن هذا الأخير ممثلا للولاية الخامسة. وأما بالنسبة للولاية الرابعة فإن قائدها الفعلي آنذاك هو أمحمد بوقرة فلماذا يحل محله عمران في المؤتمر وكل من حضر في هذا المؤتمر المزعوم خمسة أفراد وهم أوعمران، بن طوبال ، كريم بلقاسم، بن مهيدي وعبّان رمضان، وبالتالي هل يصبح منطقيا بتسميته مؤتمرا؟ ضف إلى ذلك ما تمخض عن هذا اللقاء من مواثيق ونصوص لم يكن من صنع الحاضرين، وهذا بشهادة بن طوبال نفسه في ذلك الوقت إذ صرّح قائلا "أحضر لنا عبّان رمضان أوراقا وطلب منا الإمضاء عليها رغم أننا لم نشارك في صياغتها فأمضينا". والأمر الثاني هناك لجنة كانت تحت تصرف عبّان رمضان وجماعته وهي التي حررت جميع الوثائق أغلب أفرادها من الذين كانوا مناوئين لتفجير الثورة في البداية وكنا مختلفين معهم حتى وإن انخرطوا في الثورة، وعلى رأسهم عمر أوزقان الذي كان أمين عام الحزب الشيوعي. وبالتالي لو قمنا بدراسة موضوعية دقيقة لوجدنا بأن المؤتمر لا يعدوا كونه مناورة لاحتواء الثورة، وما اعتبار المؤتمر قاعدة الثورة سوى أكذوبة، والمدعين بأن المؤتمر أعطى دفعا للثورة مضللون فنجاح الثورة يرجع إلى نظامها الأول وإصرار قوافل المجاهدين على التشبث بالخط الثوري الأصيل. هاته هي الحقيقة أقولها للتاريخ بعيدا عن تصفية الحسابات الشخصية أو محاولة للانتقاص من قيمة أشخاص كان لهم دور أثناء الثورة التحريرية، وموقفي من مؤتمر الصومام والمعارض ضل ثابتا إلى غاية اليوم.
لقد كان حب الزعامة هو الذي يحرك مهندسي المؤتمر، ومما عزز طموح هؤلاء رغبتهم في ركوب قطار التفاوض مع فرنسا، لأن فرنسا في السنوات الأولى من الثورة كما أسلفنا ناورت عن طريق إيفاد مبعوثين للتفاوض مع الثوار، إذ كانت تروج لما يسمى ب "الصداقة الموضوعية"، فظنوا اعتقادا منهم بأن فرنسا أصبحت في حاجة ماسة إلى مفاوض، ضف إلى ذلك الدور الفرنسي في إحداث الشقاق داخل صفوف الثورة وتمكنت إلى حد ما من ضرب الصفوف واستحداث طرفين، ولولا وعي المجاهدين الأوفياء لكان الشقاق بإمكانه أن يؤدي إلى نهاية الثورة وإجهاضها.
وأعود إلى محتوى مواثيق الصومام لأتساءل ما هو الجديد الذي جاء به؟ فقد أتى بوثيقة مناقضة لبيان أول نوفمبر الذي كانت مرجعيته الفكرية واضح إسلام – عروبة أما وثيقة المؤتمر فقد حذف منها هذا الموضوع، فالمؤتمر يضع بالقاهرة وموسكو وواشنطن في كفة واحدة وهذا أمر بعيد كل البعد عن الواقع من حيث الدعم والانتماء، وهذا بالنسبة لنا تراجع عن مبادئ بيان أول نوفمبر وهو المحور الأساسي فالخلاف كان بين عروبيين إسلاميين وتيار تغريبي فالسياسة العالمية آنذاك وخاصة منها التيارات الكبرى في أمريكا وأوربا إيمانا بمبادئها الرأسمالية والليبرالية كانت تحارب التيار الشيوعي وتحارب التيار العروبي الإسلامي لأنهما كانا يمثلان خطرا على الغرب ونحن تم إقصاؤنا من المؤتمر لأننا ننتمي إلى العروبيين الإسلاميين، ولا يمكننا بأية حال من الأحوال أن نوافق على مواثيقهم لو حضرنا ولازلنا ضد هذا الانحراف إلى غاية اليوم.
ومما جاء في المؤتمر كذلك أسبقية الداخل على الخارج والسياسي على العسكري، وهو ما نعتبره تراجع عن الفكر الثوري السائد قبل هاته الفترة، إذ كنا نخوض الكفاح دون مسميات فأي مسؤول كان سياسيا فهو عسكري في نفس الوقت كما أننا نؤمن بأن الكفاح ليس له حدود، فحيث ما كنت ومن أي موقع. وفيما يتعلق بالسياسي والعسكري فقد كانت تجربتنا داخل المنظمة الخاصة فرضت علينا عدم التفريق بينهما.
يمكنك أن تخدم القضية الجزائرية بالوسائل المتاحة، وبالنسبة لمقولة أسبقية الداخل على الخارج فهي مكرسة ميدانيا قبل المؤتمر، بل قبل الثورة وأنها أي في سنة 1952 غداة انشقاق المنظمة الخاصة وذلك لظروف خاصة، بل لو التزمنا بهاته القرارات وكرسنا هذا المبدأ التفريقي بين السياسي والعسكري والداخل والخارج لما نجحت الثورة لأن تحرير البلد يقتضي إستراتيجية واحدة وهدف واحد وتنظيم واحد وشعب موحد.
أما فيما يتعلق بتنظيم الجيش فيدعي المؤتمرون بأنهم عصريون وتقدميون وأرادوا هيكلة جيش عصري برتب ضباط. فهذا الأمر كنا قد فكرنا فيه قبلها وشرعنا في تجسيده فأنا شخصيا أعطيت أمر رسمي يتم تكوين أربعة فرق عصريةأن الفرصة سانحة ليصبحوا الناطقي بإسم الثورة إعتقادا منهم بأن ومن ضمنها كانت فرقة يشرف عليها الشاذلي بن جديد ونجحنا في هيكلة ثلاثة منها وفشلنا في واحدة. وكانت الهيكلة في منهجيتنا تراعي ظروف الكفاح وحرب العصابات على خلاف ما جاء في المؤتمر الذي طلب من المجاهدين إنشاء وحدات قتالية كبيرة وكأنهم جيش كلاسيكي، ولو طاوعهم قادة الميدان وطبقوا ذلك حرفيا لكانت كارثة لأن الوحدات الكبيرة تمكن العدو من استعمال جميع طاقاته ووسائله القتالية وبالتالي يمكن القضاء على الثورة.
أمام هذا الانحراف الخطير كان لزاما علينا الوقوف في وجه الانحراف، وكنا نأمل أن تتم معالجة الأمر سريا ووديا، فطلبنا منهم عدم نشر وثائق المؤتمر حتى نتدارك الأمر ونخرج بوثيقة تحقق الإجماع الوطني ونعلن بأننا شاركنا في صياغة القرارات لكنهم رفضوا هذا المقترح وتعمدوا نشرها عبر الصحف ليوصلونا إلى نقطة اللارجوع وإتباع سياسة الأمر الواقع.
حينها توجهت إلى ليبيا والتقيت أحمد بن بلة، وقلت له بأنه حان الوقت لنضع خطا أحمر لهاته الجماعة، إذ لو تركنا الأمر على ما هو عليه فإن الثورة ستفشل واتفقنا على رسم خطة لإجهاض هاته القرارات وأنا الذي قمت بصياغة الخطة واتفقنا على أن نجمع مفجري الثورة في تونس ومنها ننطلق في تنفيذها. وفعلا انطلقت في التحضيرات لكوني أنا المسؤول بتونس ووجهت الدعوة إلى بوضياف وبن بلة، خيذر وآيت أحمد. وكان من المفروض أن يعقد الاجتماع مباشرة بعد اجتماع قادة المغرب العربي في المغرب. لكن حينها وقعت حادثة اختطاف الطائرة وهي تعتبر أول سابقة في تاريخ القرصنة الجوية فسجن بن بلة، بوضياف، آيت أحمد، خيذر وكانت فرنسا تترصد لهذا التيار وتسعى لإفشال مخططنا.
تحطمت الطائرة يوم 22 أكتوبر 1956 وهي أول قرصنة جوية في التاريخ ، بعدها بقيت في دوامة لوحدي ورغم اختطاف الزعماء فإن الإمكانيات المتاحة لي كانت تكفي لمواجهة هذا التيار، لكنني تريثت وحبذت المواجهة بطرق سلمية وسياسية حفاظا على وحدة الثورة واستغلال فرنسا الوضع لصالحها. ومع ذلك واصلت مهامي في تونس لكن جماعة عبّان رمضان بدأت في ترويج الإشاعات، فتارة يقولون بأنني فضلت منطقة الأوراس في التسليح دون الولايات الأخرى، ومرة يقولون بأننا عجزنا عن أداء مهامنا في توفير السلاح وهو إدعاء مخالف للواقع يشهد به جنود الداخل ذاتهم فما من ولاية طلبت السلاح إلا ووفرناه لها، فالولاية الأولى مثلا أرسلت كتيبة كاملة بلباس جيش التحرير ووصلت إلى طرابلس ومنحناها كمية هامة من الأسلحة وفي طريقها أثناء العودة اشتبكت مع الفرنسيين على الأراضي التونسية وأدخلت السلاح، والولاية الثالثة هي الأخرى أرسلت 300 جندي إلى تونس قمنا بتزويدهم بالسلاح ورجعوا إلى مواقع الكفاح. ومن الإشاعات التي روجها حلفاء عبّان والمؤتمرين بأننا نأتمر بأوامر المصريين، كنت أضنها إشاعة لا يمكن تصديقها، لكن وقفت على الحقيقة ، إذ اتصل بي أحد المجاهدين ممن كانوا يضمنون الاتصال بيني وبين قادة الداخل. أخبرني بأن ابن عمه نهاه عن التعامل مع مهساس لأنه عميل للمصريين، وأردف بأنه لما إستفسره عن مصدر هاته المعلومة كشف بأن الذي أصدر الأمر هو أحد مسؤولي لجنة التنسيق المنبثقة عن المؤتمر.
لقد كان أمر تهميش والقضاء علي أمرا أساسيا بالنسبة لهم، فقاموا بتجريدي من مهمتي وتعيين آخرين بدلي، وقد استجبت لذلك بناءا على رسالة حملها لي المرحوم بو منجل من أحمد بن بلة وهو في السجن، وأعطاها إلى المسؤولين التونسيين، والذين هم بدورهم كانوا جد منزعجين منا لأننا محسوبون على عبد الناصر في الوقت الذي كانت هناك حساسية مفرطة بين بورقيبة وعبد الناصر.. كما أن التيار الذي سيحل محلنا ينسجم مع توجهات القيادة التونسية.
رغم تسليمي لهم القيادة، لم يتوقفوا عند هذا الحد بل بدءوا في ملاحقة جماعتنا والقبض عليهم وقد بلغ عددهم حوالي 30 شخصا أما الذين تم قتلهم فيقدر ب 15 شخصا من كبار القادة وإطارات الثورة بالولاية الأولى خاصة. أنا كذلك كان مقررا تصفيتي مع عمر بن بولعيد رحمه الله وقد تعرضت فعلا إلى محاولة اغتيال بتونس، إذ اتصل بي أحد هؤلاء القادة الجدد وقال لي بأن عمران يريد مقابلتي وحدد لي الموعد والمكان، فذهبت إلى المكان المحدد، وهناك وجدت مجموعة من جنود الولاية الثالثة ولما سألت عن عمران بدؤوا يتماطلون فأحسست بالريبة في تصرفاتهم وغمزاتهم حينها أدركت أن هناك مؤامرة، فتمكنت بعدها من الهروب بمساعدة بعض الجنود. ولما علم بعض الجنود الأوفياء لي من بعد بهاته المحاولة اتصلوا بي وطلبوا مني الإذن لهم بتصفيتهم، فرفضت ذلك وطلبت منهم التزام أمكنتهم والانشغال بمكافحة فرنسا فقط لأنني كنت ملتزم بالخطة التي رسمناها وهي عدم المواجهة.
ازداد التوتر بين المجاهدين ومجموعة الصومام وكثر علي الضغط من طرف المجاهدين الذين كانوا يريدون مني تصفيتهم وقبر الصوماميين نهائيا. كان النظام التونسي هو الأخر يخشى خطورة المواجهة لأن تواجدنا بتونس كان قويا إلى درجة إن كان يقال الحكم بالنهار للتونسيين وفي الليل لنا. وذات يوم كنت في لقاء مع وزير الخارجية التونسي أحسست من خلال حديثي معه هذا التخوف، وعندها طلبت الخروج من تونس بصفة رسمية اتقاء لشر الفتنة.
اغتيال عبّان رمضان
لقد كان عبّان رمضان ألعوبة في يد مجموعة، وكان طموحه الجامح للمسؤولية هو الذي أوصله لنهايته الأليمة، وكنت أعلم بأنه لن يذهب بعيدا لأنه يشتغل مع أناس ليس لهم ضمير أو مبادئ، ولست من اللذين يقولون بأن عبّان خائن للقضية الوطنية لكن سياسيا قام بتصرفات تضعف الجهة التي كان متخندقا معها وهذه التصرفات يمكن تصنيفها في إطار الخيانة السياسية، فإذا كان تصرفه يؤدي إلى الفتنة والتفرقة في أوساط المجاهدين وبالتالي إفشال الثورة انسجاما مع المبدأ الشيوعي المنادي بالصداقة الموضوعية وهو نفس المسعى الذي تسعى إليه فرنسا.
وحول اغتياله فلست طرفا رغم ما فعله بي، فقد تلقيت دعوة من طرفه لحضور اجتماع المجلس الوطني للثورة بالقاهرة لكنني رفضت الحضور لأنني كنت غاضبا على الأوضاع. وفي هاته الأثناء كانت تسري إدعاءات إعلامية في الداخل بأنه تم التراجع عن قرارات مؤتمر الصومام، وهنا وجد عبّان نفسه وحيدا وتخلت عنه زمرته بعد أن فشلت في تطبيق هاته القرارات وهنا بدأ ينتقد تصرفاتهم وأعمالهم خاصة بعد أن فشل في اجتماع المجلس الوطني بالقاهرة، وضل يتصرف معهم وكأنه هو المسؤول ينتقد ويعطي الأوامر، فقالوا حينها بأنه يشوش على المجلس الوطني للثورة ويعطل أعمالهم، فاجتمع الخمسة واتخذوا القرار لإنذاره وهم محمود الشريف، كريم بلقاسم، أوعمران، بن طوبال، بوصوف.
انتفاضة 20 أوت 55 هي الحدث
إن انتفاضة 20 أو 1955 هي المنعرج الحاسم في ثورة التحرير فبفضل هاته الانتفاضة والنقاة النوعية في مسار الكفاح سقط رهان القوة الاستعمارية القاضي بإسقاط أكبر قفصة في الثورة التحريرية إلا وهي المنظمة الأولى التي كانت محاصرة حصار شديدا ومعها كانت الثورة تختنق وكنت قبلها قد أرسلت شجان بشر (نائب مصطفى بن بولعيد في الأوراس) وطلبت منه العمل على توسيع رقعة الثورة، وإرسال الأفواج من المجاهدين إلى مناطق أخرى من الوطن للقيام بعمليات ونشر الثورة كي تتشتت قوات العدو.
ورغم تكلفة العملية التي جرت بسكيكدة وضواحيها في وضح النهار بقيادة زيغود يوسف وإخوانه فإنها أتت بثمارها كاملة ومن أبرزها فك الحصار على المنطقة الأولى. ونالت حيزا إعلاميا في الصحافة الفرنسية مما طمأن الشعب عامة في مناطق أخرى على مسار الثورة، فضلا عن مجاهدي الأوراس، وسياسيا قطعت دابر الشك لدى السياسيين والشخصيات التي كانت مشككة في نجاح الثورة وشموليتها. ثم إن التلاحم الشعبي بين الجيش والشعب في هاته الانتفاضة، فندت الإدعاءات الاستعمارية التي كانت تتدعي بأن الثورة من صنع مجموعة قليلة ومحدودة، بل معزولة عن الشعب، وبهدف تأكيد التلاحم المغاربي في المسار التحرري فقد تم إختيار 20 أوت 1955 ذكرى نفي محمد الخامس الذكرى الثانية لخلع محمد الخامس عن العرش المغربي ونفيه إلى مدغشقر. ودوليا كان لهذا الحدث بعدا دوليا إذ تم بعدها تسجيل المنظمة الجزائرية في مؤتمر باندونغ وتقرر لأول مرة عرض القضية الجزائرية على منظمة الأمم المتحدة (رفض التسجيل بفارق صوت1).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.