لفت المجاهد أرزقي بسطا في حوار مطول خص به جريدة "صوت الأحرار" إلي الخلافات بين المناضلين في الحركة الوطنية حول تفجير الثورة وإعلان الكفاح المسلح كما شرح في هذا اللقاء المثير تفاصيل عن العمليات الفدائية الأولي في العاصمة وكيف تم التخطيط للقضاء على رئيس المجالس البلدية في الجزائر العاصمة وكما تحدث المناضل أرزقي باسطا عن اختراقات داخل صفوف الثورة ومانتج عنها من خلافات بين قادة الثورة في تونس مشيرا في هذا السياق إلي الوساطة بين هواري بومدين والحكومة المؤقتة عقب حادثة إسقاط الطائرة بتونس فضلاعن الوساطة بين بن بلى ومحمد أولحاج بشأن حمل السلاح . س – في مقدمة كتابك المخطوط طلبت إعادة الاعتبار لمناضلي الحركة الوطنية؟ ج – هناك من شهداء الثورة الأوائل 17 شهيدا كلهم من الحركة الوطنية الذين حكم عليهم بالإعدام ونفذوه عليهم في سركاجي، وهناك من يتحدث اليوم ويقول أن هؤلاء هم من المصاليين لذا لا نعتبرهم شهداء ، فقلت لهم كيف يحصل ذلك؟ فرنسا قتلتهم وهم مجاهدون فكيف لانعتبرهم شهداء؟ وكذلك وللأمانة التاريخية من فجر الثورة؟ هم مناضلون من الحركة الوطنية، صحيح كان هناك خلاف حول توقيت تفجير الثورة لكن من قام بتفجيرها؟ هم مناضلين من الحركة الوطنية، ومن أبقى على استمرارية الثورة بعد أن زج بأغلب مفجري الثورة في السجون؟ وحتى في بعض المناطق كان مسؤولي الثورة ينظمون الشعب للالتحاق بالثورة باسم مصالي خاصة في بلاد القبائل فكريم كان يشيع أنه ينظم الثورة في وسط القبائل باسم مصالي. س – لكن مفجروا الثورة لم يكونوا مصاليين؟ ج – لقد تعرضت في كتابي بالتفصيل لهاته الأحداث، ففي مؤتمر بروكسل قررنا تفجير الثورة بشهرين بعد المؤتمر أي في سبتمبر 1954 ولما عدنا إلى الجزائر انعقد اجتماع مع القيادة الجديدة للحركة الوطنية مزغنة، مولاي مرباح ،ممشاوي ، رزقي لعجالي، وكان كريم بلقاسم وأوعمران عندي في منزلي بالقصبة، وفي هذا اللقاء قال كريم لمزغنة لقد اتفقنا على تفجير الثورة بعد شهرين ونحن القبائل على أتم الإستعداد وكذا بالنسبة للعاصمة، بل حتى في سكيكدة هناك استعداد وكذا قسنطينة وعنابة، فأجابه مزغنة بأن الثورة تتطلب المال والرجال والوقت وبالتالي يجب التريث ، فاكتشف كريم التماطل الذي يطبع القيادة الجديدة في تفجير الثورة، ولما جاء بعدها مصطفى بن بولعيد موفدا من طرف اللجنة الثورية للوحدة والعمل وكان اللقاء في القبة بمنزل المناضل النذير قاصب ، وتم اللقاء بكريم واقتنع بنيتهم في تفجير الثورة، انضم إليهم لكنه في نفس الوقت لم يقطع اتصالاته مع الميصالين وتم الاتصال كذلك بمجموعة البربر يزم الذين كانوا هم بدورهم مستعدين للثورة، ومنهم وعلي ولد حمودة وعمر اوصديق آيت احسن، أي المجموعة التي اقصيت سنة 1949 من حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، وبالتالي كانت هناك 3 جهات تستعد لتفجير الثورة، لكن مجموعة بوضياف كانت الأسرع وللتذكير إن الإتفاق حول تفجير الثورة لم يكن فيه إجماع داخل اللجنة الثورية للوحدة والعمل فمن بين 22 عضوا كان هناك 8 طالبوا تأجيل الموعد. في الاجتماع الذي أشرت إليه والذي ضم المركزيين والمصاليين بعد نقاش طويل كان المركزيون يقولون بأن اندلاع الثورة خطأ فادح حاليا، ولقد كانت لدينا منظمة من 2000 عنصر وقد تحطمت، ونحن كذا وكذا، والمصاليون كانوا مع تفجير الثورة وبدؤا التحضير كذلك بعد الانتهاء من هذا الاجتماع عقدنا اجتماعا خاصا بمناضلي العاصمة وقلنا نحن نتبع كل من يسير مع الثورة، هذا انتماؤنا الوحيد ، ومن مناضلي القصبة حضر طيبي الصادق، بلقاسمي عميروش، حساني وغيرهم وأثناء هذا الاجتماع جاءنا مناضل من المنظمة الخاصة قال لنا اتبعوا مصالي لأنه إذا قرر فعل، وحذرنا من المركزيين وقال بأنهم مخترقون من طرف العدو وهم سبب انهيار المنظمة الخاصة، فاقتنعنا برأيه وانضممنا إلى الحركة الوطنية ولا زلت أذكر اسم هذا المناضل هو عمار حمزة. س – باسم من كان انطلاق الثورة في العاصمة؟ ج – لعلمك أن بيان 1 نوفمبر لم يكن باسم الحركة الوطنية عامة ولا أي تنظيم آخر، وبالنسبة لمجموعتي في العاصمة فقد كنا محضرين جيدا من قبل اندلاع الثورة والمجموعات الفدائية كانت على أتم الاستعداد بل خططنا لعمليات قبل اندلاع الثورة ومنها اختطاف الجنرال شريات قائد الناحية العسكرية العاشرة وكذا اختطاف الحاكم العام ليونار، ولما اندلعت الثورة لم تكن هناك هيكلة للجبهة داخل العاصمة، وكانت مجموعتي المهيكلة باسم الحركة الوطنية هي التي قامت بالعمليات الفدائية داخل العاصمة، فأول عملية قمنا بها ونفذها الشهيد بعداش حمدي أصله من بوسعادة كانت في 21 أفريل 1955 تمت خلالها تصفية رئيس المجالس البلدية على مستوى العاصمة وهو من أكبر الكولون في الجزائر وياسف سعدي ذاته يعترف بأنه ليس هو الذي أعطى أوامر بتصفيته خلال تصريح لإحدى القنوات الفرنسية التلفزيونية، وهناك عملية أخرى قضينا فيها على مفتش الشرطة المدعو سي حميدي في أفريل 1955، وفي مقهى البهجة بالتحديد. ويقول سعدي بأنه هو الذي أعطى الأوامر بتصفيته رغم أنه جاء ب 16 شهرا بعدها كمسؤول على العاصمة. وكل العمليات التي وقعت بالعاصمة من 1 نوفمبر 1954 إلى غاية سبتمبر 1956 كانت من طرف عناصر الحركة الوطنية، وأول خلية لجبهة التحرير بالعاصمة كانت في سبتمبر 1956 ، والسبب يرجع إلى الاعتقال المبكر لبطاط لأنه كان مكلفا بتنظيم العاصمة وبالتالي غيابه هو الذي أحدث هذا الالتباس. ولما جاء عبان رمضان إلى العاصمة وأصدر بيانا يدعو إلى الانضمام إلى الجبهة كممثل وحيد للكفاح المسلح، وبأن من يخالف ذلك سيلقى جزاءه حينها انضممنا إلى جبهة التحرير وفينا من التحق بالحركة الوطنية المسلحة، وفينا حتى من انصرف إلى شؤونه الخاصة. س – إذا عرفتم عبان رمضان في 1956؟ ج – أعرف عبان رمضان جيدا قبل ذلك، فقد دخل السجن سنة 1950، وقبل إلقاء القبض عليه كان مراقبا بالحزب ويتنقل بين مختلف المناطق، وحينها أصدر العدو مذكرة لتوقيفه كعضو في المنظمة الخاصة، ولم يكن معروفا باسمه الحقيقي عند المناضلين وحتى أعضاء المنظمة الخاصة، وفيما يخص كشف هويته فقد كان في معسكر إذ لما كان يهم بالمبيت عند أحد المناضلين وضع معطفه على الكرسي، ومن الفضول لا غير أراد هذا المناضل الاطلاع على الوثائق الموجودة بالمعطف فاطلع على بطاقة هوية عبان رمضان الحقيقية لأنه كان معروفا باسم سي حسان. وتشاء الأقدار يلقى القبض على هذا المناضل وتحت التعذيب أقر بأن المدعو حسان هو عبان رمضان. وبعدها تمكن العدو إلقاء القبض على عبان في شارع ديزلي سنة 1950 ولما زج به في السجن كان وطنيا، اطلع على بعض كتب الشيوعيين واحتك بالبربريست ، وبالتالي لما خرج من السجن تغير فكره، يضاف إلى ذلك إصابته بقرحة في المعدة جعلته عصبيا للغاية ولا يقبل الرأي الآخر ولا يتحمل حتى من يفوقه معرفة ولهذا لما خرج من السجن والتحق بالثورة كانت سلوكاته مغايرة لما قبل سجنه. س: بلغنا بأنكم تلقيتم تعليمات لتصفية علي مهساس؟ عندما تقرر تصفية مهساس جاءني أمر بالتوجه إلى سويسرا ، ولما سألت عن نوعية المهمة قالوا لي عندما تصل هناك ستتلقى التعليمات و هذا يعتبر أمر طبيعي ذلك الوقت لأن المهمات كانت تنفذ هكذا بسرية تامة و دقة متناهية حفاظا على الأسرار . وعندما و صلت إلى سويسرا وكان معي شخص آخر يدعى عبد القادر بن التومي وقبل أن أعرف مهمتي تلقيت هاتفا وأمروني بعودة هذا الشخص الى الجزائر فورا (لكي لا يحضر لتنفيذ العملية) و لما وصلت إلى الفندق الذي أقيم فيه اتصلوا بي طلبوا مني إعادة الاتصال بهم ، ذهبت حينها إلى مكتب البريد و عاودت الاتصال بهم للاستفسار عن طبيعة مهمتى ولما اتصلت تكلم معي أعميروش رحمه الله و كان وقتها برتبة قبطان وقال لي سأحول لك أوعمران للتحدث معك . ولما تحدثت مع أوعمران سألته عن طبيعة مهمتي ؟ فقال لي إن محساس متواجد هناك بسويسرا ويجب عليك تصفيته ......عندها اندهشت للأمر ولكن عمران واصل حديثه و قال لي –دبر راسك –يجب تنفيذ المهمة مهما كانت الظروف ...ووضع سماعة التلفون. هذه هي المهمة التي أرسلوني بها الى سويسرا ، وكنت على اطلاع على الخلاف بين مهساس و أوعمران فمحساس كان محسوب على جماعة القاهرة أما أوعمران فكان محسوبا على لجنة التنسيق والتنفيذ وهذا كان نتيجة الخلاف بين الولاية الأولى ولجنة التنسيق والتنفيذ يضاف إلى ذلك جماعة القاهرة عارضت مؤتمر الصومام وبقي هذا الخلاف قائما فأرادوا تصفية جماعة القاهرة أو ما يسمى –البنبليست- بن بلة-محساس-يوسفي.....كانت الولاية الأولى في صف جماعة القاهرة. فبالنسبة ليوسفي هو الأخر أرسلوا إليه مصطفى لكحل لتصفيته ولم يقم بذلك بل أخبر يوسفي بمهمته وكان يوسفي حينها مقيما في اسبانيا ، وكان من تداعيات هذا الرفض تصفية مصطفى لكحل. ونعود إلى قضية تصفية محساس لما رفضت الأمر كانوا قد حاولوا عدة مرات تصفية محساس. حينما ذهبت إلى سويسرا و لم أقبل بالمهمة التي أسندت إلي كانوا على علم بذلك لأنهم كلفوا واحد بمراقبتي هناك و جاءني هذا الشخص و قال لي لماذا لم تنفذ العملية و لماذا قلت لأوعمران أنك لم تجد مهساس ولقد رأيتكم مرارا معا قلت له لماذا لا تقوم أنت بالمهمة ......؟ أنا لا أقتل رجلا مناضلا من أوائل الحركة الوطنية ورجلا أمضى حياته من أجل الثورة. حينها طلبوا مني العودة إلى تونس لكن محساس قال لي لا تذهب إلى تونس لأنهم سيقتلونك فقلت له ماذا سيقولون عنا الشاوية يقولون أنهم هناك في سويسرا يعيشون حياة هنيئة مترفة ونحن هنا نقاسي . فقال لي إني أعلم علم اليقين أنه لو كان باستطاعتك فعل شئ لفعلته لكن لا تعد إلى تونس ، واقترح على أن يرسلني إلى السويد لأعمل و أواصل النضال من هناك فقلت له الكفاح ليس في السويد، قررت العودة إلى تونس ولم أبالي. وعدت إلى تونس و في طريق عودتي التقيت بكريم بلقاسم وبن خدة في روما وأنكرني كريم وكأنه لا يعرفني تماما ، وسألني عن القضية ومهمتي في سويسرا فقلت له ألا تعرف بأنكم أنتم من أمر بقتل محساس ؟ هنا طلب مني بن خدة عدم إفشاء الأمر. هذه الأحداث جرت في ماي 1957 لما وصلت إلى تونس مباشرة ألقوا علي القبض وبدؤوا في تعذيبي واستجوابي لماذا لم تقتل محساس ؟ وبقيت معتقلا لمدة 18 شهرا ووجدت في دهاليز المعتقل جماعة الأوراس الأولين من أمثال عبد الحي وجماعته وعبد الكريم وكان وقتها عباس لغرور مصاب ومعتقل عند التوانسة مع لزهر شريط،. وخلال التحقيق معي اختلقوا لي تهمة أخرى واتهموني بالميصالية وقلت لأوعمران أننا كلنا كنا مع مصالي وأنت كنت معنا. س: هل الخلاف حول قرارات الصومام هو السبب الوحيد؟ ج – لا كانت هناك اختراقات داخل صفوف الثورة فمثلا أعميروش كذلك تعرض لثلاث محاولات اغتيال في تونس من طرف أعوان فرنسا المندسين و عندما تيقن أعميروش بأنه مستهدفا قرر الدخول إلى الجزائر. وكانت محاولات تصفية أعميروش لتلتصق التهمة بجماعة عباس لغرور و ذلك لخلق فتنة وسط المجاهدين و الثورة ، وهذا التخطيط كان فرنسيا أراد العدو أن يتم تنفيذه من طرف أعوانه الجزائريين و في كل محاولاتهم لم ينجحوا في اغتيال اعميروش لأن هذا الأخير كان حذرا جدا ولم تكن له الثقة في أي أحد إذ كان يدخل بيتا لينام فيه و سرعان ما يغير المكان لهذا كان يفشل مخططات اغتياله، فقد حدثني أعميروش عن احدى محاولاتهم الفاشلة بحيث أنه في مرة من المرات قام المقتحمون بقتل أحد حراس البيت الذي كانوا يظنون أن أعميروش به لأن هذا الحارس عرفهم . وفي سياق محاولة إشاعة الفتنة بين المجاهدين كذلك فقد جرت محاولة وهمية لاغتيال عبان رمضان جرى هذا عشية لقاء بن اوعمران وجماعة عباس لغرور، وأرادوا الصاق التهمة بجماعة عباس لغرور، ولما علمنا بذلك اتصلت أنا ومصطفى لكحل بأوعمران الذي استقبلنا وهو في حالة من الغضب الشديد، هاهم جماعة لغرور الذين تريدون أن نتصالح معهم أرادوا قتلي، فأجبته بأنهم لو أرادوا ذلك لفعلوا، وما هاته المحاولة إلا من نسج الخونة المندسين حولك والذين لا يساعدهم هم الآخرون اغتيالك، فبقاؤك حيا سيحمي مصالحهم وأهدافهم الرامية إلى الفتنة وخدمة مصالح الاستعمار، وذكرته بوصية مصطفى بن بولعيد لقادة الأوراس إذ قال "أوصيكم خيرا بكريم بلقاسم وأوعمران" وفي نفس السياق جاء فيلالي عبد الله إلى مسؤول من الجبهة في ألمانيا وقال له لقد أقنعت مصالي بتوقيف الاقتتال بين الجبهة والحركة الوطنية المسلحة، وذهب إلى فرنسا وكاد ينجح في هاته المهمة لكن تمت تصفيته ب 6 رصاصات في الظهر وفشل المشروع. س – هل يمكن تصنيف ذلك بما يعرف ب (لاببلويت) ؟ ج – توجد وثيقة لدي هي عبارة عن رسالة كان قد أرسلها الكولونيل ترانكي إلى الجنرال ماسو حين كان في فرنسا يطلب منه فيها الدخول إلى الجزائر لأن الجيش الفرنسي و منذ سنتين لم يستطع إجهاض الثورة وفي كل يوم يشهد الجيش الفرنسي انهزامات متتالية لأنه بسبب عدم وجود رجال لنا وسط الثوار الجزائريين، وبالتالي علينا زرع أعواننا في وسطهم وقد قمنا بهذا العمل في حربنا في الهند الصينية و نجحنا و في الجزائر لدينا العديد من المخلصين لفرنسا ونعرفهم لهذا يجب استعمالهم، فأجابه الجنرال ماسو و قال له لقد فهمتك. اتصل هذا الأخير بقبطان يسمى دولون و تم إنشاء هذا الهيكل وفي هذا السياق تم إرسال اثنين واحد منهم يدعى عبد الهادي مخناش وآخر يدعى أوارا مبروك هذا الأخير تمكن من الوصول إلى وزارة التسليح والاتصال الخاصة بالثورة في تونس، وبتغلغل هذا كانت كل البواخر التي تحمل السلاح يكتشف أمرها وسط البحر حتى تم اكتشاف هذا الجاسوس. ولما اشتبهت في أمره في البداية أخبرت أوعمران و قلت له انك تعمل مع خائن بعد أن أخبرني بذلك مجاهدون من جماعة الأوراس لأنهم كانوا يعرفونهم جيدا وبالنسبة للمدعو مخناش قد حكم عليه المجاهدين بالإعدام حتى قبل دخوله إلى تونس لأنه كان يعمل مع العدو حتى قبل الثورة ، وقد كان رئيس المندوبية الخاصة بالمنطقة. وحول كيفية تسلله إلى صفوف الثورة ، فبأمر من المصالح السرية الفرنسية قام هذا الأخير بمنح 03 ملايين فرنك فرنسي وادعى أنه أصبح مجاهدا، وأشيع في كامل عين البيضاء بأنه التحق بالثورة وبعد مدة ألقى الفرنسيين عليه القبض شكليا و أطلق سراحه كما يزعمون بعد 20 يوما أو شهر ثم بعد ذلك التحق هذا الأخير بتونس واتصل بأوعمران كمجاهد وأوعمران عندما دخل الجهة التونسية كان خائفا لأن جماعة الولاية الأولى كانت ضد لجنة التنفيذ والتنسيق واكتسب هذا الخائن ثقة أوعمران حيث قال له بأنني من أنصار مؤتمر الصومام وسأقوم بتصفية كل خصومك وأنا معك ضد جماعة القاهرة واكتسب ثقة عمياء من طرف أوعمران وعندما قدمه إلي عمران كلمته عن حقيقة هذا الخائن، لكن أوعمران انتفض و قال لي لا ليست هاته هي حقيقة الرجل و انه معي و هذا كذب . لم افلح في إقناع اوعمران وحينها تقرر أن أتولّى مهمة اغتيال مهساس الذي كان قد هرب إلى سويسرا ليتسنى لهم التخلص منا نحن الاثنين أنا ومهساس إذ بعد تصفيته أكون ارتكبت جرما في حق الثورة و هكذا أبتعد عنهم و كذلك يكون الأمر منتهيا عند القضاء على مهساس ويخلو الجو لهذا العميل لأن الأمور كانت من تدبيره. س – كيف تم إلقاء القبض على الجاسوس؟ وكيف وصلتم اليه؟ ج – أما كيف تم القبض على هذا الخائن فلقد كان بوصوف على رأس وزارة التسليح ووضع نظام للشرطة فسلمناه ملف يتضمن معلومات عن هذا الشخص و تمت مراقبته مدة من الزمن حيث داهموا المنزل الذي يقطنه ووجدوا لديه وثائق و أدلة تثبت تورطه وحين مداهمه الشرطة له أتلف بعض الوثائق ورماها في المرحاض ولما وضعوه في السجن (وهذا كله حدث بدون علم أوعمران إذ لما علم تدخل وأطلق سراحه بعد 15 يوما) وتم وضعه تحت الرقابة، إذ كلّف أحدنا بمراقبته، ولما شعر هذا العميل بحراستنا له فر إلى بنزرت وانتهى الأمر بتهريبه إلى فرنسا. وهناك قصة أخرى عن الخونة و تغلغلهم داخل الثورة و في أماكن حساسة و لقد اكتشفناهم رغم كل ما فعلوه . حيث أنه كان هناك شخص يدعى بنونة ميلود من أبناء القصبة وهذا الشخص كان من أوائل الجواسيس الذين أرسلتهم فرنسا إلى سويسرا ومن سويسرا إلى طرابلس في سنة 1955 وهذا الشخص أنا الذي اكتشفت أمره ، إذ لما قدمنا من القاهرة الى طراباس لندخل شحنة من الأسلحة إلى الجزائر وكان وقتها قاضي البشير هو المسؤول في طرابلس كلفني بأن أقوم باصطحاب اثنين من المناضلين إلى سويسرا و ضمان إدخالهم إلى فرنسا و قال لي خذ معك بنونة ميلود. ويما أنني لا أرتاح إليه رفضت ذلك ، عندها أصر هذا المسؤول ، فلم يكن مني إلا أن رضخت للأمر ، وحدث أن ذهبت إلى الحمام و لما دخلت إلى –البيت السخون-وجدته يتحدث مع أحد الأوربيين فقدمه إلي على أساس أنه سائح ألماني لكنني رأيت أنه يتكلم الفرنسية بطلاقة فتأكدت أنه فرنسيا وزادت شكوكي على صاحبي ،ولما ذهبنا إلى سويسرا تقاسمت معه غرفة واحدة لكنني كنت يقضا حيث أنني أوهمته بأنني نائما فقام هذا الشخص ولما أيقن أنني نائما خرج مسرعا ، لكنني قمت و تبعته دون أن يراني و بقيت أتبعه من غير أن يحس و لما وصلنا الى حيث توجد أقواس في أحد الشوارع اختبأت وراء أحد الأعمدة فرأيت صاحبنا يتحدث مع نفس الشخص الذي قدمه إلي في الحمام بطرابلس على انه سائح ألماني وهنا تأكدت أنه خائن. وفي الليل هاتفني بن بلة من اسبانيا على الواحدة صباحا و كان صاحبنا نائما وعندما أكملت كلامي مع بن بلة استيقظ مسرعا ونزع من يدي سماعة التليفون وبدأ يتكلم ...ألو....ألو.... لكن بن بلة كان قد قطع المكالمة عندها بدأ صاحبي يطرح في الأسئلة : ماذا قال لك بن بلة؟ عن ماذا تحدثتم ؟ ما هي الأوامر ؟ فقلت له لماذا تسأل ألا تعرف سرية النظام ؟ وكان هذا الشخص يعرف كيف سيتنقل هذان الشخصان اللذان كلفت بهما حسب ما خططنا له مسبقا ، أخبرت الشخصين أن مرافقنا هو عميل لفرنسا عندها اندهشا. وبما أنه يعلم أنهما سيدخلان الى فرنسا يجب أن لا يعرفا كيف يخرجان من الفندق، ورتبت الخطة معهما إذ قلت لهما، فأنتما لديكما العنوان ولديكما كلمة السر فغدا صباحا عند السادسة صباحا ستخرجان من الفندق لكن لا تخرجا عن طريق الباب الرئيسي أين توجد مصلحة الاستقبال لكي لا يكون له علم واستغلا قطار السادسة صباحا و عند بلوغكما حدود الأراضي الفرنسية يكون صاحبنا ما يزال نائما. وتم الأمر كما خططت له وذهبا الشخصان و وصلا الى فرنسا ومازال صاحبنا يغط في نومه لأنه كان يعتقد أنني سأقول له متى سيغادران ولما نهض من نومه كنا نجلس نشرب في قهوة واذا بالمكلفة بالنظافة في الفندق تأتي مسرعة لتقول لي أن صاحباكم غير موجودان تظاهرت بنني لا أعلم شيئا لكن صاحبنا صعد جريا الى الغرفة و هو يتساءل : الى أين ذهبا ؟ فقلت له لا أدري لعلهما خافا وعادا الى طرابلس .. عدنا الى طرابلس عن طريق تونس أين التقيت الشخص بعدها كلفوني بإدخال شحنة من السلاح الى الجزائر و أمروني بأن يذهب معي هذا الشخص و لما أطلعتهم على حقيقته قال لي المسؤول حينها بالحرف الواحد: إن رأيت منه شيئا تخلص منه في الطريق أي قم بقتله لكن كان هذا الشخص قد وصلته معلومات بانكشاف أمره ، لا أدري كيف فهرب نحو السفارة الفرنسية في طرابلس ومن بعدها الى فرنسا، وبقي يمارس نفس المهام القذرة في أوساط جبهة التحرير في فرنسا. وحتى بالنسبة لكيفية انخراطه في الجبهة فقد كانت بناءا على خطة محكمة من تدبير المصالح الفرنسية للجوسسة، فهذا الأخير كان في القصبة اتصل باثنان من المناضلين وهما ماحي ومصطفى بطال ودعاهما إلى تشكيل خلية لفائدة الثورة على أساس أنه هو المسؤول، واستطاع أن يكسب ثقتهم فقد كان يقوم بعمليات ضد المصاليين ليثبت ولائه للجبهة، ولما شك في أمره سويداني بوجمعة فرّ وأوشى بالجماعة التي كانت معه للسلطة الفرنسية فاعتقلتهم ماعدا واحدا. وذهب للبليدة ليعيد الكرة لتشكيل خلية أخرى فسأله مسؤول النظام عمّا يثبت علاقته بالجبهة، قال لهم الشاهد هو مصطفى فطالي (وهو الذي لم يلقى عليه القبض) فشهد له هذا الأخير بحسن نيته بأنه مناضل معهم وشكّل خلية أخرى في البليدة وأوشى بها فيما بعد للعدو، ولما انكشف أمره أرسلته المخابرات الفرنسية إلى سويسرا وطرابلس. س – حاولتم الصلح بين بومدين وأعضاء الحكومة الجزائرية سنة 1961؟ ج – وقع خلاف بسبب قيام أحد جنود جيش التحرير بإسقاط طائرة فرنسية في الأراضي التونسية، و تم أسر الطيار من طرف الجيش الجزائري ، فقامت فرنسا بحملة دبلوماسية لإطلاق سراحه، واحتج بورقيبة لدى الحكومة الجزائرية على هذا التصرف داخل أراضيه ، وبعدها توجه كريم وبوصوف وبن طوبال إلى بومدين الذي كان الأسير عنده وطلبوا منه تسليمه لهم، لكن بومدين أصر على أن يسلمه مقابل إطلاق سراح أسرى جزائريين لدى فرنسا، واشتد الخلاف بين الطرفين حينها طلب مني الصافي بوديسة التوسط لإصلاح الأمر بين الطرفين لما لي من احترام عند الحكومة وعند بومدين الذي رغم ما قيل عنه فإن ميزته تكمن في عدم التنكر للمناضلين الذين يعرفهم، ولما اتصلت به قلت له بأننا في مفاوضات مع فرنسا، ولو اطلعت على هذا الخلاف فإمها تطالب بالمزيد من التنازلات، فلتتركوا الخلافات إلى ما بعد الاستقلال ثم نحل مشاكلنا، أجابني حينها بومدين: أنني لا أريد أن أسبب مشاكل أو عراقيل للمفاوضات رغم تحفضي على بعض البنود وليقف الأمر هنا. س – وماذا عن وساطتك بين بن بلة ومحمد أولحاج؟ ج – الذي كلفني بالوساطة هو أحمد مهساس قبل أن يصبح وزيرا إذ قال لي بأن الشيخ اولحاج يكن لك احتراما شديدا والوضع متأزم وصل إلى حد حمل السلاح، والمشكل ليس في محمد اولحاج الذي لا نشك في إخلاصه ، لكن ما أخشاه أن يستغله بعض السياسيين من مجموعة كعلي يحي عبد النور، وآيت أحمد وغيرهم وهنا يكمن الخطر. بعدها اصطحبت معي أحد المجاهدين دلني على مكان تمركز اولحاج، ولما وصلت طلبت مقابلته على إنفراد، بعد ساعة قدم إلي الشيخ اولحاج وهو يحمل رشاشة ويرتدي لباسا عسكريا، وبعد التحية المتبادلة سألته عن سبب حمله السلاح قال لي بأن الجماعة ألغو مؤتمر طرابلس، ولما تولى بن بلة الحكم في الجزائر لم يعقد مؤتمرا لقادة الثورة بل ذهب إلى مصر وأخذ التعليمات من هناك، وخيذر هو الأخر جاء من سويسرا، وأصبحوا يتحكمون في مصير الشعب وبالتالي حملت السلاح لتعود الشرعية، وإذا عقدوا المؤتمر وأرجعوا الكلمة للثوار، وسأكون في الخط الأول لمواجهة الأطماع المغربية في التراب الجزائري، وبعده أضع السلاح، ولما حذرته من الألاعيب السياسية قال لي بالحرف الواحد "راني مارقلهم" ثم أضاف يا سي رزقي إن شغلي الشاغل هم أبناء الشهداء وأراملهم لأن آباءهم وأزواجهم ماتوا تحت مسؤوليتي فاطمئن يا سي رزقي وبلغ ذلك لمن أوفدك. عدت حينها إلى مهساس وأخبرته بما دار بيننا وبعدها توجهنا إلى بن بلة ونقلنا له ما يقوله اولحاج، ولم يمضي وقت طويل حتى عقد بن بلة المؤتمر وكان اولحاج عند وعده فاتجه مباشرة إلى الحدود المغربية، وكان فيلقه حاسما في المعركة نظرا لنوعية الرجال الذين كانوا معه. س – هناك جدل حول دور تونس والمغرب خلال الثورة ماذا تقولون؟ ج – الحقيقة مرة أحيانا، فبالنسبة للشعب التونسي فيه من المخلصين للقضية الجزائرية بل فيهم حتى من استشهد من أجل الجزائر، وهناك غير ذلك في وسط الشعب، لكن علينا أن نعي الدور الفرنسي في إثارة الفتنة بيننا وبين أشقاءنا، فديغول صرح مرة بأن بورقيبة طلب منه تقسيم الصحراء الجزائرية على جيرانها ، وهاته مناورة للايقاع بيننا وهناك عينات أخرى لا يسع المجال لذكرها. وبالنسبة للمسؤولين التونسيين الرسميين فمن حقهم مراعاة مصالح بلدهم، فمثلا عند مرور السلاح عبر الأراضي التونسية للجزائر، كانوا يأخذون شاحنة كاملة محملة بالأسلحة لهم من بين كل 10 شاحنات. وبالنسبة للمغرب فلا يمكن انكار دور الشعب ومحمد الخامس الذي كان محبا للشعب الجزائري وثورته، على خلاف ابنه الحسن الثاني، ضف إلى ذلك التنظيم القوي للجهاز الذي أنشأه بوصوف في هذا البلد إذ كان صارما للغاية حال دون الاختراقات والمساومات بالثورة الجزائرية. أما بالنسبة لمصر فدورها أعظم خاصة قائدها جمال عبد الناصر، ولا يمكن أن يشك في ذلك إلا جاحدا أو حاقدا. وفي هذا المجال كذلك لنكن صرحاء مع أنفسنا ماذا لو قامت جبهة البوليزاريو في الجزائر بما قمنا به في تونس أو المغرب هل هو مقبول، حتى وإن كانت تصرفات غير نظامية. س – في مذكراتك أنكرت دور مصر في تفجير الثورة؟ ج – يذكرني سؤالك هذا بسؤال وجهه لي بوتفليقة سنة 1961 وكان معه المرحوم أحمد مدغري، سألني من حدد موعد انطلاق الثورة؟ هل هم جماعة الداخل أو الخارج؟ فأجبتهم بأن جماعة الخارج أي القاهرة ليس بإمكانهم تحديد التاريخ لأنهم لم يكونوا على اطلاع دقيق بما يحدث في الداخل، ضف ‘لى ذلك خلافات الداخل كانت قائمة حول الثورة بين المصاليين والمركزيين، واللجنة الثورية للوحدة والعمل وغيرهم، وطرح إشكال لدى هؤلاء حول عدم تحضير الجهة الغربية للكفاح فتم تحديد سبتمبر لانطلاق الثورة ثم تأجل إلى أكتوبر ثم تم في نوفمبر. وبالتالي فإن تحديد الموعد من الخارج من المستحيلات فلو فرضنا أن مجموعة القاهرة أعلنت تاريخا معينا ولم تندلع الثورة، فإنهم بذلك يفقدون مصداقيتهم حتى في القاهرة. أما عن كيفية إذاعة بيان نوفمبر من القاهرة، فيرجع ذلك إلى بوضياف الذي بعد أن أكما الاستعدادات لليلة أول نوفمبر انتقل يوم 27 أكتوبر إلى القاهرة والتقى بن بلة واجتمعوا مع عبد الناصر وأخبروه بليلة اندلاع الثورة ولذا فإن تفجير الثورة من مصر لا يعني بأنها وراء تفجيرها. س – مما تضمنه كتابكم المخطوط تحاملا على منظمة المجاهدين دون الوزارة؟ ج – حملت المسؤولية للمنظمة وليس لوزارة المجاهدين لأنني ضد وجود هاته الوزارة أصلا، ولا يجب أن نقزم المجاهدين في هيئة وزارية أو جمعية، بل يجب أن يكون المجاهدون فوق كل ذلك، لأنهم هم العين الساهرة للحفاظ على البلد ومراقبة دواليب تسيره والدفاع عن مصالحه العليا. وأنا لست ضد الوزارة، فقد كنت أول من فتح مقرها سنة 1962 وكان محمدي السعيد أول وزير لها، لكن طفت العالم ولم أجد وزارة للمجاهدين إلا في فرنسا، ففي يوغسلافيا مثلا التي لديها آلاف المقاومين ضد الألمان لديهم منظمة المجاهدين التي لها وزنها، فقد حضرت استعراضا في أحد أعيادها فأول من يمر في الاستعراض المقاومون وحين يصلون إلى المنصة الشرفية ينحني لهم احتراما كل المسؤولين بما فيهم جوزيف تيتو رغم أنه كان مسؤولهم، فالمفروض أن تكون الكلمة الأولى والعليا للمجاهدين في القضايا المصيرية والإستراتيجية للوطن ، ولا يجب حتى تحزيبها، وما دمنا نتكلم عن المصالحة، فالأحرى أن تكون المصالحة أولا بين المجاهدين ولا يجب الإستحواذ عليها من طرف فئة دون أخرى، فأنا مثلا رغم مساري الجهادي لم أحضر أي مؤتمر للمجاهدين ولم أتلقى أية دعوة طيلة هاته المؤتمرات وشأني في ذلك المئات من المجاهدين. وعلينا كذلك أن ننزه المجاهدين عن جميع الشبهات، وعلى ما يشكك فيهم مثلا قضية القضاة المزيفين لماذا نتركها كنافذة للمتشككين وما المانع أن نجتمع وندرس هاته الاتهامات ملف بملف ونطوي الموضوع نهائيا، وحتى بالنسبة للمتسللين لماذا لا تكون لنا الشجاعة في إقصائهم حتى وإن كان للمجاهدين ضلع كبير في تزكيتهم وأكبر خطأ ارتكبه المجاهدون في هذا المجال عشية الاستقلال حين استفحلت الفتنة بينهم وفتحوا الباب للمجندين الجدد وكل واحد يسعى لتعزيز صفوفه. وهاته الانزلاقات التي قزمت من دور المجاهدين وجعلت حتى البعض لا يقدرهم حق قدرهم ولا يعرفون معنى أن يترك الإنسان أولاده وزوجته وذويه ويقدم نفسه للتضحية والشهادة .