" الجزائر على فقه مذهب مالك و على عقيدة الأشعري و طريقة الجنيد " شخصية هذا الأسبوع من " لقاء خاص" هي من النوع الذي يعمل بسكينة و هدوء و دون ضجيج بعيدا عن الصخب الإعلامي و حب الظهور الذي أفسد طباع كثير من خلق الله ممن ضررهم أكبر من نفعهم على البلاد و العباد، فما أحوجنا لمثل الدكتور الشيخ محمد الشريف قاهر الذي هو فعلا شريف النسب و قاهر للجهل و للنرجسية التي زحفت اليوم على أشباه المثقفين و المتعلمين، و هو في العقد الثامن عمره لم يتوقف الشيخ قاهر يوما عن طلب العلم و البحث و التدريس و أبغض شيء بالنسبة إليه هو الوقوع في الفراغ بحيث كما أخبرني لا يجد الراحة و المتعة إلا في الحركة و العمل و هذه القيم و للأسف كدنا نفقدها في هذا الجيل الذي لا يريد أن يعترف بأن الدنيا تؤخذ غلابا بعدما استسلم لليأس و الفشل. س) من هو الدكتور قاهر؟ ج) اسمي الكامل محمد الشريف قاهر من مواليد 02 جانفي 1933 بقرية " تموقرة " ببجاية و هذه التسمية مشتقة من مكان القراءة و يعود تاريخها إلى القرن التاسع حيث استقر بها جدي الأول المدعو الشيخ يحيى العدلي أبو زكريا بن أحمد( ت 881 ه) حيث أسس معهدا للعلوم الذي كان مقصد العلماء و الطلبة، و قد كان على رأسهم الشيخ أحمد زر وق البرنو سي الفاسي( ت سنة 899 ه) الذي أخذ العلم عن الشيخ العدلي ثم بقي أستاذا و معلما و مربيا لطلبته كما ألف عدة كتب بمسجده، هذه القرية تموقرة كانت مقصدا لطلبة العلم و لم ظل بهم السبيل، و أنا ابن عائلة محافظة و متواضعة و في بداية حياتي تعلمت بمسجد القرية الذي التحقت به و أنا ابن أربع سنوات و قد كان من العادة ألا يسمح بالالتحاق بالمسجد لحفظ القرآن إلا بعد المرور على الامتحان الذي يطلب فيه الشيخ من الطفل حفظ العدد من واحد إلى عشرة وبحمد الله وفقت لما عرضت ذلك على شيخي في اليوم التالي و سمح لي بالالتحاق بالمسجد و قد قرأ علي شيخي في مستهل ذلك هذا الدعاء " باسم الله والتوفيق بالله والشيطان أخزاه الله ونحفظ القرآن إنشاء الله"، وهكذا بدأت حفظ القرآن إلى أن وصلت إلى الحزب العاشر نزولا من سورة الناس إلى سورة الأحقاف وقد وجهنا على هذه الطريقة حتى يسهل علينا حفظ السور الصغار ونتعود على ذلك دون أن نصاب بالإرهاق و الملل لو بدأنا بالسور الكبار كالبقرة وما شابه مثلا وفي هذا اليوم يأتي الطالب بشيء من الفاكهة يوزعها على زملائه إذانا بانخراط طالب جديد في صفوفهم، إذن بعد هذه المرحلة و في سنة 1949 التحقت بزاوية جدنا سيدي يحيى العدلي وقد كان شيخي الأول آنذاك هو الشيخ محمد طاهر آيت علجت حيث أتممت حفظ القرآن كله بالزاوية و هناك أخذت المعلومات الأولى في حفظ المتون سواء كانت نثرا أو نظما في رسالة أبي زيد القيرواني وابن عشير ولامية الأفعال وصرف الحديث والبلاغة الواضحة وألفية ابن مالك والعاصمية وعلوم الحساب والفرائض، و النظام تقريبا هو على نمط الزيتونة حيث الطلبة الذين سبقونا في الدراسة بالزيتونة أخذوا برامج الزيتونة ونقلوها إلينا بالزاوية وطبقت، وفي سنة 1951 التحقت بجامع الزيتونة بتونس و بما أني أخذت المعلومات الأولى من زاوية الشيخ العدلي و بعد مروري على الامتحان التحقت مباشرة بالسنة الثالثة من هذا الطور وقد كان المدير آنذاك من بجاية وهو السيد مختار البجاوي وفي السنة الرابعة حضرت للحصول على شهادة الأهلية بامتياز سنة 1954 وبعدها التحقت بالسنة الخامسة من التعليم الزيتوني بما تعادل السنة الأولى من التعليم الثانوي وفي سنة 1957 نلت على شهادة التحصيل وفي سنة 1959 نلت شهادة العالمية (بكسر الميم) في الشريعة و هنا انتهت دراستي بتونس. س) بعد حصولك على شهادة العالمية من جامع الزيتونة، أين واصلت ما تبقى من مشوارك الدراسي؟ ج) بعد ذلك تكفلت الحكومة المؤقتة التي تشكلت سنة 1958 و بإشراف وزير التربية آنذاك الشيخ أحمد توفيق المدني رحمه الله ببعثنا لمواصلة الدراسة إلى المشرق العربي، فمجموعة ذهبت إلى القاهرة و أخرى إلى دمشق أما مجموعتي فقد توجهت إلى بغداد و قد تم نقلنا برا عبر الطرق الغير رسمية على متن شاحنة كانت تنقل السلاح من القاهرة إلى المجاهدين بالجزائر، و في بغداد عوملنا من طرف نظام عبد الكريم قاسم رحمه الله الذي كان مناصرا و مدعما للثورة الجزائرية معاملة و رعاية خاصة وفي العراق التحقنا بالاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين فرع بغداد و بعد دراسة ثلاث سنوات تحصلت على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وفي سنة 1962 ومباشرة بعد الإعلان على الاستقلال في عهد الحكومة المؤقتة برئاسة يوسف بن خدة عدنا إلى الجزائر عبر طائرة خاصة سخرتها لنا جبهة التحرير الوطني و بجواز سفر جزائري، وبعد عودتي إلى الجزائر مباشرة عينت أستاذا بثانوية ابن تومرت ببوفاريك وبعدها بسنة تنقلت إلى ثانوية عقبة بباب الواد بالعاصمة و بعدها التحقت بالمعهد التربوي للجنة التأليف وبعد ذلك التحقت بجامعة الجزائر و تحصلت على شهادة الدكتوراه من الدرجة الثالثة بين سنتي 1972/1973 حول " الأدب الأندلسي" وبعدها بقيت أدرس بالجامعة إلى غاية سنة 1983 حيث عينت مديرا بمعهد العلوم الإسلامية التابع لجامعة الجزائر الذي تحول فيما بعد إلى المعهد الوطني العالي لأصول الدين و بقيت مديرا بهذا المعهد لمدة تسع سنوات أي إلى غاية سنة 1990 وبعد هذا التاريخ تفرغت لمدة سنتين للتدريس بالمعهد الوطني العالي للقضاء، مع مواصلة تدريسي وإلى اليوم لعلوم القرآن والحديث بجامعة الجزائر وهذا بعدما تركت تدريس الأدب العربي. س) عندما كنتم تزاولون دراستكم بتونس اندلعت الثورة الجزائرية، كيف استقبلتم هذا الحدث؟ ج) الطلبة الجزائريينبتونس كانوا منقسمين إلى فوجين مع احتفاظهم على رابطة الأخوة، فوج البعثة وهو تابع لجمعية العلماء المسلمين أما الفوج الثاني فيطلق عليه جمعية الطلبة والذي كان على رأسه الأستاذ عبد الحميد مهري وهو عن حزب الشعب وقد استقبلنا هذا الحدث بحيرة ورحنا نتساءل هل من قام بهذه الثورة هو الزعيم مصالي الحاج أم جبهة التحرير الوطني و لم نستبين الأمر إلا بعد عودتنا إلى الجزائر سنة 1955 حيث التقينا بالعقيد عميروش وأعلمنا بحقيقة الأمر من أن الثورة هي من فعل جبهة التحرير الوطني التي انصهرت فيها كل التنظيمات ولغاية واحدة وهي تحير الجزائر وبالتالي أعلنا له أننا نحن كذلك جنود الجزائر وسنبقى للالتحاق بالثورة ولكن عميروش الذي تكفل بمصاريف الدراسة عارضنا في ذلك وطلب منا إكمال رسالتنا في طلب العلم وبالعودة إلى جامع الزيتونة، وقال لنا نحن في حاجة إليكم في هذه المواقع و من تلك اللحظة بقينا على اتصال مع الشهيد عميروش عن طريق الشيخ طاهر علجت الذي بقي يدرس بالزاوية التي قنبلتها طائرات العدو سنة 1956 وبالتالي الطلبة الذي شردوا ولم يجدوا أي ملجئ وجدوا أنفسهم مكرهين لترك الدراسة والالتحاق بالجبال من أجل تحرير الوطن. س) رغم المهام العسكرية التي كانت موكلة للعقيد عميروش إلا انه لم يغفل للإهتمام بتكوين الطلبة و تعليمهم، أليس هذا رد على من يتهم عميروش بتوجسه و عدائه للمثقفين؟ ج) عميروش رحمه الله كان مجاهدا بالسلاح و لكن كانت له نظرة استراتيجية في مقاومة العدول وقد كان له الفضل وهو مسئول الولاية الثالثة بالنفقة على الطلبة الذين ذهبوا للدراسة بتونس بل تعهدهم بالرعاية وبالمتابعة عن طريق الشيخ طاهر علجت بل وقد تنقل سنة 1957 إلى تونس واجتمع بنا وبعث لنا بالمعلمين وبالطلبة بعدما أسس مدرسة صغيرة خارج العاصمة تونس أطلق عليها مدرسة النصر، كما عمل على توحيد صفوف الطلبة بمختلف توجهاتهم وبفضله تم تأسيس الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين الذي كنت أحد مؤسيسه وهكذا توحد الطلبة الجزائريون تحت راية واحدة تحت مسئولية جبهة التحرير الوطني. س) عدا كتابك حول الأدب الأندلسي هناك دراسة قيمة أنجزتها حول السيرة النبوية الشريفة التي كتبها الشيخ عبد الرحمن الثعالبي تحت عنوان" الأنوار في آيات النبي المختار" هل لك أن تحدثنا عن هذه الدراسة؟ ج) عند عودتي من الدراسة بالمشرق وجدتني أعرف عن تاريخ المشرق الكثير وأجهل تاريخ بلادي و عندها حرصت على دراسة التاريخ الجزائري والتعمق فيه وقد تعلقت بكل ما له علاقة به، كما تولد عندي كذلك تعلقا خاصا بالسنة النبوية الشريفة و قد وجدت أن علماء المشرق وعلماء الأندلس قد كتبوا عن السيرة النبوية إلا بلدان المغرب العربي بصفة عامة ومنها الجزائر لا نجد فيهم من اهتم بالسيرة النبوية ، فقد بحثت ودرست كل ما له علاقة بالسيرة النبوية إلى أن التقيت بالشيخ عمر بوعناني رحمه الله فأخبرني أن بحوزته كتابا عن السيرة النبوية تحصلت عليه من ضريح الشيخ عبد الرحمن الثعالبي، ولعلمك الشيخ الثعالبي كان زميلا لجدي الأكبر الشيخ العدلي وقد درسا مع بعض ببجاية و بينهما مراسلات وأقام الشيخ الثعالبي ببجاية حوالي تسع سنوات ، فكما قلت لك عندما تحصلت على هذا المخطوط عن السيرة النبوية للشيخ الثعالبي بعنوان" النوار في آيات النبي المختار" من الشيخ بوعناني تفرغت لتحقيقه ودراسته لمدة عشر سنوات من سنة 1990 إلى حوالي سنة 2001 وهو مطبوع في ثلاثة أجزاء و بعد دراسة مطولة حول من ألف في السيرة النبوية و الذين وصل عددهم الأربعين لم أجد من بين هؤلاء سوى الشيخ عبد الرحمن الثعالبي رحمه الله. س) ما هي المهام التي تقلدتها سوى اشتغالك بالتدريس وإدارة المعهد الوطني العالي لأصول الدين؟ ج) في سنة 1980 رشحت كعضو بالمجلس الإسلامي الأعلى الذي كان تحت وصاية وزارة الشؤون الدينية في عهد الوزير عبد الرحمن شيبان وبعد دستور 1996 ألحق برئاسة الجمهورية ومن سنة 1998 وفي عهد الدكتور عبد المجيد مزيان رحمه الله و أنا عضو بالمجلس الإسلامي الأعلى إلى يومنا هذا، حيث اضطلع بمهام رئاسة مجلس الفتوى بحكم تخصصي في الشريعة وإن كان هناك من هو أعلم مني في هذا الميدان. س) بحكم ترؤسكم للجنة الفتوى بالمجلس الإسلامي الأعلى، ما هي قراءتك لما يسمى بفوضى الفتوى وإصدار الفتاوى التي تحرم أكل الزلابية والاحتفال بالأعياد الوطنية كعيد ثورة نوفمبر وعيد الاستقلال وغيرها أكثر من أن تحصر وجميعها أثارت بلبلة كبيرة في المجتمع الجزائري؟ ج) نحن في الجزائر منذ أن وجدنا على ترابها وجدنا آباءنا و أجدادنا على فقه مذهب مالك وعلى عقيدة الأشعرية وطريقة الجنيد السالك، وعلى ذلك توحدنا وكانت صفوفنا متراصة و قلوبنا متحابة، و بذلك وقانا الله شر الفرقة والمهالك التي وقع فيه أشقاؤنا في المشرق العربي الذي كثرت فيه الملل والنحل والعقائد و المذاهب، فقبل الاستقلال إذا دخلت المسجد تجد المصلين كلهم على طريقة واحدة وعلى هيئة واحدة أما اليوم إذا الدخلت المسجد ففي الصف الواحد تجد شتاتا و نشازا، فهذا قابض واضعا يديه على صدره والآخر على بطنه و الآخر سادل وقد أرخى يديه وهكذا" إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا لست منهم في شيء"، إذا مذهب الدولة و هو المذهب المالكي ينبغي المحافظة عليه ، والمفتي يجب أن يحترم مذهب الجماعة التي يقيم بها حتى لا يمزق صفوفها ويحدث فتنة بداخلها وإذا كان على مذهب غير مذهب الجماعة فليحتفظ بذلك لنفسه. س) إذن تعتبر الفتوى الخارجة على إجماع الأمة التي رضيت بمذهب معين هو فتنة يجب محاربتها؟ ج) نعم من يقدم على ذلك فهو فتان وعلى الدولة بكل ما تتمتع من سلطة و صلاحيات أن تجعل من يجلس على كرسي الإرشاد والإفتاء التقيد بمذهب الدولة وعندنا بالجزائر مذهب الدولة والمجتمع هو المذهب المالكي ولا نقبل من يتصدر لذلك أن يخالف ما أجمعت عليه الأمة. س) الجزائر منذ قرون استقرت على المذهب المالكي ولكن في المدة الأخيرة سمعنا بعض الأصوات من تحذر من الدعاية ونشر المذهب الشيعي في الجزائر وغيرها من الدول العربية، كيف ترون هذه المسألة التي أثارها بشكل قوي الشيخ يوسف القرضاوي ؟ ج) والله عدونا المشترك وقضية الجميع هو الإلحاد والإباحية وهو الصهيونية والاستعمار وكل من يحارب الإسلام، ونحن نريد أن نجمع و لا نريد أن نفرق ونريد أن نوحد لا أن نشتت وكل من قال لا إله إلا الله ومحمد رسول الله هو على ملة الإسلام والمسلم أخ المسلم، قد نختلف في الفروع وهذا أمر طبيعي ولكن الهدف واحد و خلاف بيننا كسنة أو شيعة في الأصول، وفي هذا الوقت ما أحوجنا إلى أن تجتمع كلمتنا ونواجه معا الخطر الذي يهدد كياننا ويمزق صفوفنا، أما عن حب آل البيت وحب آل محمد فهذا لا خلاف حوله وكلنا نحب آل بيت رسول الله، فنحن نحب كل من يحبهم و نبغض كل من يبغضهم، وما نخشاه اليوم هو التكفير وليس التنصير، فمن بدل دينه فهو كافر والواجب هو قتله، واستخدام مصطلح التنصير هو خطأ شائع والأصل أن نقول التكفير. س) و في هذه الحالة ألا يجوز إقحام الآية الكريمة " لا إكراه في الدين" ؟ ج) أبدا فلا إكراه في الدين ما دام لم يدخل في الإسلام " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"أما وقد ولد مسلما أو اعتنق الإسلام ثم ارتد عنه فهو خروج عن الدين وحكمه حكم الكافر والواجب هو قتله وإلا سادت فوضى في المجتمع. س) في هذه الأيام انعقد الملتقى الثاني للطريقة التيجانية وقد أخذ عنوان التصوف والعولمة، هل التصوف قادر على مواجهة ثقافة العولمة؟ ج) يا أخي الإنسان لا يكون كذلك إلا بالروح والجسد، ولا يمكن الفصل بينهما بأي حال من الأحوال وكلاهما يكمل الآخر لتحقيق التوازن، و الحقيقة أن الروح هي الأصل و الجسد هو الوعاء لهذه الروح المقدسة التي نفخها الله في الإنسان من روحه، وكما قال لشاعر (( اقبل على النفس واستكمل فضائلها.. فأنت بالروح لا بالجسد إنسان)) وبالمناسة عندما كنت على سفر مع أحد الأطباء قلت له: الإسلام يعتبر العلم علمان، علم الأبدان و علم الأديان، ولكن هناك فرق، فنحن نربي الباقي وأنتم تربون الفاني، فكل ما فوق التراب تراب، إذن الإسلام لا يهمل جانبا لحساب الآخر والإنسان أمام ذلك وكأنه يحمل بكلتا يديه بثعبانين واحد باليمنى والآخر باليسرى، إذا شغل بهذا لدغه الآخر وعليه لا بد أن يكون مستيقضا في كلتا الحالتين حتى لا يطغى جانب على الآخر والله تعالى يقول " ولا تنسى نصيبك من الدنيا " و " من حرم طيبات الله من الرزق.."، وإذا كانت الدنيا مطية للآخرة فلا بد من العمل لهما معا" اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و اعمل لأخرتك كأنك تموت غدا"، و العلم بدون روح هو غثاء و لا منفعة ترجى منه والروح كذلك لا يمكن أن تعيش إلا في الجسد وما دام الأمر كذلك فلا بد من المحافظة على المادة وعلى الروح وهذا هو ما يسمى بالاعتدال والوسطية. س) و في الجانب الآخر هل يستطيع التصوف مقاومة نزعة التطرف، هل استطاع أن يحاصرها ويحاربها ؟ ج) التصوف هو الحب، وفي الواقع التطرف هو الذي يحارب الآن التصوف الذي أضحى في حالة دفاع، وذلك لأن التصوف يحب الخير للجميع ويتحرك في هدوء ولا يبغي إلا المنفعة لمخلوقات الله. س) و لكن ما هو ردكم على من يقول أن التصوف عجز و فشل في مهمة احتواء التطرف؟ ج) أولا التصوف هو الورع و الابتعاد عن الملذات وعن الأنانية وحب الذات والابتعاد عن كل ما يسيء إلى الخلق، و لا يدعوا إلا للخير، بقي أن يكون جميع الناس متصوف فهذا الأمر ليس سهلا ولا يسيرا، وقد خلق الله الخير والشر والجنة والنار والبقاء للأصلح، والذي وفقه الله وأحبه يعمل لدنياه ولآخرته. س) سماحة الشيخ ،كثيرا ما نجد الدول الغربية التي تتبنى السياسة اللائكية أو العلمانية أي فصل الدين عن الدولة ما تصرف الملايير من أجل التبشير بالمسيحية، كيف تحللون هذا التعارض أو إن صح التعبير هذا النفاق، و هل تقرون بفصل الدين عن الدولة في الإسلام؟ ج) والله هؤلاء من كثرة ما حسدونا أرادوا أن يفسدونا فكتاب ربنا لازال محفوظا و سنة نبيه، فاليهود والنصارى حرفوا دينهم ولما وقعوا في شر أمرهم ظلوا وتاهوا و ووهنوا وضعفوا وغابت حضارتهم و لم يخرجوا من هذه الظلمات وهذا التخلف إلا بعدما استفادوا من علومنا واستبعدوا الكنيسة من حياتهم وهم اليوم يتحكمون في العالم، أما نحن فالعكس هو الصحيح، فلم يكن لنا ذكر بين الأمم إلا بعدما أعزنا الله بالإسلام و حينما تركنا ديننا أذلنا الله وتحولنا عبيدا في يد الغرب الذي استعمرنا لمدة قرون من الزمن ولا يمكن أن نستعيد عزتنا وكرامتنا إلا بالعودة إلى الإسلام الذي نظم حياة شؤون ديننا ودنيانا ولا فصل بين الدين و الدولة في شريعتنا. س) ما هو تعليقك سيادة الشيخ حول المبادرة التي أقدم عليها السيد رئيس الجمهورية حول التعديل الجزئي للدستور والتي من خلال أكد على الثوابت الوطنية وحماية الذاكرة الوطنية ورموز الثورة من أي تشويه أو تحريف أو تدنيس. ج) هذه بحق خطوة مباركة وما لا يختلف حوله اثنان هو ألا مواطن بلا وطن، ولا عزة لنا إلا بديننا ووطننا الذي ضحى من أجله الشهداء وبالمحافظة على تاريخنا و لغتنا وهذه بدون شك هي المقومات الأساسية لكل أمة، إذن لا عزة وحرمة لنا إلا بديننا وببلادنا وبمن أنقذ هذه البلاد من الاستعمار ومن الشرك، و بالتالي نسأل الله التوفيق لبلادنا وأعان الله كل من عمل لهذا الوطن بكل صدق ووفاء ورحم الله جميع الشهداء. بعدما ختمنا لقاءنا بالشيخ محمد الشريف قاهر وعند توديعه لنا وهو بمكتبه بالمجلس الإسلامي الأعلى، حدثنا قائلا: إن ما تقومون به في جريدة " صوت الأحرار " هو علامة وبشارة خير ودليل على أن أبناء هذا الجيل لازال متمسكا بهويته ووطنه وأن ما نقوم به هو صورة من صور التكريم لرجاله وأعلامه.