عبد المجيد بن حديد اليوم الثامن من ماي 2008 تكون قد مرت على مجازر 8 ماي 1945 ثلاثة وستون عاما، هي عمر المجزرة التي تبقى شاهدا على ما ارتكبه الاستعمار الفرنسي ضد المواطنين العزل من جرائم يندى لها جبين الانسانية، كل ذنب هؤلاء أنهم خرجوا في كل من سطيف، فالمة، خراطة ومناطق أخرى من الوطن، مطالبين بالحرية الموعودة بعد انتصار الحلفاء على النازية في الحرب العالمية الثانية• بقيت في هذه المناطق من الجزائر، وفي كل الوطن جروح لاتزال تنزف دما وقلوب لاتزال تحمل للاحتلال ذكريات القمع والقتل والتهجير والتعذيب•• ما وقع في 8 ماي 45 وما وقع طوال سنوات ثورة التحرير، وما كان على مدى قرن وأكثر من ربع القرن كل ذلك مدوّن في ذاكرة الشعب وستبقى الاجيال ترويه للأجيال، وسيبقى نهر الدم الذي سقى أرض الجزائر وحررها من بطش الاحتلال يشكل خطا أحمر يصعب تخطيه حتى لو اعترف الاستعمار بجرائمه واعتذر للشعب الجزائري••• الذكرى لا يجب أن تكون مجرد وقفة لاستقراء التاريخ واستعادة الحدث، بل لابد أن ترتقي إلى برامج لندوات تاريخية عبر الوطن ولمدة اسبوع لتعطي للواقعة بعدها الانساني ولتكشف للاجيال ممارسات الاحتلال التي لم تكن ابدا فعلا حضاريا بقدر ما كانت جرائم ضد الانسانية• يجب أن نجعل من 8 ماي 1954 يوما لإدانة جرائم الاستعمار ليس في الجزائر فقط، ولكن في كل افريقيا والمناطق التي كانت ترزح تحت الاحتلال الفرنسي حتى لا يكون ما ارتكبوه مجرد حدث انتهى، ولم يعد له عند الشعوب أي معنى سوى ذلك الذي يحاولون تسويقه بأنهم صناع حضارة ورسل تقدم• الاجيال الصاعدة في الوطن وفي العالم العربي لا تعرف أي شيء عن تلك المجازر، وتجهل الكثير مما قام به الاحتلال طوال فترة تواجده بالجزائر من ضرب لكل ما يمس الهوية الوطنية من لغة وتاريخ وقيم حضارية، وأيضا مجازر وعمليات إبادة جماعية وتهجير وافتكاك للأراضي وتمكين المستعمرين من خيرات الوطن، في حين أن أبناءه يعانون الفقر والجهل والمرض••• الغريب أن بعض الافلام الحديثة لمخرجين شباب يحاولون أن ينقلوا الصورة بشكل معكوس، ويجعلوا من المقاومة الوطنية مجرد عمليات فيها أيضا من القتل والظلم للمستعمرين حتى أن بعض هذه الافلام وهي في اغلبها إنتاج مشترك جزائري- فرنسي عرض في أحد لقطاته أقداما تدوس الراية الوطنية• إن هذه الأعمال وغيرها من الكتابات لمؤرخين أو مذكرات لمسؤولين فرنسيين كانوا صناع القرار أو مساهمين فيه، تحاول أن تزرع الشك في عظمة ثورة التحرير، وفي رجالات الثورة والشهداء منهم والذين لايزالون على قيد الحياة لتخفف من ذلك الارث الثقيل الذي مهما حاولوا تجميله بقرارات أو مراسيم أو أفلام أو كتابات فلن يغيروا من الواقع شيئا• فآثار همجيتهم لاتزال ماثلة للعيان، ولاتزال حية في الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري•• ملايين الشهداء، أبناء وأرامل الشهداء معطوبي الحرب، آثار التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية•• وغير ذلك من ضحايا القمع التي مارسها الاحتلال ضد الشعب الجزائري، كلها شواهد، وهي نفسها التاريخ، وهي أيضا عناصر المقاومة التي من خلال كل تلك التضحيات كان النصر، وكان الاستقلال• أعتقد أن لابد من أن نحول كل المناسبات التاريخية التي لا علاقة لها بكفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال إلى مهرجانات تتجسد من خلالها أحداث الذكرى في محاضرات وندوات وكتب، وأفلام وثائقية تسوّق إلى كل العالم بالوسائل التكنولوجية الحديثة، بدءَ من الانترنيت وانتهاء بالأقراص والمواقع الإلكترونية فذلك وحده الكفيل بمقاومة النسيان• لقد انتجت في سنوات الاستقلال الأولى أفلام كانت قمة عن الثورة والمقاومة - معركة الجزائر - رياح الأوراس، العصا والافيون، إلى غير ذلك، كما واكبتها آنذاك نهضة مسرحية مشهود لها تحت قيادة المرحوم مصطفى كاتب•• لكن وبكل أسف توقفت تلك الاعمال الرائعة وراجت أخيرا أعمالا لا أدري كيف أصنفها•• أهي رؤيا من زاوية أخرى، أم تشويه مقصود، في كل الأحوال••• التاريخ يبقى تاريخا والحقيقة لا يمكن أن تطمس•