تلوك السلطة منذ سنوات طويلة نفس الخطاب تبثُّه في الداخل في المناسبات الوطنية والتاريخية وما أكثرها.. تروحُ تعرض بلاغتها أمام الجماهير وتحشد لغة مليئة بالاستعارات وتجيّش عواطفهم وتفتح جروح الذاكرة الوطنية على آلام المستعمر وجرائمه الموصوفة. ولأن الذكريات مضرّجة بدماء الشهداء الذين قضوا نحبهم وقدّموا روحهم قرابين لحرية الأرض والإنسان، يسعى من ينتظر منهم لاحترام العهد حتى لا يبدّلوا تبديلا.. غير أن المناسبات التي انتهكت فيها الأرض واللغة والإنسان من قبل فرنسا الاستعمارية كثيرة جدا، ولأجل ذلك يستعيد الجزائريون تذكار الأمس مرارا على مدار السنة ويقفوا على الفجيعة وصفحات السواد الذي خطّه جنرالات أمعنوا في الظلم وأوغلوا في القمع ولم يسلم من حربهم حتى الشجر والحجر، وجرى ذلك ضمن سياسة موصوفة للدولة الاستعمارية التي أرادت اضطهاد شعب بكامله رفض الاستسلام للاحتلال منذ صيف 1830. هاهي ذكرى السابع عشر أكتوبر عام 1961 تعود هذه المرة لتذكّر فرنسا بعارها في عاصمتها باريس حينما رمت بوليسها بالمتظاهرين الجزائريين في نهر السين لأنهم طالبوا باستقلال الجزائر. لم يعد مهمّا اليوم أن نذكّر بعضنا البعض بما فعلت الاستعمار في 17 أكتوبر أو 8 ماي أو 11 ديسمبر أو..أو..أو.. المهم أكثر أن تصدق النيّة في متابعة ملف جرائم فرنسا في الجزائر باعتبارها جرائم دولة موصوفة وجرائم ضد الإنسانية ولا تسقط بالتقادم ولا حلّ لها إلاّ الاعتذار السياسي لأنه المخرج الأخلاقي الوحيد للمسألة. لم نسمع رغم كل ما قيل بمتابعة رسمية مدروسة لهذا الملف، فباستثناء الخطابات والتصريحات هنا وهناك والتداول الجمعوي والإعلامي لم يبرح الملف هذا المربّع الأول منذ سنوات عديدة.. ربما هي حسابات السياسيين..ربما.. لكن لا نرى أن حسابات السياسة الضيقة تُسقط الحق وتتجاوز واجب الذاكرة.. ما فعلته فرنسا الاستعمارية في الجزائر هو جرائم دولة ولا شك، لكن لا قاضي لها من الجزائريين سواء كانوا سلطة أو مؤسسات لذلك تستمرّ فرنسا اليوم في سياسة التجاهل المتعمّد..! أما بعد: "أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما هي أشياء لا تشترى.."! أمل دنقل