خدمات الحالة المدنية لوازرة الخارجية كل يوم سبت.. تخفيف الضغط وتحسين الخدمة الموجهة للمواطن    الذكرى ال70 لاستشهاد ديدوش مراد: ندوة تاريخية تستذكر مسار البطل الرمز    انتصارات متتالية.. وكبح جماح تسييس القضايا العادلة    مجلس الأمن يعقد اجتماعا حول وضع الأطفال في غزّة    تمديد أجل اكتتاب التصريح النهائي للضريبة الجزافية الوحيدة    فتح تحقيقات محايدة لمساءلة الاحتلال الصهيوني على جرائمه    التقلبات الجوية عبر ولايات الوطن..تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة    خدمات عن بعد لعصرنة التسيير القنصلي قريبا    وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية يشدد على نوعية الخدمات المقدمة وتعزيز استعمال الدفع الإلكتروني    بلومي يباشر عملية التأهيل ويقترب من العودة إلى الملاعب    ريان قلي يجدد عقده مع كوينز بارك رانجرز الإنجليزي    الجزائر رائدة في الطاقة والفلاحة والأشغال العمومية    رحلة بحث عن أوانٍ جديدة لشهر رمضان    ربات البيوت ينعشن حرفة صناعة المربى    35 % نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني    حزب العمال يسجل العديد من النقاط الايجابية في مشروعي قانوني البلدية والولاية    قافلة تكوينية جنوبية    المولودية على بُعد نقطة من ربع النهائي    مرموش في السيتي    تراجع صادرات الجزائر من الغاز المسال    الرئيس يستقبل ثلاثة سفراء جدد    نعمل على تعزيز العلاقات مع الجزائر    أمطار وثلوج في 26 ولاية    حريصون على احترافية الصحافة الوطنية    إحياء الذكرى ال70 لاستشهاد البطل ديدوش مراد    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    بسكرة : تعاونية "أوسكار" الثقافية تحيي الذكرى ال 21 لوفاة الموسيقار الراحل معطي بشير    كرة القدم/ رابطة أبطال افريقيا /المجموعة 1- الجولة 6/ : مولودية الجزائر تتعادل مع يونغ أفريكانز(0-0) و تتأهل للدور ربع النهائي    كرة القدم: اختتام ورشة "الكاف" حول الحوكمة بالجزائر (فاف)    حوادث المرور: وفاة 13 شخصا وإصابة 290 آخرين خلال ال48 ساعة الأخيرة    تجارة : وضع برنامج استباقي لتجنب أي تذبذب في الأسواق    ري: نسبة امتلاء السدود تقارب ال 35 بالمائة على المستوى الوطني و هي مرشحة للارتفاع    مجلس الأمن الدولي : الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    سكيكدة: تأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية تخليدا لبطولات رموز الثورة التحريرية المظفرة    تطهير المياه المستعملة: تصفية قرابة 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا    الجزائرتدين الهجمات المتعمدة لقوات الاحتلال الصهيوني على قوة اليونيفيل    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة و اتحاد الجزائر من اجل إنهاء مرحلة المجموعات في الصدارة    تقلبات جوية : الأمن الوطني يدعو مستعملي الطريق إلى توخي الحيطة والحذر    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 46899 شهيدا و110725 جريحا    منظمة حقوقية صحراوية تستنكر بأشد العبارات اعتقال وتعذيب نشطاء حقوقيين صحراويين في مدينة الداخلة المحتلة    اتحاد الصحفيين العرب انزلق في "الدعاية المضلّلة"    الأونروا: 4 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول غزة    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    قتيل وستة جرحى في حادثي مرور خلال يومين    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي السعودي عبد الله زايد ل" صوت الأحرار "
نشر في صوت الأحرار يوم 06 - 05 - 2008

الروائي السعودي الشاب عبد الله الزايد من أهم الأسماء الإبدهعية الخليجية التي تحفر في فضاء الصنعة الروائية ويكشف من خلال حواره الشيق العديد من قضايا العمل الإبداعي وهمومه وتفاصيل عن منع روايته " ليتني امرأة " وما أثارته من جدل على صعيد المشهد الروائي العربي وهامش الحرية
-رواية" ليتني امرأة" لم تكن رواية عن الجنس لكنها رواية عن المرأة رغم ذلك منعتها الرقابة السعودية.. لماذا؟
***لا أجد مبررا لحرمان "ليتني امرأة" من المشاركة في معرض الرياض الدولي للكتاب، وبالتالي عدم السماح بدخولها لتكون موجودة في المكتبات داخل بلادي ووطني، ودوما هذه الممارسة – المنع – نقف أمامها بحيرة كبيرة، فهي حالة يصعب تشخيصها وفهمها. ولا أدل على مثل هذه الحيرة، ممن وصفها بأنها تخضع لمزاج الرقيب التي وقعت عيناه على المنجز الأدبي، فإذا كان في لحظات تسامح وتفهم للآخر فمنجزك الأدبي سيرى النور، أما إذا كان في مزاج متعكر أو متنرفز، فحظك سيئ.
---قلتم في تصريحات سابقة أنكم بصدد رفع دعوى قضائية ضد وزارة الثقافة السعودية التي منعت العمل.. هل تعتقدون فعلا أن هذه الدعوى ستحل المشكلة؟
****أسعى من خلال هذا التحرك إلى إبلاغ رسالة احتجاجية، ضد من يسيء استخدام أدواته الرقابية، وللفت الانتباه إلى أن هذه المؤسسة التي يفترض أن تعنى وتهتم بالمثقف والثقافة هي التي تمارس الإقصاء ومحاولة تكميم الأصوات واغتيال الفكر الإنساني.. ولدي ثقة كبيرة بالقضاء السعودي، فمن غير المقبول أن يتم التسامح مع أعمال أدبية، لأنها وجدت الدعم والوساطة، بينما أعمال أخرى يتم إقصاؤها ومنعها، وهذا سيكون الأساس الذي سأنطلق منه خلال مخاطبة القضاء، وهو التركيز على عدم وضوح الرؤية لدى المؤلفين والمبدعين، فلا يعلمون ما الممنوع وما المسموح؟ أيضا سأحاول أن أوضح أن هناك ازدواجية في التعامل وكما يقال كيل بمكيالين، في مسألة السماح والمنع.
---ألا تعتقدون أن احد أسباب منع الرواية أنها تعرضت بالنقد لرجال القرار من خلال قصة البطل الذي يقف في وقت سابق ضد المرأة؟
***قد يكون هذا سببا، وقد تكون هناك أسباب أخرى، فعلا لا أعلم، لكن هناك يوميا وعلى صفحات الصحف السعودية نقد سواء في الأخبار أو المقالات، وهذا النقد يطول الوزراء وكبار المسئولين، خصوصا تلك الجهات التي تقدم خدماتها للمواطنين، فالنقد وظيفة من وظائف الصحفيين والكتاب والمؤلفين، فهم جزء من المجتمع وهذه وظيفتهم وهو التعبير عن هموم الناس وطموحاتهم وتطلعاتهم، وأعتقد أن هذه النقطة يفهمها الرقيب، لذلك أعود لأؤكد أني لا أجد مبررا أو سببا يمكن الاستناد إليه لقرار المنع، كذلك لا أعلم الفائدة المرجوة من مثل هذا القرار.
-------كتبتم الرواية في شكل متتاليات قصصية بحيث كان لكل فصل عنوان.. هل هو خيار إبداعي أم ضرورة فرضتها طبيعة العمل الروائي؟
***هي محاولة للكتابة بشكل مختلف، لذلك اجتهدت قدر الإمكان بأن يكون هيكل هذه الرواية من متتاليات قصصية بحيث يمكن فصل كل قصة على حدة، لتشكل هيكل قصة مستقلة، أما إذا تم جمع القصص مع بعض فتظهر رواية، وبالفعل عدد من مثل هذه القصص قمت بنشرها كقصة قصيرة قبل نشر العمل متكاملا كرواية.
-------هذا ثاني عمل روائي لكم بعد "المنبوذ" لماذا التركيز على قضايا المرأة كخيار إبداعي لإيصال الرسائل الفكرية ؟
****رواية "المنبوذ" كانت تتناول حقبة زمنية عاشتها الأوطان العربية بصفة عامة وهي حقبة التخلص من الاستعمار والتوجه لبناء مؤسسات المجتمع المدني، مع الصعوبات التي واجهت مثل هذا التوجه كالذهنية القبائلية السائدة، ونزعات التسلط والفوضى التي كانت موجودة في ذلك الزمن، وقد كانت المرأة مشاركة في هذه المسيرة، لذلك كان حضورها طبيعيا في رواية "المنبوذ" فهي عانت من الإهمال والمرض وأيضا من إقصائها والحد من قدراتها والتشكيك في خياراتها. أما رواية "ليتني امرأة" فهي بيان - إذا صح التعبير - فيه رصد لهذه المعاناة والتي مع الأسف لم ترفع رغم تطور مجتمعاتنا وتقدمها المعرفي، إلا أن هناك عوائق ومشكلات تعترض طريقها، وتشكل تهديدا فعليا لمنجزاتها. أما الجانب الأهم في السؤال وهو الخيار الإبداعي لإيصال الرسالة الفكرية. فالسبب واضح وهو الرغبة في الوصول بهذه الرسالة لأكبر شريحة من شرائح المجتمع، وفي ظني لو كانت الرسالة على شكل دراسة علمية أو بحثية فإنها ستكون فقط في الأروقة الجامعية ومراكز البحث، ولن تخرج عن الإطار العلمي، إنما إذا جاءت هذه الرسالة على شكل إبداعي كرواية، فإنك تضمن أكبر قدر من القراء وبمختلف الأعمار، وهذا الذي يريده أي مبدع وهو أن يصل صوته لأكبر شريحة ممكنة.
----يصف بعض النقاد الأدب السعودي الحديث ب " أدب السرير" ما رأيك؟ ولماذا يتم التركيز في السنوات الأخيرة حول الرواية السعودية وبخاصة النسوية مع العلم أن هناك من يتهم الناشرين بتشجيع الأدب الجنسي الفضائحي الذي يعده البعض أيضا بوابة أمريكا و التيارات الغربية لاختراق المجتمع السعودي و صناعة شرق أوسط جديد؟
****أعتقد أن وصف الأدب السعودي الحديث ب " أدب السرير" وصف ظالم وغير منصف، ومع الأسف فإنه تم إطلاق هذه الصفة بسبب عمل أو عملين أو حتى ثلاثة أو أربعة في المجال الروائي، وجميعنا نعلم أن التأليف في المجال الروائي، عنصر واحد من جملة من العناصر التي تشكل الأدب، حيث هناك المقالة والشعر والقصة والترجمة وغيرها، وإن كانت الكتابة الروائية هي الأنشط خلال هذه المرحلة في السعودية، لكن لا يمكن إسقاطها على جميع مفاصل الأدب السعودي وأقسامه، الذي يوجد فيه إنتاج هذا جانب، الجانب الآخر هو الرواية نفسها حيث إن هناك أعدادا كبيرة من الأعمال الروائية في غاية من الإبداع والتميز وكانت بعيدة تماما عن الجنس، فإذا أسقطنا المؤلفات الروائية التي قامت على أساس الحبكة من منظور جنسي فستبقى ملاحظة غزارة الإنتاج الروائي السعودي قائمة، الذي لا ينتبه إليه النقاد الآخرون أن الرواية السعودية فيها تنوع وتناولت جملة من قضايا المجتمع التي كانت محرمة، لذلك فإن إطلاق "أدب السرير" على الأدب السعودي فيه تسطيح لحركة الأدب السعودي التي تشهد نشاطا ملحوظا، خاصة خلال هذه الأيام.
أما حول أسباب التركيز على الرواية السعودية وخصوصا النسوية، وأن الناشرين يتهمون بأنهم قد شجعوا الأدب الفضائحي، ففي ظني أن هذا يعود إلى أن هناك إنتاجا روائيا سعوديا وهذا واضحا ومتنام خاصة في جانبه النسائي، وهذا بالنسبة لي شيء مبشر وعلامة صحية، قد تكون عليها ملاحظات، لكنني متأكد أنها ستنمو وتقوى مع الأيام. بطبيعة الحال الكتابات التي تكتب بأقلام نسوية يكون عليها إقبال من القراء أكبر لعدة عوامل لعل منها، وضع المرأة السعودية وما كان يحيط بها من قيود، فكانت كالعالم الخفي الذي يريد الآخرون اكتشافه ومعرفة خفاياه، لكن الإقبال على القراءة في السعودية ملاحظة من السهل رصدها وهي حالة متنامية، لأن الكثيرين في المجتمع السعودي باتوا يعلمون أكثر من أي وقت مضى أهمية القراءة والثقافة، لذلك باتت الساحة السعودية خصبة ومتنامية، فضلا عن الانفتاح الكبير على النشر والتأليف.
بالنسبة لتشجيع الأدب الفضائحي من الناشرين وأن هذا بوابة أو مدخل للتيارات الغربية لاخترق المجتمع السعودي، في ظني أن مثل هذه التحليلات سطحية وهي لا تعرف طبيعة المجتمع السعودي، كذلك في مثل هذه الآراء تهويل لما قد يسببه العمل الأدبي من تأثير، بينما من يتبنى مثل هذه الآراء يتناسى الفضائيات وما تبثه يوميا عشرات الساعات من الصور والأفلام التي تحمل مشاهد جنسية. لقطة واحدة تعد أكبر وأعظم من عشرات السطور في رواية، وهذا الخطر الفضائي يغزو كل منزل في الوطن العربي وليس السعودية فحسب. أعود لأقول إن مثل هذا القول يتبناه من يريد تحطيم التجربة الروائية السعودية الحديثة، وكلما أعيتهم الفكرة اتجهوا لنظرية المؤامرة، وأمريكا والغرب، وقاموا بسرد قصص وتحليلات وأقحموا فيها الغرب والمخططات الغربية لغزونا وتدميرنا، هؤلاء يوظفون نظرية المؤامرة دائما، لضرب أي صوت متنام في المجتمع يغرد بعيدا عنهم.
-------الرواية التي صدرت منذ أشهر فقط لقيت نجاحا من خلال المعارض العربية رغم منعها في وطنك.. كيف استقبلها القراء؟
*****وصف الناشر، أنها حظيت باهتمام وإقبال كبيرين من القراء، في كل من معرض أبو ظبي للكتاب ومن ثم معرض البحرين، وهي كما ذكرت عمرها قصير، ولم تساعدها الظروف ليكون وجودها طبيعيا، وتأخذ حقها في الانتشار وسط القراء في السعودية، ولكن وسائل الحصول على الكتب وعلى كل ما يحاول الرقيب منعه باتت كثيرة ومتوفرة بأكثر من طريقة، ولعل في هذا بعض العزاء.
---قلتم في تصريحات سابقة إن الرقيب السعودي لم يفهم الحروف الحقيقية للرواية الممنوعة ما هي رسالتكم الحقيقية عبر هذا العمل؟
**في ظني أن الرقيب لم يفهم ما هو أعظم من رواية "ليتني امرأة" حيث لم يدرك التحول والتغير الذي حدث في المجتمع، ولم تسعفه ثقافته في معرفة الذي يحيط به، فبعد أن أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، جملة من الإصلاحات التي طالت الكثير من الهياكل الإدارية في بلادنا، ومنها مشروعه العظيم الحوار الوطني، والانفتاح على الآخر، وتدشين مؤسسات حقوقية هي رافد من روافد المجتمع المدني مثل هيئة حقوق الإنسان وجمعية حقوق الإنسان، وأيضا إصلاحات في مجال القضاء وتنمية ثقافة النزاهة، مثل هذه الإصلاحات أوجدت فرصة لدى المثقفين السعوديين لتناول هموم المجتمع وقضاياه في الكتابة الإبداعية، وبات كل مؤلف يكتب من الزاوية التي يراها مناسبة وتخدم هدفه. مثل هذه التحولات الكبيرة لم يفهمها الرقيب ولم يستوعبها حتى الآن.
*العمل الممنوع هاجمه أيضا بعض المتشددين عبر مواقع الانترنت بدعوى أنكم تدعون إلى تشبه الرجال بالنساء كيف ترد على هؤلاء ؟ و هل تتفق معي أن جزءا من الهجوم على الأعمال الأدبية يعود إلى ركود أو قلة الاهتمام النقدي بالأعمال الأدبية و توكيل الأمر لإعلام يبحث في الغالب عن قضايا التهويل.. بصفتكم إعلاميا كيف تقرؤون هذه المفارقة ؟
**المعضلة الحقيقية والتي اكتشفتها من خلال تجربتي في رواية "ليتني امرأة" هي سهولة استخدام الدين لدى بعض من الناس، وبالتالي كيل التهم والشتم، بحجة الدفاع عن المقدسات، فهذه الرواية لا يوجد أي سطر فيها يدعو للمثلية الجنسية أو للتشبه. وفي الحقيقة ليست مثل هذه الأفكار مدار هذه الرواية أو قضيتها، لكنها تنافح وبشكل قوي عن حقوق المرأة وفيها تصريح واضح للظلم الذي تتعرض له، هذا لم أخفيه وهو شيء كتبته وأتشرف به، ولذلك استغربت كثيرا من الاتهامات، وكان واضحا أنها تصدر من أناس لم يسمحوا لأنفسهم بقراءة الرواية ومن ثم الحكم عليها. لكن وتكملة للإجابة عن هذا السؤال، أجد أن هناك معضلة أخرى وهي الانتقائية الغريبة لدى النقاد، فهم بالأساس لا يقومون بهذه الوظيفة بتلقائية ودراسة لكل جديد على الساحة، بل إن القراءة النقدية لدى بعضهم تعتمد على معايير هي أبعد ما تكون عن النقد الثقافي، مثل أن تربطك بالناقد علاقة شخصية كصداقة، أو عمل، أو أن يقدمك شخص لأحد النقاد ليتفضل عليك بإلقاء نظرة على منجزك ليس لأهمية هذا المنجز وإنما تقدير للشخص الذي قدمك له. هذا بلا شك سبب خللا في ظهور بعض الأعمال وإبرازها على الساحة، على حساب أعمال أكثر حرفية وجودة. والأخطر من كل هذا أن يظهر الناقد وكأنه قد كذب حيث كال المديح لعمل ولمنجز أدبي، وعندما ذهب القارئ لشراء هذا الكتاب يفاجأ أنه كان ضحية نصب واحتيال، فيفقد الثقة بالنقد وبكل مؤلف.. ولم يكن الناقد يستطيع ممارسة مثل هذا التحيز لو لم يجد صحف وملاحق ثقافية تقدمه وتقدم دراساته النقدية، وأجد أنه من الطبيعي أن تسعى بعض وسائل الإعلام لكل ما هو مثير للجمهور، سواء للطرح والمعالجة أو لمزيد من الإثارة، وأنا قد لا أجد مبررا لإلقاء اللائمة على وسائل الإعلام، لكنني لا أتورع عن توجيه اللوم نحو الناقد الذي كان يجب عليه ألا ينجرف وينحاز، لأن أدواته ووظيفته مختلفة تماما، عن وسائل الإعلام.
*يجمع العديد من النقاد و الإعلاميين في الخليج أن مشكلة الأدب الخليجي مع الرقابة ليست مع الدولة أو الهيئات الحاكمة بقدر ما هي مع التيارات المتشددة.. كيف تقرؤون علاقة الديني بالإبداعي و ما السبل المطروحة لتجاوز القطائع الجمالية بين التيارين؟
**هذا واضح لكل متابع للحركة الأدبية، ومع الأسف أن هذا صراع مستمر بين الإبداع والتشدد الديني، وهو موجود في الذاكرة العربية منذ عقود طويلة، وتاريخنا يحفل بممارسات التشدد الديني ضد الإبداع والتطور العلمي، وفي ظني إن بقيت هذه العقلية التي تحاكم المبدعين والمبتكرين والفلاسفة فإنه سيبقى تخلفنا وتراجعنا المعرفي قائما. ولا أجد إلا كلمة واحدة لمعالجة مثل هذا التسلط وهي الحرية، نشر ثقافة حرية الرأي والمعتقد، سواء لكل من كتب وألف وأبدع وأيضا لكل من يريد أن يتشدد في دينه أو معتقده أو رأيه، فله أن يتشدد كيفما يريد لكن على نفسه وليس على الآخرين، في ظني أن ما ينقصنا هو أن نفهم وبشكل سليم أنه لا يوجد إنسان وصي على الآخر وعلى أفكاره ومرئياته، ثم وضع أنظمة وقوانين تعالج مثل هذه التجاوزات وتعالج هذا الخلل الذي دائما يشكو منه كل مبدع ومتميز، وكل من ألف بطريقة جديدة ومبتكرة.
*ظهرت في السعودية عدة أسماء إبداعية نسوية بعضها في قمة الاحتراف الأدبي والجمال أمثال ليلى الجهني و رجاء عالم لكن لا يتم الترويج لكتبهن بقدر ما يتم الترويج للكتب التي تتحدث عن تحطيم التابو أمثال كتابات "طيف الحلاج " و رجاء الصانع و غيرهما من يتحمل مسؤولية هذا الانحراف أو تزييف الأدب النسوي السعودي في رأيكم ؟
**للشروع في إجابة هذا السؤل أحتاج أولا وكتمهيد التأكيد أنه عندما جاء عام 2006 صدم المجتمع السعودي من الروائيين السعوديين وأعمالهم فتم صب اللعنات عليهم والتبرؤ منهم، وباتت توجد حالة من انفصال وتنكر المجتمع لمثل هذه المنجزات وشارك في هذا التجاهل المؤسسات الثقافية. وبين الحالة الموجودة وهي الإنتاج الروائي، وهذا الانفصال ظهرت تفسيرات خاطئة عن الحركة الروائية السعودية الحديثة لدى الآخرين في الوطن العربي، ومررت رسالة غير صحيحة عن الروائية والروائي السعودي، وتم وضعهم في خانة أنها موضة وأنها حالة من الحالات التي تصيب المجتمعات المخملية وسرعان ما تخبو. وآخرون اعتبروها أقصر الطرق لتحقيق الشهرة أو ما يسمى المظهر الاجتماعي، ومما لا شك أن في هذا تجنيا على الأعمال الروائية وعلى مبدعيها. هذه قراءة عامة مختصرة جدا للنظرة التي عمت عن الرواية السعودية، ولكن وكما هو واضح رغم هذا الزخم الذي لاقته نظر إليها مع الأسف بشكل خاطئ نظرة محملة بالتهم والتهكم، ومن إفرازات هذه الحالة ظهور الاهتمام بالأعمال الروائية التي تتحدث عن تحطيم المحظور المحرم "التابو" وذلك لتبرير صدمة المجتمع من الحركة الروائية وتبرير تجاهل المؤسسات الثقافية لها، وتبعا لحالة التبرير الذي فسرها البعض اهتمام وانتشار توجه النقاد أيضا نحو هذه الأعمال بحكم أنها حديث الناس وتحقق لهم الشهره، فاهتموا بتلك الأعمال التي تحاول تحطيم "التابو" وقدموا مقالات ودراسات نقدية، ومع الأسف كان هذا على حساب أعمال روائية أخرى هي أكثر أهمية، فلم يطفح على السطح سواء في الوسط الثقافي أو في الوسط الاجتماعي بين الناس إلا الأحاديث عن الأعمال التي يرى بعضهم أنها جنسية وفيها تجاوزات. بالنسبة لي أرى أن هناك أعمالا روائية ظلمت دون شك بعدم الاهتمام النقدي والإعلامي مثل كتابات ليلى الجهني و رجاء عالم وغيرهم من الأسماء الإبداعية، ولكن وفي ظني أن مثل هذه الكتابات هي الأقوى على البقاء والانتشار، وهي التي ستظل، ولذلك ففرصتها في الانتشار أكبر، وإن كانت عملية انتشارها بطيئة، لكنها تسير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.